جزائريات يهربن من أبناء البلد بالزواج من أجانب

تداعيات الزواج المختلط خطيرة على تربية الأبناء وتنشئتهم الاجتماعية.
الخميس 2021/02/18
الزواج المختلط محفوف بالمشاكل

في زمن العولمة وثورة منصات التواصل الاجتماعي لم يعد الحديث عن زواج الجزائريات من الأجانب أو ما بات يعرف بالزواج المختلط من التابوهات أو من المواضيع التي يتحاشى المجتمع الجزائري المحافظ الخوض فيها، بل أجبر في النهاية على القبول بالأمر الواقع ولو على مضض.

الجزائر - قبل سنوات مضت انتشرت على نطاق واسع قصص وحكايات عدد من الجزائريين الذين لجأوا إلى حيلة الزواج بأجنبيات بهدف الحصول على وثائق تسمح لهم بالإقامة في البلد الذي هاجروا إليه من أجل العيش في رفاهية ورخاء، دون الأخذ في الحسبان المرجعية الدينية للزوجة أو عمرها، وبعيدا عن ضوضاء الرفض أو التنديد والاستنكار من عائلة الرجل.

لكن اليوم انعكست الآية فبات الحديث عن زواج الجزائريات بالأجانب أبرز حدث، حتى أن قاعات المحاكم صارت تعج بآلاف القضايا لتثبيت هذا الزواج المختلط وما تخفيه هذه القضايا وراءها من قصص درامية وأليمة في آن واحد.

وتؤكد دراسة أنجزها المركز الجزائري للدراسات والإعلام والتوثيق حول الأسرة والمرأة والطفولة أن نصف الجزائريين لا يرضون بزواج الجزائرية من أجنبي إلا إذا اقترن بشروط ذات صبغة دينية كالإسلام والانتماء الجغرافي العربي، في حين أن ثلث الذين شملتهم الدراسة يرفضون الفكرة رفضا باتا.

ونبه سمير عيمر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر في حديثه مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إلى نقطة يقول إنها مهمة جدا وهي ضرورة مراعاة المنظومة الأخلاقية ومنظومة المعايير والقيم التي تتميز بها المجتمعات الإسلامية -ومن ضمنها المجتمع الجزائري- عندما يتعلق الأمر بالزواج المختلط.

80

في المئة من الزواج المختلط غرضه سعي الأجانب للاستفادة من منافع وامتيازات شخصية

ويذكر عيمر أن الزواج كان سابقا يتم بالطرق التقليدية والمعروفة، حيث أن الآباء والأمهات هم الذين يذهبون إلى العائلات لخطبة زوجات أبنائهم، أما اليوم فتغيرت الأحوال وأصبحت الخطبة تتم عن طريق الفيسبوك ووسائط التواصل الاجتماعي بسبب التغيرات السريعة والرهيبة التي تحدث في كل المجتمعات.

ويستشهد عيمر بمقولة لعالم الاجتماع الفرنسي شامبر دو لو التي أشار فيها إلى الصعوبة التي يجدها الشخص في التأقلم ضمن محيط أو مجتمع أو فضاء لم ينتجه أو لم يكن جزءا في إنتاجه، ولم يكن حتى من إنتاج آبائه أو أجداده.

كما يبرز قول ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث في كتابه “المقدمة” -وهو يتكلم عن المجتمعات العربية والإسلامية- “واعلم أن الملل والنحل والعوائد لا تدوم على وتيرة واحدة بل تختلف باختلاف الأزمنة والأمصار”.

والمعروف أن الزواج يبنى على خيارات وقناعات تختلف من إنسان لآخر، وقد ساهم توافد الأجانب على الجزائر كممثلين لشركات استثمارية أو كلاجئين في تشجيع الزواج المختلط دون أن تكون للطرفين بالضرورة روابط مشتركة وما يشكله ذلك من تداعيات خطيرة على تربية الأبناء وتنشئتهم الاجتماعية.

زوج بأي ثمن

توافد الأجانب على الجزائر كممثلين لشركات استثمارية أو كلاجئين ساهم في تشجيع الزواج المختلط دون أن تكون للطرفين بالضرورة روابط مشتركة

تروي سهام قصة زواجها من أجنبي فتقول إنها تعرفت عليه عندما كان يقصد المطعم الذي كانت تملكه كزبون، وبعد فترة تطورت العلاقة إلى إعجاب ولقاءات توجت بزواج استمر خمس سنوات وكانت ثمرته بنت وحمْلها بولد.

لكن إصابة الابنة بسرطان الكبد دفعت الأب للعودة إلى بلاده من أجل توفير أموال مصاريف التكفل الصحي، بيد أنه لم ينجح في إرسال سوى 100 يورو كل ثلاثة أو أربعة أشهر، وهو مبلغ زهيد جدا في نظر سهام، لينتهي الأمر بعدم عودة الرجل إلى الجزائر حتى لحضور جنازة ابنته ومعرفة وجه ابنه الذي خرج للحياة.

فهمت سهام أن زوجها لا يريدها هي ولا ابنهما ولا العيش في الجزائر، فما كان عليها سوى مباشرة إجراءات الطلاق الذي تحصلت عليه بعد عام ونصف العام. ورغم هذه القصة الأليمة أعادت سهام الكرّة مع أجنبي آخر في تجربة ثانية تقول إنها لا تعرف إن كانت ستكلل بالنجاح أم بالفشل مثلما انتهت إليه التجربة الأولى.

وتعلق أمينة حريش المختصة في شؤون الطفل والأسرة والمرأة على هذه التجربة قائلة إن المرأة خاضت تجربة فاشلة بكل المقاييس ورغم ذلك تصر على الارتباط بغير الجزائري، وهو ما يقدم صورة نمطية عن أن العيش السعيد بالنسبة إليها مضمون مع الأجنبي وليس مع الجزائري.

وتؤكد حريش أن سهام لديها عوائق نفسية لم تسمح لها بالتخلص من أفكارها التي جرتها إلى الارتباط بالأجنبي، مضيفة أن الزواج هو توافق فكري وعاطفي وبيئي، ومعايير نجاحه هي الاستقرار الأسري والتواصل المستمر والانسجام الفكري.

كما توضح أن الفتاة الجزائرية تعودت على تقاليد وأنماط حياة معينة في أسرتها وعندما تغادر إلى بيت زوجها الجزائري تجد صعوبة في التكيف مع هذا التغيير، فما بالك إذا كان شريكها أجنبيا وعاداته وتقاليده مختلفة تماما.

السعي خلف مآرب شخصية

تذكر المحامية نوال أمقران أن 50 في المئة من قضايا إثبات الزواج العرفي تتعلق بالزواج المختلط، لافتة إلى أن الأمر لا يخص زواج الجزائريين بالأجنبيات لأن هذه الحالة تعالج خارج الجزائر، وأن المشاكل التي تقع مرتبطة بجزائريات تزوجن بأجانب هنا في الجزائر.

وتعتقد أمقران أن 80 في المئة من الزواج المختلط غرضه سعي الأجانب للاستفادة من منافع وامتيازات شخصية، كالحصول على الإقامة أو النصب عبر تحويل الأموال من خلال استغلال أزواجهن الذين يحصلون على قروض بنكية ضمن مشاريع خدمية أطلقتها الحكومة، وهو ما يوقعهن في مشاكل إدارية مع البنوك التي تطالبهن بتسديد هذه القروض التي هرب بها الأجنبي إلى بلده أو إلى وجهة أخرى غير معروفة.

وتشدد على ضرورة إلمام الجزائرية التي تريد الزواج بالأجنبي بكل المشاكل التي تسفر عن مثل هذه الزيجات، لأنها ستكون في نهاية المطاف في مواجهة والديها وعائلتها والمجتمع بسبب خيارها.

حضانة الأبناء مأساة حقيقية

القبول بالأمر الواقع
القبول بالأمر الواقع

تصف المحامية فاطمة الزهراء بن براهم المنظومة التشريعية التي وضعتها لتنظيم الزواج المختلط بأنها “حماية للجزائريات من تجاوزات الأجانب”.

وينص القانون الجزائري على أن رخصة الزواج المختلط تسلم من طرف المحافظ المختص إقليميا، ويشترط فيها أن يكون الأجنبي في وضعية إقامة قانونية فوق التراب الجزائري، وأن يتمتع بالقدرة على الزواج بموجب شهادة صادرة عن ممثليته الدبلوماسية بالنسبة إلى الدول التي تصدر هذه الوثيقة أو شهادة رسمية مماثلة تفي بالغرض بالنسبة إلى الدول التي لا تصدرها.

ويمنع القانون زواج الجزائرية المسلمة بغير المسلم، ولا يجيز أن يقوم الطرفان أو أحدهما بالتحايل على القانون والإجراءات التي تنظم الزواج المختلط لتحقيق أغراض أخرى غير الغرض الرئيسي من الزواج.

كما يشدد على ضرورة المحافظة على التماسك الاجتماعي والأمن القومي والنظام العام.

وتوضح المحامية بن براهم أن الأجنبي الذي يريد الزواج من جزائرية يكون محل بحث اجتماعي وتحقيقات أمنية مسبقة بهدف معرفة غاية وهدف هذا الزواج، معلنة عن معارضة صريحة لزواج الجزائريات بالأجانب لما فيه من مشاكل كثيرة يمكن أن تتورط فيها حتى عائلاتهن عندما يستنجد الزوج بالزوجة من أجل إيجاد حلول دون أن تنجح في ذلك.

القانون الجزائري ينص على أن رخصة الزواج المختلط تسلم من طرف المحافظ المختص إقليميا، ويشترط فيها أن يكون الأجنبي في وضعية إقامة قانونية فوق التراب الجزائري

وتؤكد المحامية أن الزوج بوسعه أن يأخذ أولاده ويعود إلى بلده في أي لحظة باعتبار أن القانون يقف في صفه ويمنح أولاده جنسيته.

ومن جانبها اعترفت المحامية أمقران بأن الجزائري قليل الرومانسية مقارنة ببقية الرجال العرب مثلا، وهو ما يجعل المرأة الجزائرية تبحث عن هذه الحلقة المفقودة لدى الأجنبي، داعية الراغبة في الإقدام على الزواج المختلط إلى التفكير بعمق في عواقبه، خاصة في ما يتعلق بحضانة الأطفال.

وتشير إلى أنه في حال تنازع القوانين مثلا فإن القانون الجزائري يمنح الولاية على الأطفال للأب الذي يمنحهم كنيته، أما الأم في حال سعت لاستعادة فلذات كبها -وهو الموقف الذي يحدث غالبا- يتعين عليها رفع دعوى قضائية للمطالبة بحضانتهم مثلما تنص عليه المادة 64 من قانون الأسرة الجزائري، قبل أن تبدأ معركة أخرى لاسترجاع الأبناء عن طريق مباشرة إجراءات إدارية على مستوى وزارة الخارجية والسفارة الجزائرية في البلد الذي يتواجد فيه أطفالها.

وأكد خبراء العلاقات الزوجية أن هذا المشوار بالتأكيد ليس سهلا على أي امرأة خوضه بالنظر إلى العوائق والمطبات التي تميزه، ولفتوا إلى أن الزواج ليس صناعة التميز أو ارتداءً للفستان الأبيض بل هو مشروع حياة يستوجب التخطيط له بتدبير وتبصر، بعيدا عما تروجه المسلسلات والأفلام الأجنبية وفضاءات الإعلام الجديد على أنه تبادل للمشاعر والرحلات تسقط معه كل الأعراف والتقاليد البالية.

ولا يتوانى كثيرون في تحميل الأمهات مسؤولية التنشئة الأسرية الخاطئة بمساهمتهن في تربية بناتهن بطريقة خاطئة تدفعهن إلى التفكير في الثورة على منظومة الأخلاق والقيم التي تحكم المجتمع في سبيل تحقيق ربما نزوات وأضغاث أحلام ليس إلا، حتى بوجود زيجات مختلطة ناجحة تستحق الإشادة.

 
21