"جرعة زائدة" حكاية للفتيان على لسان مدمن

رواية مشوقة تقدم رسالة توعوية لليافعين الذين ينتمون إلى فئة اجتماعية شديدة الخصوصية.
الثلاثاء 2022/05/10
عالم قاتم يجب الحذر منه (لوحة للفنانة رندة مداح)

عمّان - تقدم الكاتبة الأردنية هيا صالح في روايتها “جرعة زائدة” قصة يرويها فتى يتورط في إدمان المخدرات ثم يقرر التخلص منه مستعينا بإرادة صلبة.

ويمكن الولوج إلى عوالم الرواية الموجهة للفتيان من خلال النص الموجود على الغلاف الأخير على لسان البطل “من السهل أن تنزلق. يكفي أن يحثك أحدهم على ذلك لتجد المئات من التبريرات لإقناع نفسك بالسير في تلك الطريق الوعرة”، مضيفا “أمامك خياران: الاستسلام وقبول الهزيمة، أو القتال بعناد للخروج من ظلمة النفق. لا تصدق أن دربا محفوفا بالشر سيقودك إلى السعادة”.

ومنذ الصفحة الأولى، يجري القارئ مع الأحداث من غير ملل، فقد شيدت الرواية بأسلوب تشويقي من خلال العقد المتتالية والمرتبطة ببعضها بعضا على مدى فصولها، وصولا إلى النهاية التي تقلب التوقعات رأسا على عقب، إذ يكتشف القارئ أن ما بناه في ذهنه من تصورات مسبقة أوحى بها العنوان ليس في مكانه. وهذا التلاعب المدروس والاشتغال في تلك المنطقة الحساسة بين ما نختزنه من أفكار مسبقة عن تعبير “جرعة زائدة” وبين القصد الذي أرادته الكاتبة بالفعل جعل من النهاية متوهجة وفارقة.

الرواية شيدت بأسلوب تشويقي من خلال العقد المتتالية والمرتبطة ببعضها بعضا سعيا لنقد ظاهرة الإدمان الخطيرة

ويلمس القارئ صدقية الكلمات التي تخرج من قلب الفتى/ البطل وهو يخوض تلك التجربة المريرة في مواجهة آفة المخدرات التي تغريه بالتجريب من غير أن يفكر في العواقب.

جاء سرد الأحداث في الرواية، الصادرة حديثا عن دار الآن ناشرون وموزعون، بضمير الأنا وعلى لسان الشخصية الرئيسة، إذ يسرد “مجدي” تجربته مع الإدمان، ويستدعي في مفاصلها تجارب عدد من أصدقائه، كاشفا من خلال مسار زمني نفسي لا تعاقبي عن تفاصيل حياته وطبيعة العلاقات في عائلته وبيته ومدرسته، وكيفية انقياده إلى عالم الإدمان، والظروف النفسية والمادية التي أوقعته في تلك الحفرة.

وتضيف صالح أن إدمان المخدرات ليس ناتجا عن التفكك العائلي دائما كما هو شائع أو متداول في معظم الروايات التي تناولت هذا الموضوع، إذ توضح لها من خلال قراءاتها وبحوثها ومقابلتها لأشخاص خاضوا تلك التجربة، أن هناك خليطا مركبا ومعقدا من الأسباب يشمل “العائلة، وطبيعة المرحلة العمرية، وسعي بعضهم لتحقيق أحلامه في غمضة عين، وأصدقاء السوء، والانجرار وراء ممارسات تنطوي على مخاطر على الصحة وفي مقدمتها التدخين”.وتقول الكاتبة هيا صالح حول فكرة روايتها “أردت أن أقدم رسالة توعوية تربوية لليافعين الذين ينتمون إلى فئة اجتماعية شديدة الخصوصية نظرا إلى طبيعة تكوينهم النفسي والجسدي في مرحلة تشهد تحولا تدريجيا من الطفولة إلى الشباب. فالبطل والشخصيات الرئيسة في محيطه جميعهم من هذه الفئة، وكل منهم يعيش ظروفا حياتية وعائلية مختلفة عن البقية”.

وتبث الرواية التي احتشدت فيها الشخصيات ذات البناء النفسي المركب، والأحداث المشوقة والقريبة من الواقع، رسالة محددة تصل إلى القارئ بطريقة غير مباشرة، إذ تركز الكاتبة على النتائج الوخيمة لتعاطي المخدرات والكفيلة بأن تكون رادعا للشباب وحائلا دون خوضهم لتلك التجربة التي تفتح في وجوههم أبوابا من الجحيم، فالتعاطي كما ظهر في الرواية يقود الشخص إلى المساس باستقرار العائلة بعامة وبالتالي استقرار كل فرد فيها، فضلا عن تبديد المال ومحاولة الحصول عليه بطرق غير مشروعة كالسرقة والاحتيال والسطو والكذب.. والأهم استهلاك الجسد واستنزاف طاقاته ودفعه إلى الهاوية.

لكن الرواية تبقي باب الأمل مشرعا للعودة، وتركز على أهمية التحلي بالإرادة لخلاص المدمن مما هو فيه واستعادة حياته، وهي تقدم السبل الكفيلة بذلك من خلال محاولات البطل المستميتة للتوقف، ودخول عدد من رفاقه إلى مراكز العلاج مع التذكير على مدار الرواية بأن المدمن يمكنه في أي وقت اللجوء إلى أحد تلك المراكز من غير أن تكون هناك عقوبة قانونية بحقه، ومع التذكير أيضا بأهمية الترابط الأسري وتوثيق الصلة مع الأبناء وعدم الانشغال عنهم وعن متابعة مجريات حياتهم اليومية.

13