جدل في تونس حول مشروع قانون الهيئات الدستورية

تونس - تعيش تونس على وقع جدل سياسي وقانوني حول مشروع قانون الهيئات الدستورية، إذ تطالب منظمات غير حكومية بسحب مشروع القانون الذي قالت إنه لا يضمن استقلالية هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
وكانت حكومة الوحدة الوطنية كلفت وزارة “العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان” بصياغة مشروع قانون الهيئات الدستورية المستقلة.
وانتقد الائتلاف المدني لمكافحة الفساد في تونس الثلاثاء مشروع القانون داعيا إلى سحبه، وحذّر من كونه لا يمثّل ضمانة لاستقلالية هذه الهيئة عن السلطة التنفيذية.
ويتكوّن الائتلاف من “الاتحاد العام التونسي للشغل” (المركزية النقابية) و“الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” و“الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” ومنظمة “أنا يقظ” فرع الشفافية الدولية في تونس، ومنظمات أخرى.
ونصّ دستور الجمهورية الثانية في تونس (2014) على إحداث “هيئات دستورية مستقلة” تتمتع بـ“الاستقلالية الإدارية والمالية” من بينها “هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد”.
وأوضح جمال مسلم رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لـ“العرب” أن الائتلاف طالب مجلس النواب الأخذ بعين الاعتبار بمقترحات تعديل فصول من مشروع قانون الهيئات لضمان نجاح عمل مجمل الهيئات الدستورية في المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها تونس.
ويضيف “من الضروري تمكين الهيئة من إمكانيات بشرية ومادية لتستطيع القيام بمهامها الموكولة إليها ولدعم حرب الحكومة ضد الفساد”.
|
ويلفت مسلم إلى أن “القانون الحالي قد يسمح بتسرّب ممارسات الفساد لذلك دعونا مجلس النواب إلى التروّي. نتخوف أن لا تكون للهيئة صلاحيات شاملة. كما يجب دعمها على مستوى تقني بعدد أكبر من القضاة”.
وقالت ليلى الحمروني، النائبة عن كتلة الحرة بالبرلمان، لـ“العرب” “تم الاتفاق بين أغلب الأحزاب على مناقشة القانون وتعديله دون سحبه. القانون مرّ على لجنة التشريع العام وله مدة زمنية طويلة ووقع الالتجاء إلى مقترحات لتحسينه حيث ارتأت كل الكتل التمسك بتحسينه وتنقيحه”.
وأضافت “بادر الوزير مهدي بن غربية بتلخيص التعديلات في شكل فصل واحد لإنهاء التنافس بين الكتل الحزبية”.
ولفتت إلى أنه “تم التأكيد على الاستقلالية. نحن لا نريد إقحام السلطتين التنفيذية والتشريعية في مسألة الحصانة مثلا ولا نريد عودة الاستبداد مجددا
لذلك فتحنا التمويل خارج الدولة بشرط المراقبة”.
وأوضحت الحمروني أن “عمل الهيئة لدعم جهود الحكومة ضد الفساد يتطلب إمكانيات مادية كبيرة، لكن الدولة مازالت غير قادرة لذلك اقترحنا توفير هبات وعطايا من جمعيات وأطراف بمصادر غير مشبوهة تحت مراقبة وزارات الإشراف”.
واطلعت لجنة التوافقات بمجلس النواب الشعب بحضور وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، مهدي بن غربية، على حوالي 65 مقترح تعديل بخصوص قانون مجلة الهيئات الدستورية، تم تقديمها من قبل مختلف الكتل البرلمانية.
والهيئات الدستورية في تونس حسبما نصّ عليها الباب السادس من دستور 2014 هي: هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الإنسان وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة والأجيال القادمة. والهيئات الثلاث الأخيرة مازالت لم تر النور بعد.
وأكد بن غربية أن الحكومة منفتحة على كل مقترحات التعديل مع تمسّكها في الآن ذاته بضرورة المصادقة على مشروع القانون الأساسي عدد 30 عام 2016، المتعلق بمجلة الهيئات الدستورية المستقلة وعلى مشروع القانون الأساسي عدد 38 لعام 2017 الخاص بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، خلال الفترة النيابية الحالية.
وأشار بن غربية إلى “ارتباط المشروع الأول بمشاريع قوانين بقية الهيئات الدستورية وللأهمية التي يكتسيها المشروع الثاني في جهود حكومة الوحدة الوطنية الرامية إلى مكافحة الفساد ومحاربته”.
وقال طيب المدني رئيس لجنة التشريع بمجلس نواب الشعب التونسي خلال تصريحات لـ”العرب”، إنه سيتم المصادقة على مشروع قانون الهيئات الدستورية” دون ذكر تفاصيل أخرى.
ولفت حسونة الناصفي النائب بمجلس نواب الشعب في تصريحات لـ“العرب” إلى أن مختلف الكتل قامت بتقديم مقترحات تعديل وتم الاتفاق بخصوص بعض النقاط منها. لكن جلّ مقترحات التعديل لم يتم التوافق بخصوصها لذلك سيقع تمرير القانون بنسخته الأصلية”.
ويضيف “التوافق غاب على مستوى التعديلات الخاصة بمشروع القانون، ولتجاوز هذا الاختلاف لجأنا إلى النص الأصلي”.
ويرجّح مراقبون للشأن السياسي صعوبة تحقيق التوافق التام بخصوص تعديلات مشروع القانون لما يعانيه مجلس النواب من حالة انقسام نتيجة التجاذبات السياسية والحزبية المستمرة.
ويثير مشروع قانون إحداث هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد مخاوف لدى الأحزاب السياسية وبصفة خاصة الأحزاب الكبرى، كحركتي النهضة والنداء، بسبب اتهامات بالفساد طالت البعض من قيادييها.
وصادق مجلس النواب أثناء الحصة الصباحية للجلسة العامة المنعقدة تحت قبة البرلمان على الفصول العشرين الأولى من مشروع القانون الأساسي المتعلق بمجلة الهيئات الدستورية المستقلة البالغ عددها 34 فصلا.