جدل تقنية الفيديو في كرة القدم.. متعة اللعبة أم عدالة التحكيم

الثلاثاء 2017/07/04
عين واحدة لا تكفي

الجدل القائم حول استخدام تقنية الفيديو في مباريات كرة القدم، بغاية مساعدة الحكام على اتخاذ القرار الصائب وبالتالي التقليل من الأخطاء، هو جدل يتجاوز الجانب المتعلق بالنتائج أو الألقاب ليطال جمالية اللعبة ذاتها.

لعبة كرة القدم، على غرار مختلف الرياضات الأخرى، شهدت تطورا كبيرا وتغييرات كثيرة منذ سن قانونها لأول مرة في إنجلترا في العام 1863، مرورا بقوانين أواخر الثلاثينات من القرن الماضي التي سنها ستنانلي راوس الذي أصبح لاحقا رئيسا للفيفا، والجامع بين كل هذه التعديلات أنها كانت تسعى إلى المزيد من تنظيم اللعبة وتعزيز اللعب الهجومي وحماية اللاعبين.

لكن أخطاء تحكيمية شائعة وذائعة الصيت حتمت على القائمين على اللعبة التفكير في حلول تقلل من الأخطاء التقديرية وتضمن تبعا لذلك حق المتبارين.

لذلك لم يكن ابتكار فكرة اعتماد الفيديو الفكرة الأولى في هذا الصدد، حيث جربت الفيفا تقنية التواصل بين الحكم ومساعديه، وإضافة حكم المرمى وغيرها من الابتكارات.

في العام 2007 تم تدشين تجربتين في استخدام جزء من التكنولوجيا في كرة القدم؛ الأولى كانت عن طريق استخدام شريحة إلكترونية في الكرة والأخرى مشابهة كثيرا لتقنية عين الصقر في كرة التنس بكاميرات متخصصة لكي تحسم القرار في حال تخطت الكرة خط المرمى.

إلا أن الجدل المثار حول اعتماد تقنية الفيديو في التحكيم، والذي اندلع خلال كأس القارات لهذا العام، ولئن ركز على مسائل تقنية إجرائية من قبيل الوقت الذي تستغرقه عملية تثبت الحكم من إعادة اللقطة، إلا أنه في عمقه تجاوز لذلك التفصيل.

الانتقادات الموجهة للتقنية، والتي جاءت من فئات مختلفة ذات صلة بميدان كرة القدم، لاعبين ومسؤولين وحكام وغيرهم، قامت أولا على أن تقنية الفيديو ستفتح الباب لتوغل التكنولوجيا في لعبة رياضية بشرية، وبالتالي تبديد جمالية اللعبة وأحد عناصرها الأساسية الحكم بما يتخذه من قرارات قد تكون محددة في لحظات محددة.

كان الرئيس السابق للفيفا جوزيف بلاتر أحد المناهضين لتوغل التكنولوجيا على حساب كرة القدم، وأيضا من منطلق الذود عن سيادة الحكام على أرض الملعب.

هدف أسطورة الأرجنتين دييغو مارادونا الذي خاتل به الحكم التونسي علي بالناصر حين سجل هدفا باليد ضد منتخب إنكلترا في بطولة كأس العالم في المكسيك عام 1986، كان هدفا جميلا رغم أنه لم يكن شرعيا، وشهرته جاءت من مكر اللاعب وتمكنه من مراوغة الجميع.

والثابت أن المئات من الأهداف المحتسبة كانت خاطئة، هنا يصبح التقدير البشري جزءا من اللعبة وركنا من جماليتها. بل إن لاعبين كثر عرفوا بقدرتهم ومكرهم في انتزاع ضربات الجزاء بإيهام الحكام بتعرضهم للاعتداء، هنا قد يصبح الأمر مستحيلا باعتماد الفيديو لكن الجمالية ستفتقد من اللعبة بافتقاد تلك الطينة من اللاعبين.

دواعي رفض تقنية الفيديو لا تقف عند هذا الحد، بل إنها تنطلق أيضا من الوقت الضائع أثناء تثبت الحكم من اللقطة وهو ما يفقد اللاعبين كما الجماهير الحماسة والحرارة، ذلك أن الحكم قد يستغرق دقائق لمشاهدة اللقطة أو إعادة مشاهدتها قبل البت في القرار. توقف يحتاج وقتا لاسترجاع التركيز واللياقة، وهو أيضا ما يعني خسارة انسيابية اللعبة ومستواها ونسقها.

على أن في الإجراء بعضا من العدالة والإنصاف، صحيح أن هذه التقنية في خطواتها الأولى وتحتاج استيعابا وتدريبا وتفهما من جميع الأطراف المتدخلة، إلا أنها إن وصلت إلى مستوى معين من مراكمة التجربة قد تضمن حدا أدنى من العدالة بين الفرق وتحول دون خروج فريق أو خسارته لمجرد خطأ تقديري من الحكم وإن كان بحسن نية.

والدليل أن تقنية الفيديو مستخدمة منذ سنوات في رياضات عديدة مثل كرة الطائرة وكرة السلة والتنس وألعاب القوى وغيرها، بل وصلت التقنية في هذه الألعاب مستوى من النضج أتاح تقليل الأخطاء وحسم القرارات في الوضعيات الشائكة.

الجدل المثار حول تقنية الفيديو ليس جدلا تقنيا بل هو خلاف بين تفضيل متعة اللعبة أو تحقيق عدالة التحكيم. تقنية الفيديو يمكن أن تقترب بشكل كبير من عدالة التحكيم لكنها ستمتد على حساب متعة اللعبة وجماليتها، ولو كان بإمكان عشاق كرة القدم الاختيار لاختاروا المعادلة الصعبة، وهي الجمالية والعدالة، وطالما الأمر غير قابل للتحقق في المدى المنظور فسيبقى الخلاف قائما، في انتظار تعود الناس على الجديد الزاحف، هذا إن لم تختف صفارة الحكم ليستعاض عنها بإشارة إلكترونية.

للمزيد:

تقنية الفيديو ضرورة لتقليص أخطاء الحكام

إهدار للوقت وتقليل من هيبة الحكام

12