جدري القردة، مثله مثل كوفيد والإيدز، أظهر التفاوت بين الأثرياء والفقراء

نقص إمدادات لقاحات جدري القردة كشف حالة التمييز بين الدول الغنية والفقيرة وكذلك التفاوت بين الأثرياء والفقراء داخل كل دولة وظاهرة تهميش الأقليات الجنسية والعرقية في تكرار لما حصل مع تفشي كوفيد والإيدز.
واشنطن - يتزايد القلق من أن التدافع على الإمدادات النادرة من لقاحات جدري القرود قد يؤدي إلى انعدام توفّرها لبعض الدول والجماعات المعرضة للخطر. ويذكّرنا هذا بعدم المساواة في الوصول العالمي إلى لقاحات كوفيد – 19 وأدوية فايروس نقص المناعة البشرية.
وينتقل المرض، الذي وصل إلى ما يقرب من 100 دولة خارج أفريقيا، حيث يتوطّن الفايروس، بأغلبية ساحقة بين الرجال المثليين. ويحظون بالأولوية في التطعيم على مستوى العالم، لكن البعض يواجه طابورا أطول من البعض الآخر.
وقالت وفاء الصدر، مديرة المركز الدولي لبرامج رعاية وعلاج الإيدز ومديرة مركز البحوث الوبائية للأمراض المعدية في كلية ميلمان للصحة العامة بجامعة كولومبيا، “للأسف، نرى التاريخ يعيد نفسه. لم نتعلم بعد الدروس الصعبة التي استخلصناها أولا من فايروس نقص المناعة البشرية وكوفيد – 19 مؤخرا”.
ووصلت علاجات فايروس نقص المناعة البشرية الفعالة إلى السوق في 1996 وسرعان ما أنهت مرحلة أزمة وباء الإيدز في الدول الغربية، ولكن إمدادات كبيرة من مضادات الفايروسات القهقرية وصلت إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعد سنوات. وبالمثل، خزّنت الدول الأكثر ثراء لقاحات كوفيد – 19وعلاجاته.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن الإمدادات المحدودة من لقاح جدري القرود البافاري – الأسكندنافي قد أخذتها الولايات المتحدة في الغالب التي سجّلت أكبر عدد من الحالات، لكن بعض الدول المتضررة بشدة مثل البرازيل وبيرو لم تنال أي لقاح.
وتحاول منظمة الصحة العالمية إنشاء آلية توزيع عادل، لكن ليس لديها إمكانية الوصول إلى اللقاحات. وقال المسؤولون الأميركيون في 26 أغسطس إن ما يقرب من 1.1 مليون قارورة من اللقاح، المعروف بأسماء جينوس وإمفانيكس و إمفاميون اعتمادا على الدولة، إما أنها خصّصت لسلطات قضائية داخل الولايات المتحدة أو هي متاحة الآن للطلب.
وتعدّ البلاد موطنا لأكثر من 18 ألفا من حوالي 48800 حالة تشخّصت في 99 دولة خلال 2022، وفقا للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وقد ترك هذا الدول الأخرى تتدافع للحصول على الجرعات المتبقية، حتى مع بقاء العلماء غير متأكدين من مدى نجاح اللقاح.
التوزيع العادل
يقول بعض الخبراء إلى جانب الدعوة إلى التوزيع العادل بين البلدان المتضررة حديثا، إن الاستجابة العالمية العادلة ستعطي الأولوية أيضا للأشخاص المعرضين لمخاطر عالية في 11 دولة في وسط أفريقيا وغربها حيث أصبح جدري القردة مستوطنا منذ اكتشافه لأول مرة في البشر في 1970.
في المقابل يرى بعض مسؤولي الصحة في أفريقيا أنه لا توجد حاجة ملحة للتطعيم ضد الفايروس، الذي ينتشر من خلال الاتصال الوثيق للغاية، وتسبب في 15 حالة وفاة في جميع أنحاء العالم هذا العام.
وقال بارثولوميو ديكي أكانمور، مستشار بحوث اللقاحات والتنظيم مع مكتب منظمة الصحة العالمية في أفريقيا المؤسسة تومسون رويترز، “يعتبر اكتناز اللقاحات مصدر قلق دائما… ولكن في الوقت الحالي، بالنسبة إلى أفريقيا، لا تتمثل الخطة في توزيع اللقاحات أو تلقيح أعداد كبيرة من الناس ضد حالات قليلة من جدري القرود التي رأيناها في الماضي”.
وقال المدير العام للخدمات الصحية في غانا، باتريك كوما أبواجي، إنه على عكس كوفيد – 19 “لا يوجد سبب للقلق”. وأضاف “نحن نراقب الأرقام وننظر فيها. وإذا رأينا مجموعة معينة معرضة إلى خطر كبير، فسنقوم بالتطعيم كما يحدث في دول مثل الولايات المتحدة”.

وداخل تلك البلدان التي تقوم بالتطعيم، يحذّر الخبراء أيضا من الوصول غير المتكافئ بين مجموعات معينة من أولئك الذين ليس لديهم اتصال بالإنترنت إلى المهاجرين غير المسجلين والأقليات.
وتشير البيانات في الولايات المتحدة إلى أن جدري القرود يؤثر بشكل غير متناسب على الرجال السود واللاتينيين، على غرار فايروس نقص المناعة البشرية. ومع ذلك، من المرجح أن يحصل الرجال البيض على اللقاح بنسبة أكبر.
وفي مدينة نيويورك، مركز تفشي المرض في الولايات المتحدة بأكثر من 3 آلاف حالة، أظهرت البيانات الحديثة أنه في حين أن 34 في المئة و29 من تشخيصات جدري القرود كانت بين اللاتينيين والسود، لم تتلق هذه المجموعات سوى 23 في المئة و 12 من جرعات اللقاح المتاحة.
وقال ديفيد جيه جونز، المدير التنفيذي للائتلاف الوطني للعدالة السوداء في واشنطن العاصمة “لا ينبغي أن يكون أي من هذا مفاجئا. فنادرا ما يتم إضفاء الطابع الديمقراطي على الرعاية الصحية والاستجابات للفايروسات في بلدنا”.
وتعهدت حكومة مدينة نيويورك بتقديم 5 ملايين دولار لمنظمات المجتمع المحلي لتعزيز التطعيم بين الرجال المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا من ذوي البشرة غير البيضاء، بالإضافة إلى الأشخاص ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض.
وخصصت إدارة بايدن 50 ألف جرعة لقاح إضافية للمواقع التي تركز على توفير اللقاحات لأعضاء مجتمع الميم بطريقة تستهدف عدم المساواة الصحية.
ويهدف البرنامج التجريبي إلى توفير التطعيمات في الموقع في حدثين مقبلين رئيسيين يجمع أحدهما مجتمع الميم في لويزيانا، والآخر هو بلاك برايد للسود في أتلانتا، كما قال نائب منسق الاستجابة الوطنية لجدري القردة في البيت الأبيض ديميتر دسكالاكيس.
تقسيم رقمي
اشترى الاتحاد الأوروبي 160 ألف جرعة لقاح لتوزيعها بين الدول الأعضاء وفقا لعدد الحالات المسجلة، سعيا منه لضمان وصول الإمدادات المحدودة إلى حيث تشتد الحاجة في غرب أوروبا المتضررة بشدة.
وقالت وكالة الأمن الصحي البريطانية إن أكثر من 30 ألف شخص في بريطانيا تلقوا أول جرعة لقاح من مجموعة أولية من 50 ألف جرعة، لكن من المقرر أن تنفد الإمدادات قبل وصول شحنة جديدة تشمل 100 ألف جرعة في سبتمبر الجاري.
◙ الخبراء يحذرون من تهميش مجموعات معينة من أولئك الذين ليس لديهم اتصال بالإنترنت إلى المهاجرين غير المسجلين والأقليات
وأعربت مجموعات مجتمع الميم التي تعمل مع الحكومة البريطانية لضمان وصول الجرعات إلى الفئات المهمشة عن إحباطها، قائلة إن الأشخاص الذين ليست لديهم إمكانية الوصول الرقمي هم من بين أولئك المعرضين إلى الخطر.
وقال داني بيلز، رئيس السياسات والحملات في مؤسسة إيدز تراست الخيرية “يجب أن تكون مشاركا رقميا وأن تكون حريصا على نيل اللقاح حتى تتمكن من الوصول إليه. ونعرف من جوانب أخرى من الرعاية الصحية والوقاية من فايروس نقص المناعة البشرية لأن هذا سيضر بالفئات التي تواجه عدم المساواة في الصحة".
وقال ويل نوتلاند، الشريك المؤسس لشركة بريبستر، إن الجرعات في بريطانيا تُعطى بشكل أساسي من خلال عيادات الصحة الجنسية وأحداث “التطعيم الفائق” المنبثقة التي تشهد انخفاضا في حضور أفراد الأقليات.
وبدلا من ذلك نظم نوتلاند وائتلاف من المنظمات غير الربحية للصحة العامة جلسات تطعيم أصغر تستهدف الرجال والمتحولين من الأقليات العرقية بما في ذلك المهاجرون الذين قد يخشون تسجيل بياناتهم. لكن القلق الأكبر بين معظم المدافعين عن الصحة ناتج عن نقص الإمدادات. وقال بيلز "نفدت الخدمات ولا يوجد ببساطة لقاح كافٍ لتلبية الحاجة والطلب".