جدار برلين العازل بين الشيوعية والرأسمالية يتحول إلى هدايا تذكارية

السياح الذين يزورون مدينة برلين أصبح في استطاعتهم شراء قطع من حطام السور بينما تحولت أقسام منه إلى صادرات تلقى رواجا.
الخميس 2024/11/14
تاريخ وسياحة

برلين- في الليلة التي تم فيها هدم سور برلين، الذي كان يفصل بين ألمانيا الشرقية السابقة والعالم، اندفع السكان وقد انتابهم مزيج من مشاعر البهجة والصدمة، ليتسلقوه أو يقفوا فوقه أو يركضوا عبره. بينما جاء آخرون حاملين المعاول.

وتصف أحداث تلك اللحظات التاريخية كورنيلا ثييل من “مؤسسة سور برلين” فتقول “بدأت عملية الحصول على أجزاء من السور في ذات الليلة.”

وتضيف “التقطنا صورا للسور، الكائن أمام بوابة براندنبرج ليلة التاسع من نوفمبر، وبدأ الناس الذين يحملون المعاول والأزاميل في تحطيم السور وتكسيره إلى قطع ويأخذونها معهم.”

وطوال عقود من الزمان تم منع سكان جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة من الاقتراب من هذا الحاجز الخرساني المميت، حيث كان لدى حرس الحدود أوامر باستخدام القوة القاتلة، وإطلاق الرصاص على الأشخاص الذين يحاولون عبوره.

◄ طوال عقود من الزمان تم منع سكان جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة من الاقتراب من هذا الحاجز الخرساني المميت
طوال عقود من الزمان تم منع سكان جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة من الاقتراب من هذا الحاجز الخرساني المميت

وفي الليلة التاريخية التي تم فيها هدم السور، أراد البعض الاحتفاظ بقطعة منه تذكرهم بهذا الحدث الذي لن يتكرر، بينما حول البعض أجزاء من أنقاضه إلى نشاط تجاري ما زال مستمرا إلى يومنا هذا.

وأصبح في استطاعة السياح الذين يزورون مدينة برلين شراء قطع صغيرة أو كبيرة من حطام السور مقابل عدد قليل من اليوروهات، بينما تحولت أقسام من هذا السور الذي كان يطل من فوقه شبح الموت في السابق إلى صادرات تلقى رواجا.

وأصبح شقيقان من الشطر الغربي السابق من برلين هما سباستيان وجوليان ساشا، يديران شركة تباشر تجارة أنقاض السور منذ بداية العام الحالي، بعد أن استحوذا على هذا النشاط من رجل يسمّى “محتكر السور”.

والاسم الحقيقي لهذا الرجل هو فولكر باولوفسكي، الذي سرعان ما أدرك أنه يمكن توليد المال من السور بعد إعادة توحيد الألمانيتين.

وتقاعد الرجل بينما يقول الأخوان ساشا الآن إنهما يزودان، ما يقرب من 40 في المئة من متاجر الهدايا التذكارية في برلين، بقطع من أحجار السور من خلال تجارة الجملة التي يمارسانها، والتي اختارا لها اسم “برلين سوفينيرز”.

وقد يعتقد البعض أنهما يمارسان نشاطا سهلا، ولكنه في الحقيقة ينطوي على الكثير من العمل الشاق والعرق والتعرض للأتربة، وهما يستخدمان المطارق والأزاميل والمناشير الدوارة لتقطيع السور إلى أجزاء صغيرة، ثم تجميعها على شكل هدايا تذكارية.

ويقومون قبل ذلك بإعادة الطلاء الذي تقشر، لجعل القطع أكثر جاذبية.

كما يقومان يتسخين ألواح من الزجاج الشبكي، ثم زخرفتها بنقوش وثنيها بعناية لتأخذ كل قطعة الشكل المطلوب، وبعد ذلك وضعها داخل صندوق.

ويبيع الأخوان ساشا كل يوم في المتوسط صندوقا واحدا من حجارة السور، وهو صندوق مخصص لتعبئة الموز بحيث يكون جيد التهوية، لمتاجر الهدايا التذكارية ببرلين وفي دول أخرى في مختلف أنحاء العالم على شبكة الإنترنت، وتأتي الطلبات أيضا من دول بعيدة مثل مدغشقر والبرازيل وأستراليا، وتتركز معظم الطلبات الخارجية في متاجر الصين والولايات المتحدة.

ويؤكد الأخوان أن لديهما إمدادات تكفي لنحو عشرة أعوام قادمة، في حالة استمرار الطلب بالمعدلات الحالية، وإن كانت الطلبات تراجعت بدرجة طفيفة في الوقت الحالي.

◄ مع سقوط السور رأى الكثيرون من ألمانيا الشرقية السابقة أن المشاركة في هدمه هو نوع من التمكين الذاتي
مع سقوط السور رأى الكثيرون من ألمانيا الشرقية السابقة أن المشاركة في هدمه هو نوع من التمكين الذاتي

وقد يتساءل البعض ما الذي يجذب الناس في هذه الحجارة؟ ترد ثييل المشرفة على مجموعة أحجار وأرشيف “مؤسسة سور برلين”، قائلة إنها ترمز إلى لحظة تاريخية جاءت في الوقت المناسب.

ومع سقوط السور رأى الكثيرون من ألمانيا الشرقية السابقة، الذين خامرتهم البهجة مع تجربتهم الأولى مع الحرية، أن الاقتراب من الخط الحدودي الفاصل هذا لأول مرة، والمشاركة في هدمه هو نوع من التمكين الذاتي.

وبالنسبة إلى آخرين فإن قطع أحجار السور تعد بمثابة إكليل للنصر، وتؤكد كل ما تغلبوا عليه.

وتقول ثييل “أعتقد أن فكرة الهدية التذكارية قامت بدور منذ البداية، حيث تعطي رسالة بأن شيئا رائعا حدث في ذلك المكان.”

وسارع الباعة الجائلون إلى بيع قطع من السور للسياح، عند بوابة براندنبرج ونقطة تفتيش تشارلي، ثم سارعت الشركات هي الأخرى في إظهار اهتمامها، بشراء قطع من السور وفقا لما تقوله ثييل.

واعتبارا من صيف 1999 كان الجدار قد تهدم، وفي الكثير من الأحيان كان يتم استخدام أجزاء منه كمواد للبناء.

ورغم مرور 35 عاما على سقوط السور، لا يزال السياح يصطفون في طوابير لشراء أجزاء من بقاياه.

ويبلغ سعر قطعة من السور في الوقت الحالي، موضوعة داخل عبوة من الإكليريك نحو 19 دولارا، على موقع “برلين سوفينيرز” الإلكتروني متضمنة شهادة بأنها أصلية، ويقول الموقع “أطلب قطعة من التاريخ الآن.”

وتدير ألكسندرا هيلدبرانت متحف سور برلين، الكائن عند نقطة تفتيش تشارلي في برلين، ويروي المتحف للزوار حكايات عن الأشخاص الذين هربوا من جمهورية ألمانيا الشرقية السابقة، وعن آخرين شاركوا في مظاهرات سلمية دفاعا عن حقوق الإنسان.

وتقول هيلدبرانت إن المعنى الذي يوحي به السور تغير، “وفي الأيام التي كان قائما فيها كان يعد رمزا للانقسام،” والآن أصبح رمزا للحرية، وتتفق ثييل معها في هذا الرأي، وتقول إن السور الحدودي صار رمزا يوحي بالإيجابية ويعني الانتصار.

وتضيف إنه يكسب مغزى جديدا وسط الحرب الباردة الجديدة حاليا، وأيضا وسط الحرب الساخنة الدائرة حاليا بين روسيا وأوكرانيا. وتؤكد أن هذا التطور يحمل أنباء طيبة لتجارة الهدايا التذكارية.

 

16