جداريات رسام يوناني تطرد كآبة كورونا وتضفي الفرح على نيقوسيا

فوكس درس الرسم البيزنطي في أثينا منذ أن كان عمره 13 عاما، ويدرس فن الغرافيتي في شوارع المدن التي يزورها.
السبت 2021/06/12
إلهام من الأساطير

نيقوسيا - زيّن فنان شارع يوناني عدداً من جدران العاصمة القبرصية نيقوسيا برسوم غرافيتي مستوحاة من الأيقونات البيزنطية والأساطير اليونانية، مما أضفى جواً ملوناً مفرحاً على المدينة يعبّر عن عالم ما بعد جائحة كورونا ومع بداية توافد السياح إليها.

من بانكوك إلى الرباط مروراً بزيورخ، نثر الرسام فيكوس شخصيات ذات وجوه لطيفة غالباً ما ترتدي أردية، وتكون متوجة أحياناً بأغصان من أشجار الزيتون.

ومنذ نحو عام حطّ “رسام الجداريات الحديثة” الأثيني البالغ 33 عاماً الرحال في نيقوسيا آخر عاصمة مقسمة في العالم. وتجول في شوارع المدينة الضيقة باحثًا عن أماكن لرسومه الجديدة.

ولاحظ فيكوس الذي يتمتع بخبرة كفنان غرافيتي ورسام أيقونات في الكنائس المسيحية الأرثوذكسية أنه “ليس في قبرص حتى الآن الكثير من الجداريات”، مشيراً إلى أن “فن الشارع بدأ للتو” في الازدهار.

وانتشر فن الغرافيتي بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة حتى حظي باهتمام كبرى المدن والعواصم في مختلف أنحاء العالم، وساهم انتشار وباء كورونا في تفجير المواهب الفنية، ومنها الغرافيتي أو فن الرسم على الجدران.

وتتّسم نيقوسيا التي قسّمها الزمن الإنساني إلى قسمين عبر “الخط الأخضر” الذي يشكّل خط التماس بين قبرص اليونانية وقبرص التركية، بطابع معماري فريد من نوعه هو ثمرة تعاقب قوى خارجية متعدّدة على حكمها، لكن جدرانها لم تعرف التجديد منذ سنوات طويلة.

وتحول “الخط الأخضر” الذي يقسم المدينة القديمة إلى شطرين إلى نقطة جذب للسياح نظراً إلى أنه يمثل شاهداً حياً على آخر مدينة مقسّمة في العالم.

وعلى سقالة نصبها بنفسه شرع فيكوس في رسم صورة ظلية لأماركوس الذي كان يصنع العطور للإلهة أفروديت، ويتحول جسمه تدريجياً إلى جذع وفروع.

Thumbnail

وتروي الأساطير القبرصية أن أماركوس “عوقب من الآلهة، وتحول إلى نبات أو زهرة”، على ما يشرح فيكوس. وتوحي له هذه الرواية الأسطورية بِمن اضطروا إلى “التجذر” في المكان نفسه بسبب الجائحة التي أدت إلى إغلاق الحدود وتعطيل حركة السفر.

وبالعودة إلى تاريخ الغرافيتي، فإن الرومان القدامى استخدموا النحت على جدران الأماكن العامة لنقل الرسائل، في محاولة منهم للإعلان عن فوز الأقوياء من المصارعين والاحتفاء بأمجاد الأباطرة وغيرهم.

وحديثا تطور الغرافيتي ليشمل رسائل توعية ضمن ما يمكن تسميته الثقافة البصرية الثانوية التي ترسم الخيوط بين مستوى العلاقات الاجتماعية داخل المدينة ومستوى الأيديولوجيا التي يحاول فنان الغرافيتي أن يظهره عبر الرسومات.

وتزين شوارع نيقوسيا خمس لوحات للفنان في المجموع لزارعة الفرح في قلوب السكان الذين يميزون بينها وبين رسوم الغرافيتي العادية، بحسب فيكوس.

ويقول رسام الغرافيتي “أدرس الرسم البيزنطي في أثينا منذ أن كان عمري 13 عاماً، وأدرس فن الشارع في الشوارع”. ويضيف “وجهة نظري مختلفة تماماً. أحاول تكييف رسومي مع البيئة المحيطة بها والاستلهام من ألوان الحي”.

ويشرح أن نهجه أقرب إلى “الفنون الجميلة”، مشيراً إلى أنه يستمد إلهامه من الفن اليوناني القديم وكذلك من الفنين المصري والياباني.

ويصور أحد أعماله الملك أنسيلوس الذي قاد انتفاضة قبرص ضد الفرس في العام 499 قبل الميلاد. وينظر الملك المصاب بالسهام إلى جمجمته المليئة بالنحل ويتساءل إذا كان القتال ذا جدوى.

ويشير فيكوس عبر حسابه على إنستغرام إلى أن لهذا التساؤل دلالة خاصة في نيقوسيا المنقسمة منذ 1963 – 1964 إلى شطرين يفصل بينهما الخط الأخضر الواقع على مسافة قريبة من موقع عمل الفنان.

وفي أثينا اضطر فيكوس أحياناً إلى خوض المعارك عبثاً لإقناع السكان بالسماح له بالرسم على جدرانهم المغطاة أصلاً بالغرافيتي. وهو اليوم يتقاضى أجراً مقابل تنفيذ أعماله، سواء في فرنسا أو المغرب أو أوكرانيا أو أيرلندا أو روسيا أو المكسيك.

Thumbnail

وتستحضر لوحاته الجدارية الجميلة مشاهد من الحضارات اليونانية القديمة وتعيد تفسير العصر الحديث من خلال مشاهد تاريخية. أسلوب فيكوس مسطح وهادئ يستحضر الشكل التقليدي للرسم البيزنطي للجمهور المعاصر.

وينتشر الفن البيزنطي في كل مكان في قبرص، وتتميز تلك النماذج الفنية (خاصة اللوحات الجدارية) بحالتها الجيدة الاستثنائية مما جعل قبرص مركزًا لدراسة الفن البيزنطي، وقد تميزت الفنون في بداية القرون المسيحية بلوحات الفسيفساء الجميلة في ثلاث كنائس، اثنتان منها في الجزء التركي المحتل من الجزيرة.

وفي كييف رسم لوحة جدارية ضخمة على واجهة مبنى مكون من 17 طابق. ويشرح قائلاً “يعطونني موضوعاً (…) فأقوم بأبحاثي في تاريخ وأساطير البلاد التي أحلّ بها ثم أبدأ بالرسم (…) رسم تلك الأساطير برؤية فنية تثير اهتمام الناس”.

لكنّ ما يفضله هي الأساطير اليونانية ويعلل ذلك قائلاً “أعتقد أن وصول هذه الأساطير إلينا يعني أن لديها ما تقوله”. يذكر أن قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي بدأت تستقبل السياح الذين أكملوا التطعيم بغض النظر عن وقت تلقيهم الجرعة الثانية.

ويتوقع أن تجذب لوحات الغرافيتي التي رسمها فيكوس على الجدران السياح القادمين إلى نيقوسيا لتكون محطة انطلاقهم إلى مدن قبرصية أخرى خاصة تلك المطلة على البحر.

17