جدارة مصر الائتمانية معرضة للمزيد من التآكل

تركت الأزمات المتتالية التي شهدها الاقتصاد المصري خلال أكثر من عامين جراء الجائحة، ثمّ تداعيات الحرب في شرق أوروبا ندوبا أكثر عمقا أفرزت تآكلا متسارعا في الجدارة الائتمانية للدولة، رغم محاولات السلطات المضنية لترقيع الثغرات المالية.
القاهرة - شكلت آخر التقييمات السلبية حول الوضع المالي الضاغط لمصر دليلا آخر على أن الأزمة الراهنة تُنبئ بمشاكل أشد قسوة إن لم تعمل الحكومة على تفادي الأسوأ، مع وصول الديون إلى درجة لا تطاق في ظل شح الدولار.
وخفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية نظرتها المستقبلية لتصنيف الإصدارات الحكومية إلى سلبية من مستقرة، في ظل تراجع قدرة البلاد على تحمل الديون وارتفاع الضغوط الخارجية.
واللافت أن خبراء الوكالة ثبتوا في تقريرهم الصادر في وقت متأخر الخميس الماضي، تصنيف الإصدارات بالعملات الأجنبية والمحلية على المدى الطويل عند سي.أي.أي 1.
ولكنهم أكدوا أن تغيير النظرة المستقبلية يعكس “المخاطر المتزايدة المتمثلة في استمرار ضعف وضع مصر الائتماني وسط صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف، رغم استمرار جهود ضبط أوضاع المالية العامة ودعم القطاع الرسمي”.
وألمحت موديز إلى الزيادة الكبيرة في مدفوعات الفائدة “التي من المتوقع أن تستهلك ثلثي الإيرادات في نهاية السنة المالية 2024”.
وأشارت كذلك إلى الضغوط الخارجية المتزايدة “مع اتساع الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والسوق الموازية بشكل أكبر”، والتي أدت إلى تعقيد عملية التكيف الاقتصادي الكلي.
وتراجع سعر صرف الجنيه في السوق السوداء إلى 57 جنيها للدولار من 39 قبل اندلاع حرب غزة في أكتوبر الماضي، وظل السعر الرسمي ثابتا عند 30.85 جنيها للدولار منذ مارس الماضي.
وأوضحت الوكالة أن التصعيد الأخير للأعمال العدائية الإقليمية يزيد من المخاطر على ميزان المدفوعات في مصر عبر التأثير على القطاعات الرئيسية المولدة للسيولة الأجنبية.
وتلقى اقتصاد مصر الذي ظل لأشهر تحت المراقبة السلبية، كان آخرها خفض فيتش الدرجة الائتمانية للبلاد في نوفمبر الماضي من بي إلى بي سالب، ضربة موجعة نتيجة التراجع الحاد في الإيرادات نتيجة توترات البحر الأحمر.
وأدت هجمات الحوثيين إلى تحويل الملاحة التجارية بعيدا عن قناة السويس لتزداد معها الحاجة الملحة إلى إصلاحات والحصول على مساعدات من الخارج.
وباتت الآن كل المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية تقريبا، وهي صادرات الغاز وتحويلات المغتربين ومؤخرا قناة السويس وبدرجة أقل السياحة، تحت ضغط شديد.
وتحتاج القاهرة إلى العملة الأجنبية ليس فقط لاستيراد السلع الأساسية، ولكن أيضا لسداد 189.7 مليار دولار من الديون الخارجية، تراكم معظمها في السنوات العشر الماضية.
ومن المقرر سداد 42.2 مليار دولار من الديون هذا العام، رغم توقع محللين إرجاء سداد بعض هذه المبالغ إلى فترات لاحقة.
وقال جيمس سوانستون من شركة كابيتال إيكونوميكس لرويترز إنه “مع أخذ كل هذا في الاعتبار، تقترب أزمة مصر فيما يبدو من مفترق طرق”.
وتشير بيانات هيئة قناة السويس أن عائدات القناة انخفضت 40 في المئة في أول 11 يوما من يناير الجاري. وفي السنة المالية المنتهية في يونيو الماضي، حققت القناة إيرادات قياسية لمصر بلغت 8.76 مليار دولار، وفي الربع الثالث أضافت 2.4 مليار دولار أخرى.
وقال آلن سانديب من شركة نعيم للسمسرة “إذا استمر انخفاض إيرادات قناة فقد يمثل ذلك ضربة شديدة”. وأضاف إنها “انتكاسة كبيرة لأنها مصدر مباشر لإيرادات النقد الأجنبي للحكومة”.
ولا تزال مصادر العائدات الأخرى، مثل تحويلات المغتربين التي تذهب في الأساس إلى أفراد، تساهم في تحسين وضع مصر من النقد الأجنبي، وإن لم يكن الحكومة مباشرة.
وهوت التحويلات إلى 9.85 مليار دولار في السنة المالية الماضية، ثم انخفضت بواقع 1.9 مليار دولار أخرى في الفترة من يوليو إلى سبتمبر الماضيين، وفقا لأرقام البنك المركزي.
ويتردد المصريون في الخارج في إرسال مدخراتهم المالية إلى بلادهم عندما يكون سعر العملة منخفضا بفارق كبير عن قيمتها في السوق السوداء وذلك مع استشراء التضخم.
وإلى جانب ذلك، تراجعت صادرات الغاز ملياري دولار على أساس سنوي في الربع الثالث من 2023، وفقا لبيانات البنك المركزي وذلك نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي وانخفاض الأسعار العالمية.
وبلغت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي في السنة المالية الماضية زهاء 7.20 مليار دولار.
لكن السياحة كانت استثناء، حيث حققت مصر نموا سنويا للوافدين بنهاية 2023 مع قدوم 14.9 مليون زائر، مسجلة بذلك أعلى مستوى لها في تاريخ القطاع، مع إيرادات بلغت 13.6 مليار دولار، رغم التوترات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
وتعتقد موديز أنه حتى مع الزيادة المتوقعة في تمويل صندوق النقد الدولي واستمرار التزام الحكومة بتحقيق الفوائض الأولية، فإن الآفاق السلبية تعكس “مخاطر عدم كفاية إجراءات السياسة النقدية والدعم الخارجي لمنع إعادة هيكلة الديون”.
وأرجعت الوكالة ذلك “نظرا لمؤشرات الدين الضعيفة للغاية في مصر وتعرضها المرتفع للديون وتصاعد مخاطر الصرف الأجنبي وأسعار الفائدة”.
ويأتي هذا الترجيح رغم أن السيناريو الأساسي، الذي افترضه خبراء موديز لا يتوقع أن تجري الدولة إعادة هيكلة على المدى القصير.
قفزت إصدارات مصر من أدوات الدين الحكومية بالعملة المحلية بنحو 59 في المئة في النصف الأول من السنة المالية الحالية لتسجل ما يصل إلى 2.7 تريليون جنيه، وفق حسابات وكالة بلومبرغ استنادا إلى بيانات البنك المركزي المصري.
وزادت الأموال التي جمعتها مصر منذ يوليو إلى ديسمبر الماضيين بنحو 26 في المئة عن إجمالي أدوات الدين المحلية، التي تُقدر الحكومة إصدارها خلال العام المالي الجاري، بحسب البيان المالي للموازنة التقديرية لمصر.
وكانت القاهرة تقدر الاحتياجات التمويلية لميزانيتها الحالية بنحو 2.14 تريليون جنيه (قرابة 70 مليار دولار)، وهي تسعى إلى توفير 1.9 تريليون منها عبر التمويل المحلي من خلال إصدار سندات وأذون خزانة.
ورأت موديز في تقريرها أن مؤشرات سيولة العملات الأجنبية الشهرية تظهر أنه رغم مبيعات الأصول البالغة 4 مليارات دولار التي تم تحقيقها منذ يوليو 2023، ظلت احتياطات النقد الأجنبي السائلة مستقرة دون 27 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي.
وأشارت إلى أن صافي مركز الالتزامات الأجنبية للنظام النقدي التي تضم كلا من البنك المركزي والبنوك التجارية لم تتحسن كما كان متوقعاً، مما يشير إلى وجود طلبات متراكمة بالسيولة الأجنبية.