جبرا إبراهيم جبرا "يكتب" بريشة الرسم أيضا

كاتب فلسطيني تنقّل بين أنواع مختلفة من فنون الكتابة.
السبت 2023/04/29
التعبير عن النفس منشأ كل الفنون

نعرف الأديب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا كاتبا ومترجما، لكنه يؤمن بأن التعبير عن النفس منشأ كل الفنون، لذلك مسك الريشة وخلط الألوان ليرسم ما يخالجه من أفكار وأحاسيس في لوحات كُشف مؤخرا عن اثنتين منها، لتزيد من الإضاءة على شخصية ثقافية متعددة المواهب.

بيت لحم (الأراضي الفلسطينية) - في منزله ببيت لحم، كشف الباحث جورج الأعمى بحذر شديد عن لوحتين قديمتين للفنان جبرا إبراهيم جبرا، مشيرا بفخر إلى أنهما غير معروفتين واقتناهما بعد بحث طويل، تساهمان في المزيد من الإضاءة على شخصية ثقافية متعددة المواهب، لم يبدأ اكتشافها في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا قبل ثلاثة عقود.

وجبرا إبراهيم جبرا كاتب فلسطيني تنقّل بين أنواع مختلفة من فنون الكتابة، من الرواية إلى الشعر إلى الترجمة، ويُعتبر من الروّاد في الأدب الفلسطيني، لكنه كان أيضا رساما وناقدا تشكيليا.

ويروي جورج الأعمى، وهو مقتني لوحات وقطع فنية فلسطينية، أنه حصل على اللوحتين من عائلة جبرا في أميركا “بعد بحث طويل”.

ويضيف أنه اقتناهما على مرحلتين خلال العام الفائت، و”قد وصلتا أخيرا إلى مدينة بيت لحم”، وسيرسلهما إلى خبيرة روسية لترميمهما.

ويتابع “سيتم عرضهما بعد الترميم للجمهور في مدينة بيت لحم”.

ويقتني الأعمى أكبر مجموعة لوحات فنية لفنانين فلسطينيين من أجيال مختلفة.

ويشير إلى أن قيمة لوحتي جبرا المعروف ككاتب أكثر منه كرسام، تكمن في أنهما “من الأعمال الأولى لجبرا وكانتا مجهولتين”.

ورُسمت اللوحتان بالزيت على ورق عندما كان جبرا شابا يافعا، وتحمل إحداهما اسم “سقوط إيكاروس”، وهي مستمدة من أسطورة يونانية، وتحمل توقيع جبرا مع تاريخ 1938، بينما تصوّر الثانية امرأة عارية، وهي موقّعة في سبتمبر 1941.

وأجنحة إيكاروس التي تروي الأسطورة أنه استخدمها للهرب من سجن ملك كريت، تظهر في اللوحة كبيرة جدا بألوان غامقة قوية يختلط فيها الأحمر القاني والبني، بينما وسطها بألوان زاهية.

Thumbnail

في اللوحة الثانية، لُوّن جسد المرأة الجالسة على سرير باللون الأحمر القاني المتداخل بكثافة مع اللون الليلكي، بينما تتدرّج ألوان السرير بين البني والأحمر.

وكان الأعمى اشترى من شقيق جبرا في الماضي 12 لوحة للفنان الفلسطيني، توزّعت بين مدن بيت لحم والقدس وبيروت والإمارات.

وولد جبرا إبراهيم جبرا في العام 1920 في مدينة بيت لحم، وتوفي عام 1994.

بعد حرب عام 1948، هاجر مع عائلته من الشطر الغربي لمدينة القدس، واستقرّ في العراق حيث عمل بالتدريس في جامعة بغداد.

يقول الكاتب والناقد الفلسطيني فيصل دراج إن جبرا “كان رائدا في تعليم الفن التشكيلي، ولعب دورا كبيرا في تطوير الفن التشكيلي في العراق”.

وبدأ جبرا الرسم في سن مبكرة. وإذا كان عدد من أعماله بقي في بيت لحم، فإن أعماله الفنية في العراق آلت إلى الضياع بعدما انفجرت سيارة مفخخة أمام بيته وتضرّر المنزل كثيرا.

ويعتقد جورج الأعمى أن جبرا “توقّف عن الرسم عندما تعرّف على جهابذة الفن العراقي في الخمسينات والستينات أمثال جواد سليم الذي شاركه في تأسيس جمعية بغداد للفن الحديث”.

ولم يعد يرسم منذ العام 1967، بل ركّز على الأدب.

وأنجز جبرا في حياته أربعة وستين كتابا توزعت بين التأليف والنقد والترجمة.

ويرى فيصل دراج أن جبرا “لم يكتشف” بالكامل. ويضيف من عمان أن ما كتب عن جبرا “قليل جدا”، لاسيما في ما يتعلّق بـ”جبرا المسرحي والشاعر الروائي”.

Thumbnail

في بداياته، لم يكن جبرا معروفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، شجّعت السلطة المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية على نشر كتبه وتكريمه بأشكال مختلفة.

ويقول دراج “نظرة فلسطينية خاطئة إلى جبرا على أنه برجوازي” كانت سائدة، مضيفا أنه “ليس روائيا فقط بل هو ناقد ومترجم عظيم”.

ويتابع “بدأت قراءته كارها، ثم أصبحت شغوفا بأدبه”، متحدثا عن “منظور ثقافي جمالي” يقترن بالأخلاق، في كتاباته.

ويشير إلى أن جبرا كان يعتبر أن “الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة صراع طويل الأمد، وهو صراع ثقافي قبل أن يكون عسكريا”، ملفتا إلى أن جبرا “أدرك أن على الفلسطيني الارتقاء ثقافيا، وليس بالبندقية”. بالنسبة إليه، “ما هو مهم في الرؤية السياسية أن يكون الإنسان واعيا لقيمته وقضيته، وهذه عملية ثقافية”.

بالنسبة للشاعر والمحاضر في اللغة العربية في الجامعة العبرية الدكتور إياس ناصر، “صوّر جبرا التجربة الفردية، أي الفلسطيني الفرد، ليكون الفرد صورة للجماعة، لا أن تكون الجماعة صورة للفرد”.

ويعتبر “أن هذا أصدق في تصوير شقاء الإنسان الفلسطيني، (…) فهذا التصوير مرآة صادقة لتجربة الإنسان الفلسطيني في شتاته ونكبته”.

من جهة أخرى، يتحدّث ناصر عن براعة جبرا في الترجمة، فيقول “كان يحيط باللغة الإنجليزية كلغة واسعة، فاستطاع أن يؤدي المعاني على أحسن وجه. وكان يترجم المؤلفات بلغة تتوافق مع الذوق والثقافة العربيين”.

18