ثورة موسيقية عربية صغيرة ولكنها حيوية في إسرائيل

الموسيقيون من الجيل الجديد عازمون على استعادة جذورهم العربية.
الأحد 2021/12/05
أيوا تجعل الموسيقى اليمنية رائعة

في العقدين الماضيين عادت مجموعة صغيرة من اليهود الشرقيين، يهود من أصول شرق أوسطية وشمال أفريقية، إلى جذورهم اليهودية – العربية وبدأت في تغيير المشهد الموسيقي الشعبي في البلاد التي طالما هيمنت عليها الأشكال الغربية.

لندن – أصبحت الموسيقى الإسرائيلية، التي طالما هيمنت عليها الأشكال الغربية لموسيقى الروك والبوب، فجأة مشبعة بالإيقاعات الموسيقية من البلدان العربية مثل المغرب والعراق واليمن، حيث دمجت الأصوات والإيقاعات لتخرج بموسيقى خاصة جدا.

وتستند أغاني هؤلاء الفنانين إلى تأثيرات مثل الألحان الأندلسية والعربية اليهودية التقليدية والبلوز والجاز والموسيقى من أفريقيا وأميركا اللاتينية. وغالبا ما تحتوي على كلمات عربية وعبرية.

وفي الشرق الأوسط، حيث غالبا ما تكون الجنسيات وحدودها تحت الحراسة، فإن هذا الشكل الجديد من الموسيقى المشرقية يدور حول هدم الجدران الثقافية والموسيقية.

المزراحيون يستعيدون جذورهم

يعد الجزء الأكبر من فناني الأداء في إسرائيل اليوم من الجيل الثاني والثالث من أحفاد يهود العراق ومصر والمغرب واليمن الذين وصلوا إلى إسرائيل في العقد الذي تلا قيام إسرائيل عام 1948، مما ضاعف عدد سكان إسرائيل.

يوفال إيفري: لقد نسوا إغلاق باب الكنيس في عملية محو الثقافة اليهودية – العربية في إسرائيل

ووفقا ليوفال إيفري الأستاذ المساعد في الدراسات اليهودية – العثمانية والمزراحي والسفارديم في جامعة برانديز الأميركية، فقد تلقى اليهود الشرقيون استقبالا متناقضا في إسرائيل. ومن ناحية، كان يُنظر إليهم على أنهم تحقيق للآمال الصهيونية، وجزء من لقاء اليهود الذي كان مؤسسو إسرائيل يحلمون به لإنشاء دولة يهودية.

وفي الوقت نفسه كان هؤلاء المؤسسون، ومعظمهم من اليهود الأشكناز (قادمون من أوروبا الشرقية) ينظرون إلى اليهود من الدول العربية بطريقة عنصرية بسبب بشرتهم الداكنة وانتمائهم لثقافة الشرق الأوسط وأفريقيا. كما أنهم حملوا معهم الثقافات العربية التي عاشوا فيها لقرون، وهي إشكالية عميقة في بلد كان لا يزال في حالة حرب مع الدول العربية المجاورة.

وقال إيفري إنه من أجل “نزع تعريب” هؤلاء اليهود، ابتكر الإسرائيليون مصطلحا جديدا لهم “المزراحيون”، أي “من الشرق”، فيما كان مصطلح “السفارديون” يشير إلى اليهود الذين انتقلوا إلى شمال أفريقيا والإمبراطورية العثمانية بعد طردهم من إسبانيا عام 1492، ولكن غالبا ما يتم استخدام المصطلحات بالتبادل الآن.

نشأ المزراحيون في إسرائيل التي كانت ثقافتها الأشكناز المهيمنة متجذرة. وقال إيفري إن الحكومة الإسرائيلية أرادت أن يندمج هؤلاء المهاجرون، مما يعني الالتزام بالمعايير الثقافية الأشكنازية وقمع جذورهم اليهودية – العربية، لكن من خلال جمعهم معا، انتهى الأمر بالحكومة إلى تعزيز إحساسهم بالهوية الثقافية.

وأضاف أن هؤلاء الموسيقيين من الجيل الأصغر عازمون الآن على “استعادة جذورهم العربية”.

ومع وصول المهاجرين الشرقيين في الخمسينات من القرن الماضي، كان نصف سكان البلاد يتحدثون العربية. لكن وفقا لتقرير صادر عن جمعية “سيكوي” (Sikkuy) عام 2018، وهي منظمة غير ربحية مقرها إسرائيل، فإن حوالي 9 في المئة فقط من اليهود الإسرائيليين يصفون أنفسهم بأنهم على دراية باللغة العربية. وقبل ثلاث سنوات، خفض البرلمان الإسرائيلي مرتبة اللغة العربية من لغة رسمية في الدولة إلى لغة “ذات مكانة خاصة”.

إحياء اللغة العربية

تاسا يستعيد موسيقى جده
تاسا يستعيد موسيقى جده

قال إيفري وهو من الجيل الثاني ليهود العراق “لكن اللغة العربية ليست لغة المكان الذي أتينا منه فحسب، بل هي أيضا إحدى اللغات الرئيسية التاريخية والحالية في البلاد”. وأضاف “إذا كنت تريد أن تفهم تاريخ وجغرافيا وثقافة فلسطين وإسرائيل، فإن اللغة العربية ضرورية”. وتابع “لقد تعلمت أجيال من الشباب الأوروبي اللغة الإنجليزية من خلال الاستماع إلى فرق الروك الأميركية والبريطانية. الآن هناك فرصة أن يتحول الشباب الإسرائيليون في المستقبل، أو يعودوا، إلى اللغة العربية من خلال هذه الحركة الجديدة المزدهرة”.

وكمثال على ذلك، أصبح ليئور المالياش، الذي تنحدر عائلته من المغرب، ذائع الصيت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وهو رائد للثورة الموسيقية الشرقية. تعتمد أغانيه على قصائد الطقوس اليهودية (البيوتيم piyyutim) للحاخام المغربي ديفيد بوزاغلو، الذي يُعتبر أحد أعظم شعراء الليتورجية في القرن الماضي.

وتم غناء القصائد من الألحان العربية التقليدية والحديثة من قبل اليهود في الدول العربية، واستمرت العادة في المعابد اليهودية المزراحية في إسرائيل. وقال إيفري إن المالياش سجل البيوتيم  وعرف بها جمهورا جديدا.

وأضاف “هناك قول مأثور مفاده أنهم نسوا إغلاق باب الكنيس في عملية محو الثقافة اليهودية – العربية في إسرائيل”. وتابع “في البيوتيم ولد التقليد الجديد للموسيقى المزراحية”.

زيف يحزقيل اليهودي من جذور عراقية يعيش على الحدود بين الثقافتين اليهودية والعربية

وبالنسبة إلى زيف يحزقيل اليهودي من جذور عراقية فأثناء نشأته، تعلم الألحان العربية في كنيس مزراحي محلي، ليظهر كعازف منفرد صوتي لأوركسترا الناصرة العربية وأصبح نجما في عالم الموسيقى العربية واليهودية.

وفي عام 2016 قال لمجلة “ذو فورور” اليهودية – الأميركية “أنا أعيش على الحدود بين الثقافتين اليهودية والعربية”.

فيما يصف دودو تاسا موسيقاه بأنها مزيج من موسيقى الروك العراقية والشرق أوسطية والإسرائيلية التي أطلق عليها اسم “عراق أند رول”. ويقول إيفري “تاسا هو الأقرب إلي شخصيا لأنه يغني الموسيقى العراقية التي أتذكرها من منزلي”.

وافتتح تاسا مهرجان كوتشيلا في كاليفورنيا عام 2017 وقام بجولة مع فرقة راديوهيد. وكان ألبومه الثالث في جزء منه تكريما لجده وأخيه، صالح وداوود الكويتي، نجما الموسيقى العراقية – اليهودية المشهوران في منتصف القرن الماضي المعروفان باسم الإخوان الكويتي.

جدير بالذكر أن صالح الكويتي من كبار الملحنين العراقيين الذي أرخ بمئات الألحان لأصوات سليمة مراد وزكية جورج وعفيفة إسكندر وعدد اخر من المطربين أجمل الأغاني التي مازالت تتردد.

والأخوان الكويتي من بين الجيل الأول من اليهود العراقيين الذين هاجرا الى إسرائيل، لكنهما شعرا بالندم بسبب فقدان جمهورهما العراقي، وفق ما صرح به شلومو ابن صالح الكويتي في حوار سابق مع "العرب".

أما اليهودية من أصل مغربي نطع الكيام فقد نشأت في  مدينة نتيفوت، التي أنشأتها الحكومة الإسرائيلية لإيواء تدفق اليهود من الدول العربية. وتقول كل شيء كان مغربيا، الطعام والكنيس والموسيقى.

وقبل عدة سنوات، شرعت في مشروع لاستعادة الموسيقى التي غنتها نساء يهوديات مغربيات تم تسجيلها أثناء تجمعهن مؤقتا في معسكرات انتقالية في طريقهن إلى إسرائيل في الخمسينات. وكمثال على ذلك أغنية “تعالي” التي كتبها في الأصل المطرب الجزائري الشهير سليم هلالي في القرن الماضي، والذي كان هو نفسه يهوديا. الكيام تغنيها بالعربية المغربية. قال إيفري “أول مرة سمعت فيها نطع تغني، كانت هذه الأغنية. لقد تأثرت بجمالها”.

تقويض الحدود القومية

كل شيء كان مغربيا بالنسبة إلى نطع الكيام
كل شيء كان مغربيا بالنسبة إلى نطع الكيام

بالنسبة إلى فرقة A – Wa (التي تنطق أيوا وتعني “نعم” بالعربية) فإنها تدمج التقاليد العربية وكلمات الأغاني مع إيقاعات الهيب هوب لإيصال الموسيقى الشرقيّة إلى الأجيال الشابة.

ويقول إيفري “أيوا هي مثال على كيفية قيام الموسيقى المزراحية الجديدة بإعادة مزج الثقافات العربية واليهودية وتقويض الحدود القومية”.

يمكن سماع فرقة “أيوا” في جميع أنحاء العالم، من سيارات الأجرة في القاهرة إلى النوادي الليلية الباريسية. وتتكون الفرقة، التي تتمثل مهمتها في رفع مستوى الموسيقى اليمنية على الساحة الدولية، من ثلاث شقيقات إسرائيليات من أصول يمنية.

وفي عام 2015 أصبحت أغنية “أيوا” المنفردة “حبيب قلبي” أول أغنية عربية تتصدر قوائم الموسيقى الإسرائيلية. وتم تدريس اللحن اليمني الأصلي للأخوات الثلاث، طير وليرون وتاغل حاييم، من قبل جدتهن لأبيهن، التي جاءت إلى إسرائيل من مدينة إب اليمنية، عبر عملية “البساط السحري” بعد فترة وجيزة من إعلان قيام إسرائيل في عام 1948.

وبعد أحد العروض في واشنطن، قالت ليرون في تصريحات إعلامية “التقينا شقيقتين يمنيتين قالتا إنهما شعرتا وكأنهما عادتا إلى المنزل عندما استمعتا إلى أغانينا”.

وتُظهر قدرة “أيوا” على التواصل مع أعضاء المجتمع العربي قوة الموسيقى كوسيلة لجسر الانقسامات.

وعلى الرغم من الجذور اليمنية لـ”أيوا”، إلا أن الاستقبال الإيجابي للفرقة عبر العالم العربي لم يكن مضمونا أبدا. وواجه الموسيقيون الإسرائيليون الذين حاولوا التواصل مع السكان العرب عقبات بسبب التعقيدات السياسية. لكن القليل من الفنانين نجحوا في الوصول إلى المستمعين العرب. وتقدم زهافا بن، مغنية إسرائيلية من أصول مغربية، مثالا أكثر صلة بما أنها تغني باللغة العربية. وعلى الرغم من مقاطعة فناني الأداء الإسرائيليين، تحظى زهافا بشعبية في جميع أنحاء العالم العربي، لاسيما لأدائها الأغاني الكلاسيكية للمغنية المصرية الشهيرة أم كلثوم على غرار أغنية “إنت عمري”.

ومع ذلك، فقد تأثرت “أيوا” بشكل كبير بعوفرا هزاع مغنية البوب الإسرائيلية التي استكشفت تراثها اليمني في السبعينات والثمانينات، وواصلت تحقيق النجومية في كل من إسرائيل والعالم العربي. وأكدت هزاع جذورها في ألبومها “أغاني اليمن” عام 1984 الذي تضمن أغاني يمنية معروفة. وجعلت أغانيها الألحان اليمنية في متناول الجمهور الدولي، حتى أنها خططت لرحلة إلى اليمن في عام 1995، ولكن تم إلغاؤها قبل شهر من العرض بسبب تداعيات دبلوماسية.

وتم تشجيع الموجات المبكرة من المهاجرين الشرقيين، وفي بعض الأحيان الضغط عليهم، للاندماج في المجتمع الإسرائيلي من خلال التحدث بالعبرية، وتبني التقاليد المهيمنة للأشكناز الأكثر نفوذا، السكان اليهود في الشتات المنحدرون من وسط وشرق أوروبا.

وتوقفت جدتهن عن التحدث باللغة العربية تماما. الجيل الثاني، الذي ضم والد الأخوات حاييم، “أراد أيضا الاندماج” والبقاء على مسافة حذرة من الثقافة اليمنية. ومع ذلك، فإن الأخوات حاييم يشعرن بسعادة غامرة لأن موسيقاهن تساعد في جعل التقاليد اليمنية “رائعة مرة أخرى” في إسرائيل. وقالت طير “كما لو كان كل هذا حلما. عندما كنا فتيات صغيرات، خرجنا إلى صحراء عربة وتخيلنا أننا نقدم عرضا أمام الآلاف من الأشخاص”. وأضافت “لم تكن هناك حدود تماما مثل الصحراء، كان كل شيء مفتوحا”.

17