ثورة تشريعية في مصر تستهدف القوة المالية للأزهر

معركة جديدة بين الأزهر ومجلس النواب حول مجموعة تشريعات قانونية تخص ضبط المشهد الديني عموما.
الاثنين 2020/08/10
نفوذ يتقلص

القاهرة – تترقب الأوساط السياسية في مصر معركة جديدة بين الأزهر ومجلس النواب الذي يتجه للمصادقة على مجموعة تشريعات قانونية تخص ضبط المشهد الديني عموما، وسبق للأزهر الاعتراض على بعضها وحذر من تمريرها دون تعديلها وفق ما يُرضيه.

ووضع البرلمان خمسة قوانين ترتبط بالمؤسسات الدينية على صدارة جدول أعماله، عقب أيام قليلة من تمرير تشريع خاص بنقل تبعية دار الإفتاء إلى مجلس الوزراء، بعد أن كانت تحت ولاية الأزهر، ما يحجم من نفوذه باحتكار الفتوى.

وترتبط التشريعات بتنظيم الفتوى العامة وهيئة الأوقاف المصرية وإنشاء صندوق الوقف الخيري، وبيت الزكاة والصدقات التابع للأزهر، وإنشاء هيئتي أوقاف الكنيسة الكاثوليكية والطائفة الإنجيلية، بشكل يعيد ترتيب إدارة الأصول والممتلكات الكنسية والإسلامية على حد سواء.

يؤكد المغزى السياسي لهذه القوانين أن الحكومة ضاقت ذرعا من تعاظم النفوذ المالي للمؤسسات الدينية عموما، بما يوحي بأنها أصبحت قوة اقتصادية تتيح لها قدرا كبيرا من الاستقلالية بعيدا عن السياسة العامة للحكومة، بالتالي كان ضروريا تقليم أظافرها.

عمرو هاشم ربيع: دوائر سياسية لا ترغب في استمرار الأزهر كقوة موازية
عمرو هاشم ربيع: دوائر سياسية لا ترغب في استمرار الأزهر كقوة موازية 

واعتاد الأزهر أن يقف ضد كل تحرك حكومي يستهدف انتزاع المكانة الاقتصادية التي تتشكل من ممتلكات الوقف الخيري وأموال الزكاة الضخمة، بدعوى أن لها طبيعة خاصة لا يجب على السلطة الاقتراب منها أو إعادة توظيفها وفق الحاجة.

وعلمت “العرب” أن هناك نية لدى الحكومة لإدراج ممتلكات وأموال الوقف ضمن صندوق مصر السيادي، الذي أنشأه الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل عامين، لاستثمارها في تمويل المشروعات التنموية وتوجيهها بما يخدم السياسات الاقتصادية.

وتوحي إجراءات تمرير التشريعات الخاصة بالقوة الاقتصادية أن البرلمان لن يعير اهتماما للأزهر، الذي سبق ورفض مشروعات هذه القوانين، وقال إنها مخالفة للشريعة، وتم اعتماد رأي مختار جمعة وزير الأوقاف الذي أفتى بمشروعية التحرك.

وتتخطى المحفظة المالية للوقف الإسلامي الذي تريد الحكومة السيطرة عليه، تريليونا و40 مليار جنيه، في حين أن الصندوق السيادي المصري نشأ بالأساس ليكون قوامه المالي 2 تريليون فقط، أيّ أن المستهدف أن تكون ممتلكات المؤسسة الدينية إحدى ركائز دعم الاقتصاد.

وتبدو الرسالة المراد توجيهها أن آراء الأزهر حول الأمور المتعلقة بقوانين السياسة العامة للدولة مجرد شكليات، وسواء وافق أو اعترض، فالتشريعات ستُمرر، في ظل وجود مؤسسات أخرى أكثر مرونة، مثل الأوقاف ودار الإفتاء.

وغير متوقع أن يلجأ الأزهر للتصعيد وهو يرى نفوذه الديني يتقلص يوما بعد الآخر، فلم يعد يمتلك أدوات ضغط على دوائر صناعة القرار، كما أنه في موقف ضعف أمام حشد الحكومة الرأي العام لدعمها في مواجهة التحديات، ومن الصعب عليه افتعال أزمة خلال توقيت صعب وحساس قد يدفع السلطة إلى إخراج قانون إعادة تنظيم الأزهر من الأدراج لضرب ما تبقى من استقلاليته.

تُدرك الحكومة أن استمرار الامبراطوية الاقتصادية للأزهر لن يجلب سوى المزيد من النفوذ المتصاعد الذي يقف في مواجهة سلطاتها، ويحجم تدخلاتها في إقرار سياسات دينية عقلانية.

تحرك نحو تحجيم نفوذ المؤسسة الدينية
تحرك نحو تحجيم نفوذ المؤسسة الدينية

وفي حال تمت السيطرة على الأموال الضخمة التي كانت سببا في صناعة النفوذ الديني، فذلك يضمن للحكومة التفاوض على بعض القرارات والسياسات المرتبطة بالمشهد، ولن يتحقق ذلك قبل ضرب القوة الاقتصادية وتغليفها بغطاء تنموي يخدم التوجه العام، ويشارك في دعم المشروعات الكبرى، باعتبارها أكثر احتياجا.

وأدارت الحكومة معركة الاستحواذ على الإمبراطورية الاقتصادية للمؤسسة الدينية بحنكة سياسية، مع محاولة بعض الأصوات السلفية المتشددة تصوير الأمر على أنه “نهب للثروات الدينية”.

وقال عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، إن سيطرة الحكومة على النفوذ الاقتصادي تُنهي عقودا من الفساد وإهدار المال العام وتُقصي الإخوان والسلفيين الذين استطاعوا بسهولة التسلل إلى هذه الإمبراطوية لتشكل لهم دخلا دائما يساعدهم على البقاء في المشهد.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن هناك دوائر سياسية لم تعد ترغب في استمرار المؤسسة الدينية قوة موازية سياسيا واقتصاديا، لأن ذلك يضر بالمشهد الديني، باعتبار أن التركيز الأكبر لهذه المؤسسات يكون في جني المكاسب، وليس الاهتمام بالمسؤولية الواقعة عليها دعويا.

بدا واضحا أن هناك توافقا نسبيا بين الفكر الأزهري والسلفي في ما يخص تشويه صورة التشريعات المرتبطة بتحجيم النفوذ الاقتصادي. فمن شأن تمرير القانون، أن يقصي شيوخ السلفية من المشهد الديني، وبالمثل الأزهريين المتشددين، ولن يكون بإمكانهما إصدار فتوى في الإعلام أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، أو من خلال المواقع الإلكترونية الخاصة، وفي حال الإصرار على التجاوز سيكون الحبس عقوبة المتمردين على القانون.

لم يسلم التحرك نحو تحجيم نفوذ المؤسسة الدينية من توظيف مناهضين للحكومة ورقة الأقباط، للإيحاء بأنها تخشى الاقتراب منهم، وتضعهم في مكانة استثنائية، خاصة وأن قانون هيئة أوقاف الكنيسة منحها وحدها (أي الكنيسة) سلطة التصرف والإدارة واستثمار الأصول، في حين تريد الحكومة السيطرة على الأوقاف الإسلامية.

ورد أعضاء بالبرلمان، بأن الكثير من الأوقاف الكنسية مملوكة بالأساس للكنيسة الكاثوليكية والطائفة الإنجيلية في أميركا وروما، والباقي للأقباط الأرثوذكس، ما يدحض مزاعم التمييز الحكومي بين المؤسسات الإسلامية والمسيحية.

لم تفلح ورقة الأقباط في إصرار البرلمان على مناقشة قانون تنظيم الفتوى العامة دون تعديل وفق ما يرغب الأزهر، حيث كان يريد اقتصار الفتوى على أعضائه، دون منح أئمة الأوقاف هذه الصلاحية، ما يمهد لخسارة جولة جديدة من صراع النفوذ، وسط توجه سياسي يرفض احتكاره شؤون الفتوى، أو التحكم في إدارة المشهد الديني.

ولأنه من الصعب المساس باستقلالية الأزهر المحصن بقوة الدستور، فالبديل السهل تمرير تشريعات تحقق الغرض ذاته، بضرب نفوذه ووضع وزارة الأوقاف والإفتاء شوكة في ظهره، طالما أنه يتمسك باللعب على وتر الاستقلال.

وأوضح عمرو هاشم، أن الرأي الغالب داخل بعض دوائر الحكم، أن يعود الأزهر مثلما كان عليه خلال فترتي حكم الرئيسين الأسبقين، حسني مبارك وأنور السادات بخدمة الأهداف السياسية، وما دون ذلك يتم تحجيم دوره، بتقزيم صلاحياته، وهو ما يتم تطبيقه، بعدما تبينت صعوبة تطويعه أو إقناعه بالتوازن، على أن يتم استبداله بوزارة الأوقاف ودار الإفتاء.

Thumbnail
2