ثلاث أولويات إيطالية تحملها جورجيا ميلوني إلى ليبيا

حكومة الوحدة المنتهية ولايتها تستثمر سياسيا في الزيارة لإضفاء شرعية على وجودها.
السبت 2023/01/28
أولوياتنا غير أولوياتكم

تتقاطع أهداف الزيارة التي تؤديها رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني السبت إلى العاصمة الليبية طرابلس، إذ تبحث روما عن تأمين الغاز ومكافحة تدفق الهجرة غير النظامية من السواحل الليبية، في وقت تستثمر فيه حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها الزيارة سياسيا لإضفاء شرعية على وجودها.

طرابلس - تصل رئيسة الوزراء الإيطالية السبت إلى ليبيا ضمن سلسلة زيارات ستقودها إلى دول شمال أفريقيا، بدأتها من الجزائر حاملة ثلاثة ملفات ذات أولوية وهي: الغاز والهجرة والانتخابات.

والثلاثاء أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها في تغريدة أن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بحثت مع سفير إيطاليا لدى طرابلس جوزيبّي بُوتشينو غريمالدي “الاستعدادات اللوجستية لزيارة وفد رفيع المستوى بقيادة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى ليبيا”. ويرافق ميلوني في زيارتها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أنطونيو تاياني، ووزير الداخلية ماتيو بيانتيدوزي.

زيادة إمدادت الغاز

استقرار ليبيا أولوية إيطالية لأنه يخدم أهدافها في البحث عن بديل للغاز الروسي ويمثل جدارا أمام تدفق الهجرة غير النظامية
استقرار ليبيا أولوية إيطالية لأنه يخدم أهدافها في البحث عن بديل للغاز الروسي ويمثل جدارا أمام تدفق الهجرة غير النظامية

من المنتظر أن توقع شركة إيني الإيطالية مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية اتفاقات هامة بشأن استغلال حقلين للغاز الطبيعي على هامش زيارة ميلوني إلى ليبيا.

وكشف المدير العام لمؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة في تصريحات تلفزيونية مؤخرا أن شركة إيني من المحتمل أن تضخ استثمارات بقيمة 8 مليارات دولار في حقلين للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل الليبية. ويتوقع بن قدارة أن يبلغ إنتاج الحقلين 850 مليون قدم مكعبة من الغاز.

وتسعى إيطاليا لزيادة إمدادات الغاز من أفريقيا وبالأخص من الجزائر وليبيا ومصر لتعويض الغاز الروسي الذي كان يمثل قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا أكثر من 40 في المئة من الواردات الإيطالية.

ويقول المدير العام لإيني “تمكنا بالفعل حاليا من الاستغناء عمّا يقرب من 50 في المئة من الغاز الروسي من خلال أفريقيا بشكل رئيسي”.

وتمتلك ليبيا احتياطات هامة من الغاز تبلغ نحو 80 تريليون متر مكعب، وفق جهات حكومية.

وفي ديسمبر الماضي أعلن العملاق الإيطالي للطاقة عن اكتشاف كميات كبيرة من المحروقات في ليبيا خاصة من الغاز الطبيعي، دون الكشف عن حجمها.

وتصدر ليبيا إلى إيطاليا كميات متذبذبة من الغاز الطبيعي عبر أنبوب “السيل الأخضر” الذي تتراوح قدرته وفق مدير إيني ما بين 12 و14 مليار متر مكعب سنويا، لكن هذه القدرة غير مستغلة نظرا إلى تراجع حجم الصادرات بسبب عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي وارتفاع الطلب الداخلي على الغاز.

الهجرة.. إطلاق عملية بحرية جديدة

إيني تستثمر أكثر فأكثر في الغاز الليبي
إيني تستثمر أكثر فأكثر في الغاز الليبي

تضع رئيسة الوزراء الإيطالية ملف وقف الهجرة غير النظامية إلى بلادها على رأس أولويات زيارتها إلى ليبيا، خاصة وأنها دعت عندما كانت نائبة في البرلمان إلى فرض حصار بحري على شمال أفريقيا لمنع تدفقات الهجرة غير النظامية.

غير أن ميلوني تراجعت خطوة إلى الوراء بعد تنصيبها رئيسة للوزراء، قائلة “لم أقم بتنفيذ الحصار البحري كما ورد في السنوات الأخيرة، لقد كنت أنوي دائمًا إرسال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى شمال أفريقيا لمنع تدفقات الهجرة غير النظامية”.

ومن المرتقب أن تبحث ميلوني ملف تدفق المهاجرين غير النظاميين من السواحل الليبية إلى بلادها مع رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، حيث شكل الممر الليبي نحو 50 في المئة من المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا عن طريق البحر في عام 2022، بعد الممر التونسي (30 في المئة).
ومن المرجح أن تسعى رئيسة الوزراء الإيطالية لإحياء “عملية صوفيا البحرية” التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط لعرقلة تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو السواحل الأوروبية.

لكن مهمة صوفيا التي أطلقت في 2015 توقفت نهاية 2019 بسبب خلافات بين الدول المشاركة فيها، وبالأخص بين فرنسا وإيطاليا، حول كيفية التعامل مع المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر، حيث اعتبرت روما أن “بعثة صوفيا البحرية تجتذب مزيدا من المهاجرين، وتزيد تدفقات الهجرة إلى أوروبا”.

وترى ميلوني أن الوقت حان لمنع المهربين من أن يكونوا “هم من يقرر من يدخل” إيطاليا.

ولوح وزير داخليتها بإمكانية “منع السفن الإنسانية من جلب المهاجرين الذين تم إنقاذهم إلى إيطاليا”، ما سيعيد النقاش مجددا بشأن التعامل مع هذا الملف الحساس، داخليا ومتوسطيا.

وصادق البرلمان الإيطالي في نوفمبر الماضي على تجديد اتفاق بين إيطاليا وليبيا لمنع المهاجرين واللاجئين من الوصول إلى السواحل الأوروبية لثلاث سنوات جديدة.

وينص الاتفاق الموقع في 2017 على أن تساعد روما قوات خفر السواحل الليبية في التصدي لقوارب المهاجرين، وإعادتهم إلى مراكز الاحتجاز في ليبيا، مقابل التزام إيطاليا بتزويد خفر السواحل الليبي بالسفن والتدريب على التعامل مع أشكال الهجرة غير النظامية.

دعم الاستقرار الليبي

إيطاليا تسعى لزيادة إمدادات الغاز من الجزائر
إيطاليا تسعى لزيادة إمدادات الغاز من الجزائر

تدرك إيطاليا أنه لا يمكنها أن تحقق تدفقا أكبر للغاز والنفط الليبيين ووقف موجات الهجرة من السواحل الليبية إلا عبر تحقيق استقرار كامل في جارتها الجنوبية.

وفي هذا الصدد يقول وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إن “تحقيق الاستقرار في ليبيا يُعدّ أمرا حاسما لإبطاء الهجرة غير النظامية ومواجهة التهديد الإرهابي الذي ينطلق من منطقة الساحل الأفريقي باتجاه حوض المتوسط”.

وبحثت رئيسة الوزراء الإيطالية مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الأزمة الليبية، وصرحت في مؤتمر صحافي بالجزائر أن بلادها تجري “حوارا” لا يقتصر على الأطراف الليبية، بل يشمل كل المهتمين بالأزمة على المستوى الدولي بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن.

وتجري الحكومة الإيطالية عدة اتصالات مع الدول المؤثرة في الملف الليبي للمساعدة على حل الأزمة تحت غطاء الأمم المتحدة، فاستقرار ليبيا يمثل أولوية إيطالية لأنه يخدم أهدافها في البحث عن بديل للغاز الروسي ويمثل جدارا أمام تدفق الهجرة غير النظامية نحو سواحلها.

وتحمل زيارة ميلوني إلى طرابلس دلالات سياسية عميقة أيضا بالنسبة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي تبحث عن شرعية دولية بعد انتهاء ولايتها منذ يونيو الماضي.

ويرى مراقبون أن حكومة الوحدة ستسعى لاستغلال هذه الزيارة لإضفاء شرعية على وجودها في ظل مواقف عربية ودولية متباينة بشأنها. وكانت مقاطعة عدد من الدول العربية لاجتماع تشاوري لمجلس الوزراء العرب في طرابلس قد تسببت في إحراج كبير لحكومة الدبيبة. ومع إعلان حكومة الوحدة عن استعدادات لاستقبال ميلوني، تداعت بعض القوى الليبية معربة عن خشيتها من هذه الزيارة على غرار الحكومة الموازية التي يرأسها فتحي باشاغا.

وأعربت حكومة باشاغا في بيان عن “استغرابها من اعتزام ميلوني زيارة الحكومة المنتهية ولايتها في طرابلس (حكومة الوحدة) وحضور توقيع اتفاق نفطي جديد”.

وحذرت الحكومة المدعومة من مجلس النواب مما قالت إنها “صفقة غامضة يُعد لها بين المؤسسة الوطنية الليبية للنفط وشركة إيني الإيطالية (للنفط والغاز) وتقضي بزيادة حصة الشريك الأجنبي وتقليص حصة الشريك الوطني (الليبي)”.

6