ثلاثة شروط فرنسية لدعم الشرع: تمثيل مدني ومكافحة الإرهاب وتأمين عودة اللاجئين

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع شروطا لاستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع ودعمه. لكن محللين يشككون في قدرة القيادة السورية على تحقيق الشروط الفرنسية في المستقبل القريب حتى وإن توفرت الإرادة السياسية.
باريس - أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة استعداده لاستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع شريطة أن تُظهر الحكومة السورية انفتاحا حقيقيا على المجتمع المدني، وتلتزم بضمان الأمن لعودة اللاجئين السوريين، فضلا عن تنفيذ مكافحة فعالة للإرهاب. لكن رغم هذه المبادرة، تظل الأسئلة قائمة حول قدرة الشرع على الوفاء بهذه الشروط وسط الظروف السياسية والأمنية المعقدة في سوريا.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس اللبناني جوزيف عون إن “حكومة تأخذ كل مكونات المجتمع المدني السوري في الاعتبار، إضافة إلى مكافحة واضحة وحازمة للإرهاب وعودة اللاجئين، وهي ثلاثة عناصر تشكل أساسا للحكم على المرحلة الانتقالية.”
وأضاف “بحسب تطورات الأسابيع المقبلة، نحن مستعدون تماما لمواصلة هذا الحوار واستقبال الرئيس الانتقالي. والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة للتأكد من ذلك. لكن المباحثات التي أجريناها حتى الآن إيجابية بالكامل.”
بعد سنوات من الصراع، تعرّض النسيج الاجتماعي في سوريا لتشقق كبير، مع انقسامات طائفية ومناطقية واسعة. هذه الانقسامات تعقد أيّ محاولة لبناء مجتمع سوري موحد
ويرى محللون أنه بينما تحاول باريس تشجيع عملية سياسية جديدة تضمن تمثيلا عادلا لكافة أطياف المجتمع السوري، يبدو أن التحديات السياسية والأمنية في سوريا قد تجعل من الصعب تنفيذ هذه الشروط في المستقبل القريب.
ويشير المحللون أنه من غير الواضح أيضا ما إذا كان النظام السوري مستعدا للانفتاح على المجتمع المدني السوري، أو إذا كان سيقبل بتقديم تنازلات حقيقية بشأن مكافحة الإرهاب وضمان عودة اللاجئين.
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط بباريس دانيال سيرموندي “الشرع قد يواجه صعوبة في تنفيذ هذه الشروط بسبب الوضع المعقد في سوريا. ومن غير المحتمل أن يقبل النظام بتقديم تنازلات حقيقية، خاصة في ما يتعلق بمشاركة المعارضة أو تمثيل المجتمع المدني في النظام الجديد.”
ويضيف سيرموندي “الحكومة السورية لا تزال ترفض أيّ مقترحات يمكن أن تضعف سلطتها أو تعطي قوى المعارضة أيّ دور في المستقبل السياسي للبلاد.”
وبينما تعبّر فرنسا عن استعدادها لدعم عملية سياسية جديدة في سوريا، يظل الانتقال السياسي هو التحدي الأكبر الذي يواجه البلاد. فبعد حكم استمر لأكثر من خمسين عاما تحت سلطة آل الأسد، تتطلع سوريا إلى مرحلة انتقالية قد تستمر لفترة طويلة، إذ لا يزال هناك العديد من العقبات السياسية والاقتصادية.
ويوضح الخبير في الشؤون الشرق أوسطية بيتر هاريس أنه “حتى لو كانت هناك نية حقيقية من الحكومة السورية لإجراء تغييرات، فإن الطريق إلى تطبيق هذه الشروط سيكون طويلا ومعقدا. فهناك مراكز قوة داخل النظام السوري قد تعرقل أيّ تحركات نحو التسوية السياسية.”
وأما عن مكافحة الإرهاب، وهو أحد الشروط الأساسية التي وضعتها فرنسا، فيبدو أن النظام السوري ليس في وضع يسمح له بتحقيق ذلك بسهولة. ففي حين تعلن الحكومة السورية أنها قد نجحت في دحر تنظيم داعش في مناطق عديدة، إلا أن الصراع الداخلي بين الفصائل المسلحة المختلفة ما زال مستمرا، مما يعقد مهمة النظام في الحفاظ على الأمن في جميع المناطق السورية.
وبالإضافة إلى ذلك، تبقى مسألة عودة اللاجئين السوريين قضية شائكة. فحتى لو كانت الحكومة السورية مستعدة لاستقبال اللاجئين في بعض المناطق، فإن الواقع الأمني والاقتصادي في البلاد يعيقان هذه العملية.
وتتطلب عودة اللاجئين توفير ظروف آمنة ومستقرة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الاضطرابات المستمرة والمجازر التي تُرتكب في بعض المناطق. وكان آخرها الهجمات التي استهدفت مناطق في الغرب السوري، والتي تركزت على الأقلية العلوية، ما يعكس مدى تعقيد الوضع الأمني في البلاد.
وتشير الخبيرة في الشؤون السورية ماري روزا إلى أن “مكافحة الإرهاب تظل أولوية للنظام السوري، لكن هذا قد يُترجم إلى قمع المعارضين السياسيين بدلا من مواجهة تنظيمات إرهابية بالمعنى التقليدي.”
وتضيف روزا “من غير المرجّح أن يلتزم النظام السوري بضمانات حقيقية لعودة اللاجئين في ظل استمرار الإجراءات العسكرية في بعض المناطق.”
وبعد سنوات من الصراع، تعرّض النسيج الاجتماعي في سوريا لتشقق كبير، مع انقسامات طائفية ومناطقية واسعة. هذه الانقسامات تعقد أيّ محاولة لبناء مجتمع سوري موحد، كما تجعل من الصعب توفير بيئة آمنة ومستقرة لعودة اللاجئين السوريين. إذ أن أيّ عملية انتقال سياسي ستحتاج إلى تلبية احتياجات جميع فئات الشعب السوري، وهو ما يبدو تحديا صعبا بالنظر إلى الوضع الحالي.
وإلى جانب التحديات السياسية والأمنية، يواجه النظام السوري تحديات اقتصادية هائلة. فقد دمرت الحرب معظم البنية التحتية في البلاد، وأصبح الاقتصاد السوري في حالة يرثى لها.
ويؤكد الخبراء أن أيّ عملية سياسية ناجحة في سوريا تحتاج إلى إصلاحات اقتصادية شاملة، وهو أمر يتطلب استثمارات ضخمة قد لا تتوفر في الوقت الحالي. كما أن سوريا في حاجة إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تعرض للتدمير خلال سنوات الحرب.
وتحتاج الحكومة السورية إلى ضمان حقوق جميع فئات المجتمع السوري، وهو أمر صعب للغاية في ظل الانقسامات الطائفية والسياسية التي عصفت بالبلاد.
ويقول مراقبون إن سوريا في حاجة إلى المزيد من الجهود الدولية لدفع عملية السلام إلى الأمام. فالانتقال السياسي في سوريا لن يكون مسألة محلية فقط، بل هو مشروع يتطلب دعما من المجتمع الدولي بأسره، بما في ذلك تقديم ضمانات اقتصادية وأمنية لإعادة إعمار البلاد.
ودمّرت الحرب السورية البنية التحتية بشكل هائل، مما أدى إلى تدهور اقتصادي شديد يعيق تقدم البلاد نحو إعادة البناء.
وتبدو سوريا في حاجة إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء اقتصادها المحطم، وهو أمر يتطلب دعما دوليا قد لا يتوفر في الوقت الحالي.
وفضلا عن ذلك، فإن استمرار العقوبات الاقتصادية الدولية يحد من قدرة الحكومة السورية على استعادة مواردها الاقتصادية.