ثلاثة أعوام على السقوط.. الإخوان في سكرات الرمق الأخير

خسرت جماعة الإخوان المسلمين في سنة واحدة ما عملت على التخطيط له طيلة 88 سنة لتتحول بين ليلة وضحاها من القوة صاحبة الشرعية والسلطة، إلى تنظيم مصنف على قائمة الجماعات الإرهابية؛ وكان كافيا أن تفشل الجماعة في مسقط رأسها حتى تؤثّر سلبا على فروعها في الخارج وأيضا على حركات وأحزاب إسلامية تبنت الأيديولوجيا الإخوانية لتزيد من مأزقها تشتتها بين لندن واسطنبول والدوحة، والخلافات بين قياداتها الشابة وقيادات الصف الأول.
السبت 2016/07/02

لندن/ القاهرة - بعد مرور ثلاث سنوات على “حرب” مفتوحة يخوضها الإخوان المسلمون مع النظام في مصر، يشعر قادة الجماعة أن الوقت قد حان للملمة ما تبقى من التنظيم الذي تناثرت أشلاؤه بين لندن وإسطنبول والدوحة وقرى نائية وسجون في مصر.

وأصبح قادة الإخوان غير قادرين على تسويق خطاب يقنع شباب الجماعة ومناصريها، ويضع حدا لمرحلة غياب اليقين بين هجمات مسلحة يقودها الشباب في مصر، ومفاوضات خجولة تأمل القيادات التاريخية في أن تثمر اتفاقا مع السلطات يعيد التنظيم إلى الحياة السياسية مرة أخرى.

وقالت مصادر في القاهرة لـ”العرب” إن تنظيم الإخوان المسلمين حظر التظاهر على أنصاره في الذكرى الثالثة للإطاحة بالرئيس المنتمي إلى الجماعة محمد مرسي إظهارا لحسن النوايا. وأكدت أن قرارا اتخذ لانتهاج تهدئة مع السلطات يتم تنفيذه تحت غطاء من السرية.

وفي كرداسة، التي تقع في الشمال الغربي لمحافظة الجيزة، بدت الشوارع هادئة على غير العادة في مثل هذه الذكرى التي يحتشد فيها مناصرون لمرسي في تظاهرات داخل شوارع البلدة، أو في صفوف انتظارا لاستقلال حافلات إلى القاهرة، حيث غالبا ما تكون قوات الأمن في انتظارهم استعدادا لفض أي تجمعات محتملة.

لكن هذا العام مختلف تماما، إذ بدت طرقات البلدة التي غطتها الأتربة وتحفها بيوت انحسر عن واجهاتها الطلاء، هادئة إثر انحسار حركة المارة كنتيجة لتأثير الصيام في شهر رمضان وارتفاع درجة الحرارة.

ورغم توقف عمليات الصناعة الضخمة للنسيج التي اشتهرت بها البلدة حتى مطلع السبعينات، مازال البعض من أسواقها يعتمد على بيع المنسوجات والملابس الجاهزة حتى في ظل قلة عدد الرواد في الشارع التجاري الرئيسي منذ إطاحة الجيش بمرسي في الثالث من يوليو 2013 إثر احتجاجات شعبية حاشدة على حكمه.

ويقول عبدالحميد، العضو بجماعة الإخوان المسلمين في كرداسة لـ”العرب”، “فقدت الرغبة في الخروج إلى الشارع أو المشاركة في فعاليات تنظمها الجماعة منذ فترة، وهو حال قطاعات كبيرة من الإخوان اعتزلت الشارع خوفا من الاعتقالات”.

وقال رامي، وهو عضو في التنظيم اعتاد على المشاركة في تظاهرات تدعو إليها قياداته المحلية، إن “الخلافات بين قيادات الإخوان أثّرت بشكل كبير على المشاركة في الفعاليات، وأصبحت الجماعة مشغولة بمشاكلها البينية، حتى أنها تجاهلت عمدا الدعوة إلى التظاهر في ذكرى ‘الانقلاب’ على أمل أن تكون لها فرصة في المصالحة السياسية”.

إيريك تراغر: المصالحة الآن قد تتسبب في نفور القاعدة المؤيدة للحكومة خصوصا داخل المؤسسات الرسمية

وباتت المصالحة الأمل الوحيد للإخوان بعدما فقدوا مصر التي كانت تشكل قاعدة التنظيم الدولي، وواجه أعضاء التنظيم حملة واسعة النطاق أنهت قدرتهم على الحشد.

وتقول تقارير إن الولايات المتحدة كانت تأمل في توصل نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقيادات في الجماعة، إلى تفاهم قبل رحيل إدارة الرئيس باراك أوباما أواخر العام الجاري.

وقالت أيضا إن واشنطن تعرض الوساطة بين الجانبين برعاية دول إقليمية. لكن متحدث باسم وزارة الخارجية في واشنطن نفى في رسالة بالبريد الإلكتروني لـ”العرب” أي وساطة أميركية بين النظام المصري والإخوان المسلمين. وقال “لا. الولايات المتحدة ليست طرفا في أي جهود للتقارب بين الجانبين”.

وقالت مصادر وثيقة الصلة بمكتب الإخوان المسلمين في لندن إن الحكومة المصرية عرضت على الجماعة في مطلع عام 2014 إعادة الاندماج في الحياة السياسية، والإفراج عن أغلب المعتقلين في صفوف التنظيم، باستثناء المتورطين في عمليات عنف.

وأكدت المصادر لـ”العرب” أن أجهزة أمنية مصرية اشترطت عدم الإفراج عن قرابة 300 من قيادات الإخوان. لكن التنظيم رفض العرض “لأن ذلك كان يعني أن الجماعة تضحي بقيادتها. بكلام آخر هذا كان يعني أن الجماعة تضحي بنفسها”.

وقد يكون تصاعد الحديث عن المصالحة مؤخرا اختبارا من قبل السلطات المصرية لرد فعل الشارع المعادي في أغلبه للإخوان المسلمين.

ورفض القيادي الإخواني السابق عبدالجليل الشرنوبي “أي مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين”. وقال لـ”العرب” إنه “على الحكومة المصرية مصارحة الشعب حول حقيقة ما يثار في هذا الأمر، بعد أن وصلت المسألة إلى حد وجود تصريحات رسمية بشأن إعداد قانون يسمح بعودة الجماعة للمشهد السياسي”.

وأضاف الشرنوبي، الذي كان يرأس تحرير موقع إخوان أونلاين سابقا، إن “جماعة الإخوان لا تريد التصالح فعلا مع الدولة المصرية، بل تريد هدنة مؤقتة تمكنها من إعادة ترتيب أوضاعها، وحل أزماتها، ورأب الصدع بين قياداتها، تمهيدا للعودة مرة أخرى، ومحاولة الانقضاض على الدولة المصرية”.

ولا تبدو الحكومة المصرية مستعدة للتسامح مع أي احتجاجات محتملة قد تنجم عن المصالحة بعد شهرين من أكبر تظاهرات تشهدها مصر منذ تولي السيسي الحكم صيف عام 2014، رفضا لتنازل مصر عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر لصالح السعودية.

أجهزة أمنية مصرية عرضت إطلاق سراح أغلب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين واشترطت عدم الإفراج عن 300 من القيادات

وقال إيريك تراغر، الباحث الأميركي في جماعات الإسلام السياسي، إن “الحكومة بنت مقاربتها للحكم في مصر على تدمير الإخوان المسلمين، والمصالحة الآن قد تتسبب في نفور قاعدتها المؤيدة، خصوصا داخل المؤسسات الرسمية”.

وأكد لـ”العرب” أن “السلطات لا تبدو مستعدة الآن للدخول في أي مخاطرات سياسية، إذ تضع في اعتبارها أن جماعة الإخوان لم تعد ذات وزن سياسي في الواقع”.

انقسامات عاصفة

مثّل سقوط محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين على أيدي الجيش الذي دفعته احتجاجات شعبية عارمة قبل ثلاثة أعوام إلى التحرك، تراجعا استراتيجيا للإسلام السياسي في الشرق الأوسط.

ومصر ليست أكثر الدول العربية سكانا ومؤشرا يحدد اتجاه المنطقة فحسب، بل هي كذلك مهد هذه الحركة الإسلامية الأممية ومنارة لانتفاضات الربيع العربي التي شهدتها المنطقة عام 2011 وأطاحت بنظم حكم دكتاتورية ودفعت بالإسلاميين إلى سدة السلطة.

وأي انتكاسة تلحق بالإخوان المسلمين في معقلهم الأساسي تطرح أسئلة بخصوص قدرتهم على الحكم في بلدان أخرى من تونس إلى سوريا. وقد تلقى الإخوان ضربة مقعدة.

وخرج المصريون لمعارضة مرسي بعد عام واحد من انتخابهم له بأعداد أكبر حتى من تلك التي خرجت لخلع الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي أسقطه ميدان التحرير عام 2011.

وسيظل ذلك بقعة في ثوب الإخوان المسلمين حملة راية التيار الرئيسي للإسلام السياسي السني منذ نشأة جماعتهم في مصر عام 1928.

وبعد سقوط مبارك برزت جماعة الإخوان المسلمين، التي ظلت على الصعيد الرسمي جماعة سرية محظورة طوال ما يزيد على 80 عاما، كأفضل القوى السياسية تنظيما في مصر، بل كانت في الواقع القوة الوحيدة المنظمة تنظيما محكما غير القوات المسلحة.

الإخوان.. شعارات عفا عليها الزمن

ولم يتبق في مصر مجال لحياة سياسية ديمقراطية تقليدية بعد أن قضت 60 عاما تحت حكم دكتاتوري بدءا من جمال عبدالناصر، الذي ترددت أصداء خطابه القومي العربي في أرجاء المنطقة وساهمت في تشكيل العالم العربي بعد الحقبة الاستعمارية.

وشيئا فشيئا بدأت جماعة الإخوان المسلمين في ملء الفراغ الذي تركه مبارك، ولم تتمكن أي قوة سياسية أخرى من الاستحواذ عليه.

وصعد نجم قيادات الجماعة في مصر، وبات عاديا التقاء مسؤولين أوروبيين وأميركيين بالمرشد العام الذي يقبع في السجن اليوم محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، الذي يقول كثيرون إنه أصبح لاحقا الرئيس الفعلي لمصر.

وفاز الإخوان المسلمون في مصر في عدة انتخابات من بينها انتخابات الرئاسة وأصبح مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد، لكنهم بدوا مثلهم في ذلك مثل التنظيمات المشابهة كالنهضة في تونس غير قادرين على التخلص من عادات السرية التي اكتسبوها عبر ماضيهم.

وسرعان ما سعت الجماعة للسيطرة على كل مؤسسات الدولة بشغل مناصبها الأساسية وتحويلها إلى قلاع للإخوان المسلمين بدلا من خدمة البلاد.

وفي نوفمبر 2012 وقّع مرسي، الذي كان يواجه أمواجا عاتية من الاحتجاجات الشعبية، إعلانا دستوريا حصن بموجبه كافة قراراته من الطعن عليها أمام القضاء.

وقال مصدر وثيق الصلة بالإخوان المسلمين في لندن لـ”العرب” إن مرسي واجه حينها انقساما حادا داخل صفوف التنظيم بعدما طلب الشباب مواجهة المتظاهرين بأساليب عنيفة خارج قصر الاتحادية. ودعا بعض أعضاء التنظيم إلى “تنظيف الشعب من معارضي مرسي”.

وأضاف “لم يكن هناك أمام مكتب الإرشاد، في سبيل احتواء الموقف، سوى توجيه طاقة الشباب نحو تنظيم اعتصام مؤيد لمرسي في مكان بعيد نسبيا عن قصر الاتحادية”.

وواجهت مصر بعد مبارك مشاكل صعبة من الانهيار الاقتصادي مع فرار الرأسماليين من المرتبطين بالحكم إلى فراغ أمني مع انسحاب قوات الشرطة، لكن أحدا لم يتصور أن حركة جيدة التنظيم مثل الإخوان المسلمين ستكشف عن هذا القدر من عدم الكفاءة في الحكم.

وبعد الإطاحة بمرسي تم اسناد الإشراف على أنشطة الإخوان المسلمين في الخارج لمكتب إسطنبول، لكن القرار تسبب لاحقا في انقسامات حادة بين قيادات الجماعة التي فرت إلى تركيا ولندن، مركز التنظيم الدولي. ولم يمر وقت طويل قبل أن تطالب القيادات الشابة في التنظيم بـ”ثورة مسلحة في مصر”.

عبدالجليل الشرنوبي: جماعة الإخوان لا تريد التصالح فعلا مع الدولة، بل تريد هدنة مؤقتة تمكنها من إعادة ترتيب أوضاعها

وقال المصدر إن “مكتب لندن شعر بأن هذه الدعوة ستمثل ضغطا هائلا عليه في الوقت الذي كانت الحكومة البريطانية تجري تحقيقا موسعا حول أنشطة الإخوان المسلمين وعلاقة الجماعة بالعنف وبالتنظيمات الجهادية في الشرق الأوسط”.

وأطلقت حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تحقيقا بقيادة سفير بريطانيا السابق في الرياض سير جون جينكينز في مطلع عام 2014، استغرق قرابة عام ونصف العام وخلص إلى أن للجماعة علاقة مشبوهة بقوة مع التطرف المشوب بالعنف.

وقال كاميرون إن “الجماعة أصبحت كفكر وكشبكة نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات ممن انخرطوا في العنف والإرهاب”. وسارع مكتب لندن إلى اتخاذ خطوات توفر له مسافة آمنة بعيدا عن فرع إسطنبول.

وحاولت قيادة الإخوان في القاهرة وضع حد للأزمة التي كادت تتسبب في انفراط عقد التنظيم عبر دفع المكتبين للتنسيق، لكن قيادات لندن أصروا على الرفض، وأحالوا مكتب إسطنبول إلى محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، والمعروف داخل التنظيم بـ”الرجل الحديدي”.

وقال إيريك تراغر “أي محاولة من قبل قياديي الإخوان المسلمين في المنفى للتوصل إلى تفاهم مع السلطات المصرية ستعمق كثيرا هوة الانقسامات بينهم”.

تدخل قيادات المغرب

تحول الالتباس في العلاقة بين النظام المصري والإخوان المسلمين إلى وقود تغيرات حاسمة في أدوار فروع الجماعة في دول عربية أخرى، إذ بات فرع الأردن يرزح تحت انقسامات كادت تودي بقياداته التاريخية، ولجأ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس إلى الإعلان عن نيته “فصل الدعوي عن السياسي” عبر تحويل الحركة إلى حزب سياسي خالص.

وقال مصدر لـ”العرب” إن التنظيم يعكف على مراجعات فكرية عميقة، قد تغير الصورة التقليدية لإخوان مصر.

وأكد المصدر القريب من التنظيم الدولي للإخوان قيامه بمراجعات فكرية موسعة يتم تداول مسوداتها منذ ثلاثة أشهر، وصلت إلى مرحلة استطلاع رأي القواعد الإخوانية في مصر قبل أسابيع. ويقود القيادي السابق في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في مصر، تنسيق “المراجعات الفكرية” بين قيادات إخوانية في دول مختلفة.

وتتضمن المسودة الرئيسية “عدة محاور بشأن قضايا تؤكد ضرورة الفصل بين السياسي والدعوي، وتطبيق الشريعة والمواطنة، والموقف من العدالة الانتقالية”. كما تتضمن أيضا الموقف من الديمقراطية والمشاركة السياسية‏‏.

وقال المصدر، الذي اطلع على وثائق المراجعات الجديدة، إنها توجه نقدا للكثير من أفكار الإخوان القديمة، ومحاولة تحاشي الأخطاء التي كبدت الجماعة خسائر فادحة.

وأكد لـ”العرب” أن المضمون الإجمالي للوثائق عرض على البعض من الشخصيات العربية والإسلامية الكبيرة خارج مصر.

لكنه رفض الإفصاح عن أسماء هذه الشخصيات، مكتفيا بالإشارة إلى أن لها رؤية إسلامية. وقال إن منها من ترأس حركات ذات مرجعية إسلامية في بلده، ومنها من يحسب على الإسلاميين المستقلين‏.

وأرسلت نسخ المراجعات الجديدة إلى قيادي إسلامي بارز في المغرب العربي، وطُلب منه إبداء ملاحظاته على ما طرحه الإخوان في الوثائق الجديدة، بحسب المصدر. وإذا ما تم اعتماد المراجعات فستؤدي حتما إلى حدوث انشقاقات واسعة داخل الجماعة.

وقال أحمد بان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن “الإخوان بشكلهم المتعارف عليه انتهوا بالفعل منذ فترة، سواء على المستوى الدعوي أو التنظيمي”.

وأضاف لـ”العرب” أنه “حتى لو لم تحدث المراجعات المنتظرة بالطريقة الشاملة فالجماعة تنتظر الانقسام إلى ثلاثة أقسام رئيسية، بحيث ينخرط الأول في العمل السياسي من خلال تأسيس حزب أو الانضمام إلى أحد الأحزاب الإسلامية القائمة، في حين يلجأ فريق آخر للعمل الدعوي والتربوي، ويفضل كل عنصر في الفريق الثالث اعتزال كل ما له علاقة بالمجتمع والتزام بيته، كما يحدث في كرداسة اليوم”.

7