ثغرات في المشهد السينمائي المغربي: غياب أفلام العيد والأجناس الفيلمية

يعتبر غياب أفلام العيد في السينما المغربية، أي عندما يكون الجمهور على استعداد للاستمتاع بتجربة سينمائية مميزة في أيام العطل الموسمية، مؤشرا على وجود فجوة كبيرة في التنوع الثقافي والترفيهي المتاح للجمهور وعلى قلة اهتمام صناع السينما بمواسم الذروة التي تتيح للأعمال الفنية فرصا مهمة لتحقيق الانتشار والنجاح.
الرباط - يشير الغياب البارز لأفلام العيد والأجناس الفيلمية في السينما المغربية، مثل الخيال العلمي والأكشن، إلى توجه السينما المغربية نحو أنواع محددة من الأفلام تسمى السينما التجريبية بما أن لا تصنيف لها.
ويعود ذلك جزئيا إلى اهتمام المخرجين والكتاب بتقديم أعمال تعبر عن الواقع المحلي وتتناول قضايا اجتماعية وثقافية تهم الجمهور المحلي مثل أفلام البادية والمدينة التي يحوم حولها كتاب السيناريو، وبالتالي فإن الأفلام التي تحمل رسائل اجتماعية وتتناول قضايا محلية تجذب اهتمام المنتجين والجمهور على حد السواء، من ناحية البساطة في الإخراج والكلفة الإنتاجية أيضا، حيث هناك تحديات مالية وتقنية في إنتاج أفلام الخيال العلمي والأكشن وحتى الأفلام التاريخية وأفلام السير الذاتية التي تتطلب ميزانيات أعلى واستخدام تقنيات خاصة مثل الرسومات الكمبيوترية والمؤثرات البصرية والتقنية المتقدمة.
ومع ذلك، فإن هذا الغياب لا يعني بالضرورة عدم وجود إمكانية لتطوير هذه الأنواع من الأفلام في المستقبل، فقد تظل هناك فرصة أمام المخرجين والمنتجين لاستكشاف مجالات جديدة وتنويع الإنتاج السينمائي، ما قد يفتح الباب أمام ظهور أعمال سينمائية جديدة تختلف في الأنواع والأساليب.
ويمكن النظر إلى موضوع غياب أفلام العيد عن السينما المغربية اجتماعيا، في إطار قيمة الفيلم النهائية التي لا تساوي شيئا دون جمهور، لأن المشاهدين هم من يعطون الفيلم قيمته النهائية، مفسرين معانيه ومقيمين جدارته، إذ تعتبر أفلام العيد من الأعمال التي تصدر عادة في أعياد تهم غالبية الشعب مثل عيد الفطر أو عيد الأضحى، كما يحدث في السينما المصرية، وتتميز هذه الأفلام غالبا بأنها أعمال سينمائية كوميدية أو درامية تستهدف العائلة، وتكون ذات قيمة ترفيهية عالية، ويتم إطلاقها خلال هذه المناسبات لتشجيع الناس على الاحتفال وقضاء وقت ممتع في العطلة.
◙ بعض المخرجين يواجهون فشلا في إخراج أفلام عائلية مخصصة للأعياد وذلك بسبب عدم قدرتهم على فهم توقعات الجمهور
ويحتل هذا النوع من الأفلام مكانة كبيرة في صناعة السينما المصرية والهندية بالخصوص، نظرا لأهميته وارتباطه بالجمهور، فكل الإبداع الفني والبراعة التجارية والتقدم التقني في مجال السينما يكون في الحقيقة موجها إلى المجتمع، ويطرح العديد من الباحثين نظريات مختلفة لتفسير كيفية تجاوب الجمهور مع هذا النوع من الأعمال؛ فأصحاب النظريات الماركسية مثل الألماني فالتر بينغامين والفرنسي لوي ألتوسير نظروا إلى الأفلام كأدوات دعاية سياسية أو تغيير اجتماعي، مؤكدين على قوة الإعلام مثل الأفلام في إعادة إنتاج الأيديولوجيا للاستهلاك العام، إذ يرون أن شبكة القيم لأي مجتمع تنسج داخل كل نص سينمائي. لكن أين تقف السينما المغربية في هذا السياق؟
في محاولة للإجابة على هذا السؤال يجب الاعتراف بأن أفلام العيد تعتبر طقوسا إستراتيجية تحقق إيرادات عالية في شباك تذاكر السينما الهندية والمصرية على حد السواء، وذلك لأن صناع السينما في مصر والهند يعرفون جيدا قيمة هذا النوع من الأفلام، نأخذ على سبيل المثال الفيلم المصري “شقة” للمخرج كريم السبكي وتأليف وسام صبري، حقق هذا العمل إيرادات كبيرة في ثاني أيام عيد الفطر، حيث انطلق عرضه في السينمات في وقفة العيد، وحصد 9 ملايين و806 آلاف جنيه، ليتصدر شباك التذاكر محققا 17 مليون جنيه منذ طرحه في القاعات.
كما أن الفيلم المصري "فاصل من اللحظات اللذيذة" للمخرج أحمد الجندي، وتأليف شريف نجيب، احتل المركز الثاني في شباك تذاكر أفلام العيد، إذ حقق قرابة 6 ملايين و600 ألف جنيه.
وتشكل أفلام العيد في عالم بوليوود جزءا لا يتجزأ من تقاليد الصناعة السينمائية الهندية الغنية والمتنوعة، إذ يعتبر موسم العيد فترة حافلة بالأفلام المميزة التي تعرض للجمهور، كما تعد هذه الفترة مناسبة مثالية لإطلاق الأفلام الضخمة والمنتظرة بشغف كبير، وفقا لطقوس الهنود وأعيادهم المعروفة مثل عيد الألوان وديوالي وهولي، وكانت السينما الهندية دائما تنافس السينما المصرية في أفلام عيد الأضحى المعروفة.
ويمكن الحديث أيضا بطريقة غير مباشرة عن السينما العالمية التي تحقق إيرادات عالية في أيام عيد الفطر، نأخذ على سبيل المثال الفيلم الأميركي "غودزيلا وكوينغ: الإمبراطورية الجديدة" للمخرج آدم وينكارد الذي حافظ على المركز الأول بإيرادات بلغت 31.7 مليون دولار من 3948 شاشة سينما، وتشمل القائمة في عالم هوليوود العديد من الأفلام البارزة والمعروفة في نفس السياق.
ويمكن أن يرجع غياب أفلام العيد في السينما بالمغرب إلى عدة عوامل، منها صعوبات في جذب التمويل اللازم لإنتاج هذه الأفلام التي تتطلب ميزانيات كبيرة، وقد يكون هناك تغير في اهتمامات الجمهور المغربي الذي يفضل أنواعا أخرى من الترفيه خلال عطلة العيد، ومع تطور وسائل الترفيه الأخرى مثل منصات شاهد ونتفليكس يكون هناك تنافس متزايد على انتباه الجمهور، ما يقلل من الطلب على السينما كوسيلة رئيسية للترفيه خلال هذه الفترة، أو نتيجة عدم وجود كتابة سينمائية مخصصة لهذه الأفلام ونقص في القصص الملهمة والملائمة للجمهور الذي يبحث عن تجارب سينمائية مميزة. وإذا كان هناك نقص في التنوع السينمائي وفي القصص التي تعكس تجارب وثقافة الجمهور المغربي خلال هذه الفترة، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقليل الإقبال على الأفلام التي تعرض في هذا الوقت.
وتركز شركات الإنتاج التي تحتكر السوق على المشاريع التي تخدم الأجندات الخارجية وتحقق عوائد مالية أكبر أو تأتي مع فرص تسويقية واسعة النطاق، في ظل هذا قد تجد شركات الإنتاج أن الاستثمار في أفلام العيد ليس أولوية لها أو لا يخدم من يموّلها، خاصة إذا كانت هناك استثمارات أخرى تعتبر أكثر جاذبية من الناحية المالية، فالأفلام النسوية باتت مقبولة لدى شركات الإنتاج بشكل ملحوظ وهذا يروج لثقافة تريدها جهات خارجية.
ويواجه بعض المخرجين فشلا في إخراج أفلام عائلية مخصصة للأعياد وذلك بسبب عدم قدرتهم على فهم توقعات الجمهور أو عدم ملاءمة القصص التي يختارونها لهذه الفترة، كما هناك شماعات تعلق على التقنية أو الميزانية، ومع ذلك يجب الاعتراف بأن هذا الاعتقاد ليس قاعدة عامة، إذ يوجد العديد من المخرجين الموهوبين والمبدعين القادرين على تقديم أفلام عيد متميزة وجذابة تحظى بإعجاب الجماهير.
ويعد الإقبال الهزيل على دور السينما المغربية خلال أيام العيد جزءا من العادات الاحتفالية التقليدية، إذ تحتل الأنشطة الأخرى كالتجمعات العائلية واللحظات المميزة مع الأصدقاء، مكانة مهمة. كما يفضل البعض من المتابعين قضاء الوقت في بيوتهم أو في أماكن ترفيهية مختلفة بديلا عن دور السينما والمشاركة في أنشطة تتيح لهم فرصة التواصل الأعمق وتبادل الفرح مع أحبائهم، ولا ينبغي أن ننسى وجود شريحة معينة من المجتمع تجد في زيارة دور السينما أيام العيد مناسبة للاستمتاع والتسلية بأحدث الأفلام.
ويتطلب فهم هذا النوع من الأفلام انتباها شديدا لعوامل ثلاثة رئيسية، وهي نوع الإنتاج، ومحتواها الفني وأسلوبها السينمائي، وردة فعل الجمهور، وثمة أمور أخرى ثقافية، إذ إن هذه العوامل متصلة ببعضها البعض بشكل معقد وتاريخي، وفهم تاريخ السينما ذاته وكيف تطورت الأفلام بمرور الوقت منذ ظهورها الأول في ثمانينات القرن التاسع عشر، سيساعد على تذكر أن السينما صناعة بقدر كونها فنا واختراعا تقنيا ومؤسسة اجتماعية. فهذه الجوانب الأربعة، الاقتصادية والجمالية والتقنية والاجتماعية متضافرة في نسيج تاريخ السينما، فلا يجب على كل واحد منا أن يكون اقتصاديا أو ناقدا فنيا أو تقنيا أو عالم اجتماع لإدراك الموضوع إدراكا كاملا، بل من المفيد معرفة القليل عن كل جانب عن طريق ردود فعل الجمهور الواسع، وكذلك الأفكار النسوية التي تروج بطريقة فنية مكشوفة.