"تين دجبّة" التونسي يكتسب لذته من أعالي الجبال

تشتهر قرية دجبة من محافظة باجة التونسية بإنتاج أصناف عديدة من التين بطريقة بيولوجية خالية من الأسمدة الكيميائية، وبعد أن سجّل "تين دجبة"، في السجل الدولي لتسميات المنشأ وصل إلى الأسواق العالمية طازجا ومجففا.
تونس ـ على امتداد مساحات واسعة من سفح جبل القراعة بمحافظة باجة، الواقعة في الشمال الغربي لتونس، تنتشر مدرجات أشجار التين، المصنفة أمميا ضمن قائمة “نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية”، حيث نجح أبناء قرية دجبة، في تصدير ثمارها إلى دول حول العالم بينها قطر والولايات المتحدة.
وعلى الصخور الجلمودية تتعانق أشجار الزيتون والتين والتوت البري، لتشكل لوحة خضراء تستمر في البقاء مقاومة سنة جفاف استثنائية، بفضل عيون ماء جارية لم تنضب على مدى سنين طويلة.
فريدة دجبي (65 عاما)، رئيسة "مجمع كنوز دجبة للتنمية الفلاحية"، تتحدث عن تين المنطقة وصعوده إلى العالمية قائلة "التين في دجبة منذ الأزل. الكرمة تنبت لوحدها من أول الدنيا في الصخر، وفي الأودية، وعلى مجاري المياه، وحاليا أصبحنا نزرعه بالتقنيات الجديدة".
وأضافت "منذ القدم كان أجدادنا يعملون في زراعة التين بطريقة تقليدية.. والإنتاج كان قليلا يباع في الأسواق القريبة من هنا، ويُحمل على الحمير في صناديق من الخشب”. وتابعت "لدينا عدة أنواع من التين؛ منها البوحولي والوحشي، وهي من أقدم الأنواع، ثم الزيدي والخرطومي والنمري وبوحرّاق والسلطاني والفواري والقوطي".
وأشارت إلى أن نحو 900 فلاح يعملون في قطاع إنتاج التين بالقرية ويملكون نحو 10 آلاف شجرة تين، منتشرة على مساحة 800 هكتار. وفي مزرعة باسم معاوية، كانت الحركة حثيثة، العديد من الشبان والنساء منهمكون في جني الحبات السوداء المعلقة بأشجار التين.
وأشار معاوية إلى أن مزرعته تمتد على مساحة ثلاث هكتارات، وبها تين من نوع الزيدي والبوحولي، مضيفا "نغرس التين كأعواد تقطع من الأشجار، في يناير، وعادة ما تنتج خلال 4 أو 5 سنوات".
وقال معاوية، "نحن لا نستعمل الأدوية بل الأسمدة العضوية من مخلفات الحيوانات، ونستعمل قليلا من الأسمدة المصنعة". ويضيف "نبدأ بجني البيثر (نوع من التين ينضج مبكرا) خلال يونيو لـ15 يوما، ومن 10 أغسطس إلى 10 سبتمبر يتم جني التين". وأردف "تبدأ عملية الجني في الخامسة فجرا، وتنتهي في العاشرة صباحا، لنتجنب الحرارة، ولتبقى الثمار طازجة".
وعن تسويق التين، أوضح معاوية أنه يتم محليا كما يصدّر إلى ليبيا وقطر وعدة بلدان. وفي بناية على مدخل مزرعة باسم معاوية، يعمل العاملون كخلية نحل، فالثمار لا تنقل مباشرة من الجني إلى التسويق، بل تخضع لعملية فرز، بحسب الأسواق الموجهة إليها.
ويقول محمد علي الدجبي، المشرف على عملية الفرز بالمزرعة، "تُجَمَّع كامل الثمار التي وقع جنيها للقيام بعملية الفرز. ويتم وضع الثمار كبيرة الحجم والمتوسطة في صناديق خاصة، تُوجّه إلى المتاجر الكبرى التي نبيع لها".
وتابع "كذلك هناك ثمار نخصصها للتجفيف، فسعر الكيلوغرام المجفف يصل إلى 40 دينارا (13.3 دولار) وأخرى نخصصها لإنتاج المربى، فيما نختار الثمار الكبيرة والأقل نضجا للتصدير، وتنقل من هنا في شاحنات مبردة".
◙ المزارعون تمكنوا من الاستفادة من الأراضي الجبلية عن طريق دمج الزراعة على المدرجات التي تشكلت من التكوينات الجيولوجية الطبيعية
وتحدثت فريدة الدجبي، رئيسة مجمع "كنوز دجبة للتنمية الفلاحية" عن تجربتها في المساهمة في تثمين منتوج التين بالمنطقة قائلة "عام 2016 أنشأنا مجمع التنمية لتثمين المنتوجات الفلاحية وخاصة التين".
وأضافت "نحن 10 نساء فلاحات لنا مزارع للتين، والمجمع قابل للتوسع، وأنتجنا مربى التين، وحلويات باستعمال التين، مثل المقروض والكسكسي بشريحة الكرموس (التين المجفف)". وصنفت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة، في يونيو 2020، الحدائق المعلقة بدجبة، ضمن قائمة “نظم التراث الزراعي ذات الأهمية العالمية”.
وقالت المنظمة الأممية إن "حدائق دجبة تشكل نظاما فريدا من نوعه في الزراعة الحراجية.. وتمكن المزارعون من الاستفادة من هذه الأراضي الجبلية عن طريق دمج الزراعة على المدرجات، التي تشكلت من التكوينات الجيولوجية الطبيعية، أو التي قاموا ببنائها من الأحجار الجافة".
وأشارت إلى أن "زراعة شجرة التين تعد الزراعة الرئيسية لهذا النظام متعدد الثقافات والمتنوع والقادر على الصمود، والذي تدعمه تربية الماشية على نطاق واسع". وفي مارس 2021، أعلنت وزارة الزراعة التونسية، أنها بالتعاون مع المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية (حكومي)، سجلت "تين دجبة"، في السجل الدولي لتسميات المنشأ، الذي تديره المنظمة العالمية للملكية الفكرية بجنيف.