تيار ليبرالي مصري يسعى للاستفادة من زخم الانتخابات الرئاسية

القاهرة - يترقب المتابعون للمشهد السياسي في مصر تغيرا مهما مع قرب الإعلان رسميا عن تشكيل تيار جديد يضم عددا من الأحزاب والشخصيات ذات التوجه الليبرالي، أغلبها من مكونات الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم قوى معارضة.
ومن المتوقع أن يُعلن عن التيار قبل عيد الأضحى، ومقره بحزب المحافظين (مؤقتا)، وسط تساؤلات حول المغزى من تأسيس الكتلة الجديدة وعلاقتها بالحركة المدنية، وإمكانية أن تساهم في تحريك المياه الراكدة في المجال العام.
ويضم التيار الجديد أحزاب: المحافظين، والإصلاح والتنمية، والدستور، ومصر الحرية، كنواة رئيسية في التيار الليبرالي، إضافة إلى عدد من الرموز والشخصيات العامة وبعض رجال الأعمال، ويبلغ عددهم نحو 20 اسما يناصرون التيار.
وبررت شخصيات فاعلة في تأسيس التيار السعي لهذه الخطوة بأن هناك صعوبة في العمل السياسي بمصر، ولا يوجد توافق كامل بين القوى المختلفة، لذلك من الضروري وجود كيانات عديدة تعبر عن الأطياف والألوان السياسية ووجهات النظر بلا صدام.
ويهيمن يساريون على الحركة المدنية صاحبة الصوت العالي في مصر، بينما يشعر الليبراليون وكأنهم أقلية من حيث عدد الأصوات المؤثرة في قرارات الحركة وبشكل لا يسمح لهم بفرض رؤاهم على المظلة الأم للمعارضة، ما دفعهم للذهاب نحو التفكير في تأسيس تيار يجمعهم تحت راية واحدة، على وشك أن تخرج إلى النور.
وقد يكون التيار الجديد خطوة تكرس التباعد في صفوف المعارضة ويصبح رأس حربة لتفتيها في ظل خلافات تعتمل داخله بشأن قضايا الحوار الوطني مع الحكومة، أو مدخلا لتقوية جسم المعارضة الذي تآكل بفعل ممارسات عديدة أرهقته.
وتركز الحركة المدنية على الإفراج عن سجناء الرأي وإنهاء الحبس الاحتياطي، في حين ترغب القوى المشاركة في التيار الليبرالي إجراء تغيير جذري في المشهد عبر تكريس الحريات في السياسة والاقتصاد والإعلام والحقوق المدنية.
وتظهر المعارضة أمام السلطة عادة بأنها غير قادرة على اتخاذ مواقف توافقية في الأزمات الداخلية، وتراها طرفا ضعيفا ولا تجد السلطة صعوبة في حسم الكثير من الملفات لصالحها دون أن تتعرض لضغوط حقيقية من المعارضة.
ويعني تأسيس تيار جديد معارض للسلطة أن المجال السياسي في مصر أصبح أكثر انفتاحا، وسط تأكيد شخصيات فاعلة في التيار أنها لم تتعرض لمضايقات من قبل أجهزة الأمن حتى الآن، ما يعكس نوايا جيدة من الحكومة بأن التقارب مع المعارضة عبر الحوار الوطني ليس شعارات سياسية أو محاولة لتبييض صورة النظام.
ويعتقد الليبراليون أن الفرصة سانحة أمامهم كقوة شعبية لكسب مساحة سياسية مستحقة واستثمار الأجواء الراهنة، بحيث يتعاطى التيار الجديد معها بجدية ومسؤولية ويسعى للدفاع عن مواقفه ورؤاه السياسية والاقتصادية.
وقال الحقوقي هشام قاسم الناطق الرسمي باسم التيار الليبرالي لـ”العرب” إن نظرة التيار الجديد للعمل السياسي تتفق مع الحركة المدنية في الرؤى، لكن لنا توجه اقتصادي محدد مختلف عنها، لذلك بدأنا في وضع حلول ولدينا برامج جاهزة للتطبيق والمساهمة في خروج البلاد من أزماتها الاقتصادية الحرجة.
وأضاف “التيار الليبرالي سيتحرك بحلول جذرية للمشكلات، وليس من خلال شعارات فارغة، لأن الشارع في حاجة إلى أن يشعر بالأمل بعد حالة الإحباط التي يعيشها، ولا يمكن أن تعيش مصر على المعونات مع أن المواطنين بإمكانهم تغيير حياتهم بعيدا عن الإدارة المركزية للاقتصاد التي ثبت فشلها”.
ولم تبد الحكومة انزعاجها صراحة من هذا التطور، وربما تستريح له، فقد يسهم في المزيد من تشرذم المعارضة داخل الحركة المدنية وتستغله في الإيحاء بوجود نشاط سياسي وأنها لم تعد تضيّق على معارضيها، ما يعطي زخما قبل الانتخابات الرئاسية.
وتتسابق قوى وشخصيات معارضة للتأكيد على أن التيار الليبرالي لا يعني وجود انقسام داخل الحركة المدنية، وأنها لا تزال متلاحمة، في حين تعزز بعض الشواهد أن ما يجري داخل صفوف المعارضة يعبّر عن تماسك شكلي ويشي بأزمة داخلية.
ونفى هشام قاسم في حديثه لـ”العرب” وجود انقسام داخل صفوف المعارضة بعد الإعلان عن تأسيس التيار الليبرالي، قائلا “هناك أحزاب في التيار لا تزال موجودة، وستظل، داخل الحركة المدنية، وليس لنا دخل في قرارات الشخصيات والأحزاب المشاركة في التيار، حال استمرارهم كأعضاء بالحركة”.
◙ قوى وشخصيات معارضة تتسابق للتأكيد على أن التيار الليبرالي لا يعني وجود انقسام داخل الحركة المدنية، وأنها لا تزال متلاحمة
ويعد تأسيس تكتل ليبرالي أمرا طبيعيا يتناسب مع إرثه التاريخي في مصر، ويتوافق مع شكل الحراك السياسي التدريجي الراهن، وربما تستفيد منه كل الأطراف، بما فيها السلطة نفسها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وبدء الحديث عن المرشحين المحتملين، ومن مصلحة النظام أن يوحي المشهد العام بسخونة سياسية متباينة.
كما أن أحزاب اليسار المسيطرة على الحركة المدنية لها تنويعات خاصة، تؤمن باتجاهات سياسية لا تتماشى نسبيا وربما كليا مع التوجه الليبرالي، ومن المهم أن يتم تأسيس تيار له توجهات ليبرالية واضحة ليسهم في إخراج المشهد العام من خموله.
وثمة تفاوت منطقي بين أفكار الحركة المدنية كوعاء عام للمعارضة وبين الأحزاب والشخصيات الليبرالية حول المرشح الرئاسي المحتمل الذي يمثل المعارضة، ومن الأفضل أن يحافظ كل تكتل على أفكاره وتقديم أكثر من مرشح في انتخابات الرئاسة.
وألمح محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية وعضو الحركة المدنية، عضو التيار الليبرالي، إلى احتمال أن يكون هو المرشح القادم في انتخابات الرئاسة، لكنه لم يحصل على تأييد من جانب أحزاب الحركة، ونفت توافقها عليه كمرشح.
ولم ينف عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية أو يؤكد إمكانية أن ينضم للتيار الليبرالي مع طرح اسمه ليكون ضمن مكوناته، ويعزز وجود شخصيات لها خبرة في العمل السياسي من ثقل التيار الجديد، بينما الكثير من أحزاب الحركة المدنية يفتقر إلى الخبرة بعد أن أصابها خنق الفضاء العام بالخمول.