تونس.. مسار عدالة انتقالية أم طريقة "انتقائية وانتقامية"

نخب سياسية وثقافية تشكك في مصداقية هيئة الحقيقة والكرامة، واتفاق على مبدأ المصالحة واختلاف في آلية التطبيق.
الثلاثاء 2018/10/30
البعض يريد عدالة انتقائية لا انتقالية

تونس - أثارت محاكمة جديدة، لمسؤولين سابقين، وعدد من الوزراء في عهد الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، جدلا حول مسار العدالة الانتقالية، بعد احتجاج بعضهم وتشكيكه في مشروعية هيئة الحقيقة والكرامة، الموكول لها النظر في ملفات ضحايا وجرحى أحداث 14 يناير 2011، وإحالتها على الجهات القضائية المتخصصة.

وكانت الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية، قد انطلقت في سلسلة من الجلسات، للنظر في قضايا محالة من هيئة الحقيقة والكرامة، ضد مسؤولين أمنيين بارزين، ووزراء داخلية سابقين متهمين بقتل متظاهرين إبان انطلاق الاحتجاجات الشعبية في يناير 2011.

ومثّل ظهور وزير الداخلية في عهد بن علي، أحمد فريعة، عبر وسائل إعلام محلية باكيا، للتنديد بإعادة محاكمته وآخرين، بتهمة قتل متظاهرين خلال أحداث الثورة جدلا بين الأوساط السياسية والحقوقية حول مشروعية عودة محاكمة شخصيات محسوبة على بن علي وربطها بتصفية حسابات سياسية بعيدا عن منطق العدالة الانتقالية.

وهاجمت أحزاب وشخصيات سياسية بارزة هيئة الحقيقة والكرامة ورئيستها سهام بن سدرين عبر بيانات شجب وتنديد.

وعبّرت كتلة حزب نداء تونس المحسوبة على الرئيس الباجي قائد السبسي، في البرلمان في بيان عن “انشغالها لإعادة محاكمة مسؤولين سابقين في الدولة من أجل نفس الأفعال بطلب من هيئة الحقيقة والكرامة المنتهية مدتها وصلاحياتها بمقتضى قرار تشريعي”. واعتبرت الكتلة أن المحاكمات، تعد “مخالفة صارخة لكل القوانين المقارنة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة”.

وأشارت إلى أنّ التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة، لم يحظ بموافقة مجلس نواب الشعب، بعد التصويت على ذلك في الجلسة المنعقدة يوم 26 مارس 2018، موضّحة أنّ مدتها وصلاحياتها القانونية انتهت ابتداء من يوم 1 يونيو 2018.

 بدوره، هاجم الأمين العام لحركة مشروع تونس،محسن مرزوق، في بيان هيئة الحقيقة والكرامة، متهما إياها بخرق الدستور عبر “ممارسات انتقائية وانتقامية، وضغط على القضاء خدمة لأجندات خطيرة “، بحسب وصفه.

ودعا مرزوق، الحكومة إلى تنفيذ قرار سابق لمجلس النواب كان قد قضى بإنهاء عمل الهيئة، “وإنهاء كل التتبعات أمام المحاكم الخاصة في إطار صلاحيات النيابة العمومية، وإرجاع القضايا للمحاكم العادية”.

 من جانبه، قال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة، خالد الكريشي “إن الهجمة الشرسة ضد هيئة الحقيقة والكرامة، بعد إحالتها ملفات قتلى وجرحى للدوائر القضائية المتخصصة تدخل ضمن باب المزايدات السياسية العقيمة”.

وشدد على أن الهيئة، بصدد تنفيذ قانون العدالة الانتقالية الوارد بالفقرة التاسعة من الفصل 148 من الدستور، داعيا منتقديها إلى التوجه للدوائر القضائية المتخصصة، بدل الاستقواء بالمنابر الإعلامية، في إشارة إلى الوزير السابق أحمد فريعة. وأضاف “من يشكك في مشروعية الهيئة، عليه الرضوخ للقانون والدستور والبحث عن إمكانية المصالحة مع الضحايا صلب هيئة الحقيقة والكرامة قبل 31 ديسمبر 2018، تاريخ انتهاء عمل الهيئة أو البحث عن حلول خارج القانون ومؤسسات الدولة”.

الكريشي عزى الحملة ضد الهيئة ومحاولة تشويه أعضائها، إلى التزامن مع قرب إنهاء عملها وتقديم تقريرها الختامي الذي سوف يحدد حسب قوله، الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات على مدى خمسين عاما.

وختم قائلا “البعض يريد عدالة انتقائية لا انتقالية على مقاسه، ونحن نعمل وفق القانون وفوق المعارك والتجاذبات السياسية التي يريدون إقحامنا صلبها”.

وكان الخلاف داخل البرلمان، حول انتهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة الذي حسمه نواب نداء تونس خلال جلسة صاخبة في شهر مارس الماضي، وحدد بتاريخ 31 مايو 2018، قد عاد بشكل أكثر حدة خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع افتتاح السنة البرلمانية الجديدة.

وجدد نواب عن كتلة النهضة والكتلة الديمقراطية، رفضهم لما أفضته الجلسة السابقة مشككين في قانونيتها، فيما علقت كل من كتلتي حركة نداء تونس ومشروع تونس أعمالهما بمجلس نواب الشعب، احتجاجا على مواصلة هيئة الحقيقة والكرامة عملها رغم قرار البرلمان السابق.

اقرأ أيضا:

العدالة الانتقالية.. حقل للاستثمار السياسي

العدالة الانتقالية.. جسر نحو المصالحة الشاملة

12