تونس في قلب معركة قانونية حول قانون الطلاق خارج المحاكم

الاتحاد الوطني للمرأة وهيئة المحامين يتحدان في رفضها القاطع لتعديل مجلة الأحوال الشخصية لتسهيل الطلاق أمام عدول الإشهاد، معتبرين ذلك تهديدا لمكتسبات المرأة وضربة للعدالة.
الأحد 2025/05/11
مكتسبات المرأة خط أحمر لا يمكن تجاوزه

تونس - تشهد تونس مواجهة حادة بين قوى نسائية وقانونية وعدد من النواب في البرلمان، وذلك على خلفية اقتراح قانون يهدف إلى تعديل جذري في مجلة الأحوال الشخصية، يسمح بموجبه بالطلاق بالتراضي أمام عدول الإشهاد دون الحاجة إلى المرور بالمحاكم.

وقوبل هذا المقترح برفض قاطع وتكتل قوي من قبل قوى نسائية وقانونية فاعلة في البلاد، وعلى رأسها اتحاد المرأة التونسية والهيئة الوطنية للمحامين، اللذين يعتبران هذا التعديل تهديدًا لمكتسبات المرأة وحقوق الأسرة التونسية التي أرستها المجلة منذ عقود.

ومنذ عام 1956، شكلت مجلة الأحوال الشخصية في تونس حجر الزاوية في مجال حقوق المرأة بالعالم العربي. وقد أسست لمبادئ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات الأسرية، وحظرت تعدد الزوجات، وحددت سن الزواج، وأقرت حق المرأة في الطلاق، ونظمت قضايا الحضانة والنفقة، لتصبح مرجعا إقليميا ودوليا في مجال التشريعات التقدمية.

ويسعى مشروع القانون الجديد، الذي قدمه النائب يوسف التومي وآخرون، إلى تبسيط وتسريع إجراءات الطلاق بالتراضي عبر منح صلاحية توثيقه لعدول الإشهاد، بهدف تخفيف العبء على المحاكم التي تشهد آلاف قضايا الطلاق سنويًا. ويشترط المقترح عدم وجود نزاع أو ضرر، مع التأكيد على ضمان حقوق الأطفال القصر. وقد أوضح النائب التومي أن هذا يأتي في إطار تحديث قانون مهنة عدول الإشهاد وتسهيل الطلاق في حالات التراضي.

وفي المقابل، أعلن اتحاد المرأة التونسية رفضه المطلق لتعديل الفصل 32 من مجلة الأحوال الشخصية، مؤكدًا على حصرية المحاكم في إصدار أحكام الطلاق. وعبر الاتحاد عن خشيته من أن يكون هذا التعديل مدخلًا للمساس بجميع فصول المجلة وضربًا لحقوق النساء والمحضونين وزعزعة مؤسسة الزواج.

وحذر الاتحاد من أي تراجع على مكتسبات النساء، مؤكدا أن هذا المشروع يشكل تهديدا حقيقيا للضمانات القانونية التي توفرها المحاكم لضمان السلم الاجتماعي والنظام العام.

واعتبر الاتحاد أن إلغاء دور قاضي الأسرة والطور الصلحي سيُفقد آليات هامة لضمان حقوق جميع الأطراف، مؤكدًا على أهمية دور القضاء في إصلاح ذات البين وحماية حقوق المتقاضين وأبنائهم.

وانضم مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بقوة إلى صفوف المعارضين، وعبر في رسالة وجهها الى رئيس مجلس نواب الشعب وأعضاء لجنة التشريع العام والنواب صلب البرلمان عن رفضه الشديد واعتراضه التام لتمرير مشروع قانون يتعلق بتنظيم مهنة عدول الاشهاد صلب مجلس نواب الشعب على صيغته الحالية.

وأكد استعداده لخوض كافة الأشكال النضالية القصوى المتاحة للتصدي لهذا "المشروع الجائر واللاوطني إذ أنه يمس من كينونة مهنة المحاماة ووجودها أصلا كمهنة ممتدة في التاريخ وعريقة في النضال الوطني وفي الدفاع عن الحقوق والحريات’ قائلا في رسالته ‘ آملين منكم نصرة الحق ونصرة المصلحة العليا للوطن وذلك بالرفض التام لهذا المشروع".

واعتبر أن هذا المشروع يهدد مكتسبات الأسرة التونسية و المرأة التي حققتها أجيال من المناضلين وخاصة بأن يكون الطلاق حكميا حماية لحقوق المرأة و الطفل والأسرة بصفة عامة لافتا الى أنه ينسف حقوق المرأة.

وأضاف المجلس أنه يمثل تهديدا كذلك للقضاء والعدالة ومساسا باختصاصاتها في إقامة العدل كاحترام المبادئ العامة للقانون وخاصة مبدأ المواجهة وحق الولوج للعدالة إذ أنه يعمل على تكريس التنفيذ على المدين دون حكم أو سند قضائي ودون احترام مبدأ المواجهة وحقوق الدفاع اكساء الحجة العادلة بالقوة التنفيذية الفصل 44 منه وهو أمر خطير جدا يهدد السلم الاجتماعي ويؤسس للفوضى والقصاص الفردي إذا حرم شخص من اللجوء إلى القضاء.

وشدد مجلس الهيئة على أن هذا المشروع يمثل سطوا تاما على جميع اختصاصات المحامي سواء بتحرير جميع العقود والبعض منها أوجبت النصوص الجاري بها العمل أن تكون بواسطة محام كما أنه يلغي حق الولوج إلى العدالة وحق الاستعانة بمحام أمام القضاء لتقديم دفوعاته في إطار مبدا المواجهة والدفاع عن حقوقه.

ولفت الى أن هذا المشروع يجعل من مهنة عدالة الاشهاد مهنة فوق القانون دون حسيب أو رقيب ويسندها اختصاصات تتعارض مع الدستور أو مع ما ذهبت فيه الجمهورية التونسية منذ عقود، خاصة منها تكريس مبدا الرضائية في العقود وتخصيص كل من مهنة المحاماة وعدالة الاشهاد عند تكريس الشكلية لبعض العقود شكلية الكتابة أو شكلية صفة المحرر.

وأكد مجلس الهيئة أنه لن يتوانى في اتخاذ جميع التحركات النضالية والاحتجاجية اللازمة للتصدي لهذا المشروع الخطير.

ويشعل هذا الخلاف نقاشا مجتمعيا واسعا في تونس، بين مؤيدين يرون فيه تبسيطا ضروريا للإجراءات وتخفيفا للضغط على المحاكم، ومعارضين يخشون من المساس بالحقوق الأساسية للمرأة والأسرة وتقويض دور القضاء.

ومن المتوقع أن يشهد البرلمان نقاشات حادة واستماعا لآراء مختلف الأطراف المعنية قبل اتخاذ قرار بشأن هذا المشروع الذي يلامس جوهر قوانين الأسرة في البلاد.

وفي ظل الأرقام الكبيرة لحالات الطلاق المسجلة سنويًا، يبقى التحدي في إيجاد حلول عملية دون المساس بالضمانات القانونية والحفاظ على الإرث التقدمي لمجلة الأحوال الشخصية التونسية.