تونس تعقد أولى جلسات محاكمة التآمر على الدولة وسط مطالبات بالعلنية

قرار المحكمة بعقد الجلسة عن بعد باستعمال الفيديو يثير احتجاجات نشطاء من المجتمع المدني وعائلات المتهمين زاعمين أنها تنسف نزاهة المحاكمة.
الثلاثاء 2025/03/04
محتجون يطالبون بالشفافية

تونس - انطلقت اليوم الثلاثاء بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة أولى جلسات محاكمة العديد من الشخصيات البارزة في قضية التآمر على أمن الدولة، عن بعد باستعمال الفيديو، ما أثار جدلا واسعا ودعوات للاحتجاج للمطالبة بمحاكمة علنية وبحضور المتهمين.

وتشمل المحاكمة مسؤولين حزبيين ومحامين وشخصيات إعلامية ورجال أعمال من بين نحو 40 متهما، ويواجهون تهما خطيرة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

ووجهت السلطات إلى المتهمين تهم "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" و"الانتماء إلى تنظيم إرهابي"، وفقا لهيئة الدفاع عنهم. وتشير الاتهامات إلى أن بعض المتهمين أقاموا اتصالات مع جهات أجنبية، بما في ذلك دبلوماسيون.

ومن بين المتهمين رئيس "الحزب الجمهوري" عصام الشابي، وأستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، والقياد السابق في حركة النهضة الإسلامية عبدالحميد الجلاصي، بالإضافة إلى الناشطة شيماء عيسى ورجل الأعمال كمال لطيف والنائبة السابقة بشرى بلحاج حميدة والكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي.

واعتقل المتهمون خلال حملة شنتها السلطات التونسية عام 2023، وتم إيداعهم السجن بتهمة تكوين وفاق إرهابي للانقلاب على الرئيس قيس سعيد، والتآمر على أمن الدولة، ومحاولة تنفيذ جرائم إرهابية، بالإضافة إلى قضايا فساد مالي.

وينتظر الرأي العام في تونس هذه المحاكمة التي تأتي بعد عامين من الأبحاث، وسط سجال ونقاش واسع، حيث يعتبر معارضو ومنتقدو الرئيس قيس سعيد وعائلات المتهمين، أن ملف التحقيق "فارغ"، والاتهامات "باطلة"، وأن "المحاكمة ستكون سياسية بسبب تدخل السلطة التنفيذية في القضاء"، وهو ما ينفيه الرئيس سعيد الذي أكد في أكثر من مرة أن القضاء مستقل، وأن الموقوفين ضالعون في التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي والتخابر مع جهات أجنبية.

وبدأت جلسة المحاكمة دون إحضار المتهمين التسعة الموقوفين والاقتصار على حضور المحالين بحالة سراح، وذلك بعد قرار المحكمة عقد جلسات القضية عن بعد، وهو ما رفضه المتهمون ولسان الدفاع والعديد من مكونات المجتمع المدني والسياسي.

وشهدت قاعة الجلسة حضورا مكثفا للمحامين ولسياسيين وممثلي عدد من الأحزاب والمنظمات والجمعيات ووسائل إعلام محلية وأجنبية، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة في محيط مقر المحكمة.

وقبل بداية الجلسة نظم عدد من أهالي المتهمين ونشطاء المجتمع المدني وقفة احتجاجية أمام مقر المحكمة، للتعبير عن  رفضهم قرار القضاء بإجراء جلسات المحاكمة عن بعد لأنها تنسف في تقديرهم نزاهة المحاكمة.

ورفع محتجون أمام المحكمة لافتة كبيرة كتب عليها "لا للمحاكمات عن بعد..لا لقضاء لا يضمن الحقوق". وردد آخرون "الحرية للمعارضة التونسية".

وقال الحزب الجمهوري قبل جلسة المحاكمة، إن هذا الإجراء "يعمق الانحراف الخطير الذي تشهده المنظومة القضائية ويقوض ضمانات الدفاع ويمس بجوهر العدالة".

وكانت "عائلات" الموقوفين قد عبرت عن رفضها "القاطع" لقرار إجراء المحاكمة عن بعد، إذ طالبت ما يسمى بـ"تنسيقية عائلات المعتقلين السّياسيين"، الخميس في مؤتمر صحافي، بالبثّ المباشر لجلسات المحاكمة في الإعلام العمومي "حتّى يطّلع الجميع على حيثيّات المحاكمة بكلّ شفافيّة".

وأصدرت مكونات سياسية وحقوقية ومن المجتمع المدني بيانات رافضة لقرار عقد جلسات المحاكمة عن بعد، واعتبرت أن هذا القرار "يشكل انتهاكا صارخا لمبادئ المحاكمة العادلة".

وبدورها، أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان عن قلقها إزاء هذه المحاكمات، داعية السلطات التونسية إلى "وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير".

كما طالبت بالإفراج الفوري عن المتهمين الذين يعانون من مشاكل صحية أو هم في سن متقدمة.

وردا على هذه الانتقادات، أعربت تونس عن "بالغ الاستغراب"، مؤكدة أن المتهمين قد أُحيلوا إلى المحاكم بسبب "جرائم حق عام لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي أو السياسي أو بممارسة حرية الرأي والتعبير".

وأضافت وزارة الخارجية أن تونس يمكن أن تعطي دروسا "لمن يعتقد أنه في موقع يسمح له بتوجيه بيانات أو دروس".

وتعود جذور هذه الأزمة إلى قرارات سعيد في صيف 2021، التي شملت حل البرلمان وتعليق العمل بأجزاء من الدستور، وإعلان حالة الطوارئ، مما أثار انتقادات واسعة من المعارضة والمنظمات الدولية.

ومنذ ذلك الحين، شهدت تونس تصاعدا في حملات الاعتقالات ضد النشطاء والسياسيين المعارضين، بالإضافة إلى إصدار أحكام قاسية بحق بعضهم. وفي مطلع فبراير الماضي، حُكم على زعيم حركة النهضة الإسلامية للبرلمان، راشد الغنوشي، بالسجن 22 عاما في قضية أخرى.