تونس تضع القوانين اللازمة لحماية مناطق الإنتاج عسكريا

تحاول الحكومة التونسية إرساء استراتيجية متوازنة لمواجهة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، من خلال البحث عن حلول جديّة تستجيب لمطالب الاحتجاجات الشعبية. ووضعت تونس أطرا قانونية بهدف تأكيد قرار جعل مواقع الإنتاج مناطق عسكرية محظورة لحمايتها، باعتبارها من ركائز اقتصاد البلاد وأيضا لأهمية دور الجيش في دعم وإنجاح جهود الحكومة للقضاء على الإرهاب والفساد.
الجمعة 2017/06/30
سد منيع

تونس – تواصل الحكومة التونسية اتخاذ قرارات وإجراءات وقائية للتصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار الأمني وتعطيل عمل مناطق الإنتاج، في ظل احتجاجات شعبية عاشتها جهات تونسية خاصة بجنوب البلاد في الفترة الأخيرة.

وأقرّ مجلس الأمن الوطني التونسي “مواقع الإنتاج في البلاد مناطق عسكرية محظورة” في إجراء يهدف إلى حماية مناجم الفوسفات وحقول الغاز والبترول من أيّ تحركات احتجاجية قد تعطل إنتاجها.

وأكدت رئاسة الجمهورية أن المجلس عقد اجتماعا، الأربعاء، بإشراف الرئيس الباجي قائد السبسي “تم خلاله النظر في مشروع الأمر الرئاسي الذي تقدّمت به وزارة الدفاع الوطني المتعلق بإعلان مواقع الإنتاج والمنشآت الحساسة والحيوية مناطق عسكرية محظورة، وتم الاتفاق على اعتماده”.

وقال الخبير العسكري مختار بن نصر، في تصريحات لـ”العرب”، إن “هذه الخطوة تأتي في إطار مساهمة الجيش الوطني في القيام بمهامه المتمثلة في حماية المناطق الحيوية”، نظرا لتكليف رئيس الجمهورية الجيش الوطني بهذه المهمة وبقي أن تكون التشريعات القانونية جاهزة.

ويضمّ مجلس الأمن الوطني وزراء الدفاع والداخلية والعدل وكبار القادة الأمنيين والعسكريين في تونس ويشرف على اجتماعاته رئيس الجمهورية، ويحضرها رئيسا الحكومة والبرلمان.

وسيدخل الأمر الرئاسي الذي اعتمده المجلس حيّز التطبيق فور نشره في الجريدة الرسمية، ولم يحدد القرار عدد المواقع والمنشآت التي سيتم إعلانها مناطق عسكرية محظورة.

وأوضح بن نصر أن “المنطقة المحظورة هي منطقة يمنع دخولها باستثناء العاملين بها، وستنظم عملية الدخول والخروج بها بعلامات محددة وعند مخالفة التعليمات يمكن للجيش أن يحيل المخالف على القضاء أو أن يتصدى له حسب قوانين القوات المسلحة”.

مختار بن نصر: عسكرة مناطق الإنتاج ستضمن تواصل نشاط المؤسسات العمومية

وكلّف رئيس الجمهورية، في العاشر من مايو الماضي، الجيش بحماية مناجم الفوسفات وحقول الغاز والبترول من التحركات الاجتماعية. وأعلن السبسي يومها أن الدولة ستمنع مستقبلا المتظاهرين والمضربين والمعتصمين من قطع الطرقات المؤدية إلى مناطق الإنتاج.

وقال السبسي إن تونس خسرت خلال السنوات الخمس الأخيرة 5 مليارات دينار (حوالي ملياري يورو) بسبب الإضرابات وتعطيل إنتاج الفوسفات بمنطقة الحوض المنجمي في ولاية قفصة (وسط غرب).

وأشار بن نصر إلى أن الإجراء الجديد سيضمن عمل المؤسسات المنتجة وسيحمي المناطق الاستراتيجية بشكل قانوني، خاصة وأن موضوع وقف ضخ النفط قد تكرر في عدد من ولايات أخرى، بعد أن حدث لأول مرة في تطاوين. وأضاف “بالتالي سيضفي القرار المزيد من النجاعة على عمل الجيش”.

وشهدت تونس في الفترة الأخيرة احتجاجات شعبية في كل من قبلي (جنوب غرب) وتطاوين (جنوب شرق)، للمطالبة بتخصيص جزء من إيرادات النفط والغاز لمشاريع التنمية والتشغيل بالولايتين.

وتقع أغلب الحقول النفطية في صحراء تطاوين، التي تؤمّن 40 بالمئة من إنتاج النفط التونسي و20 بالمئة من الغاز الطبيعي.

وأدّت الاحتجاجات إلى غلق مضخات الغاز والبترول للضغط على الحكومة من أجل تحقيق مطالب المحتجين. واستجابت الحكومة لمطالب المحتجين في تطاوين، لكنها لم تتوصل إلى اتفاق مع المحتجين في قبلي رغم العديد من المفاوضات التي هدفت إلى حلّ الأزمة.

ورأى الخبير الأمني يسري الدالي والمدير السابق لإدارة الدراسات وتطوير الكفاءات بوزارة الداخلية التونسية، في تصريحات لـ”العرب”، أن عسكرة مناطق الإنتاج ليس الحل الأمثل لمواجهة وقف الإنتاج “بل الحل يكمن في مواصلة نهج التفاوض مع اعتماد التأمين الاستراتيجي”.

وأضاف الدالي أنه يجب اعتماد مفاوضين قادرين على الإقناع والتوصل إلى اتفاقيات تنهي الاحتجاجات، “فعندما تقول الدولة إنها تتجه نحو العسكرة فكأنها تلمح إلى رغبتها في الامتناع عن التفاوض مجددا”. وأشار إلى ضرورة فتح نقاش حقيقي حول موارد تونس النفطية والتي دعا إليها رئيس الحكومة سابقا.

وأعطى الشاهد تعليماته، في مايو الماضي، لتشكيل لجنة عهدت إليها مهمة إعداد مجلة جديدة للنفط في تونس. وتأمل الحكومة أن تساهم مجلة الموارد البترولية الجديدة في التنمية وجلب الاستثمارات ودعم الاقتصاد وإحداث فرص عمل جديدة.

وقال الدالي إن “إعطاء الجيش مهمة حفظ الأمن بمناطق الإنتاج سيكون له انعكاسات سلبية إذ يمكن أن يسفر عن مواجهات مع المواطنين”، مقترحا إحداث قوات خاصة تتبع قوات الأمن ويقع انتدابهم من الولايات التي توجد بها المنشآت الاقتصادية الحيوية. وبحسب الدالي، يمكن للانتدابات الجديدة أن تخفف من عبء المواجهة من جهة ومن مشكلة البطالة من جهة أخرى.

4