تونس.. ارتجال وتضييع فرص وسوء توقيت
منذ أيام قرأت مقالا في صحيفة عالمية عن التهديد الإرهابي المباشر لديمقراطية التونسيين، وضرورة الإسراع بمعالجة الوضع الأمني قبل أن تفشل التجربة الوحيدة التي تعتبر بارقة أمل بالنسبة إلى المنطقة. وقبلها بفترة كتبت صحف بريطانية وفرنسية وهولندية معروفة عن الحكم الذي صدر مؤخرا ضد ستة مثليين، وأدانت هذه الصحف الانتهاك السافر لحقوق الإنسان، رغم وجود نص واضح في الدستور التونسي يكفل الحرية الشخصية للجميع بما في ذلك الحرية الجنسية. وكتب معلقون تحت المقال “بإمكان تونس أن تفوز بـ100 نوبل للسلام، لكن ما يحدث هناك لا يمت للسلام بشيء”.
وكان القضاء التونسي قد حكم بالسجن على 6 مثليين لمدة ثلاث سنوات نافذة، ومنعهم من دخول مدينتهم 5 سنوات كاملة بعد قضاء المدة القانونية، وهي عقوبة ليست لها سابقة في القضاء التونسي، وتنبئ بقدرة الجهاز القضائي في تونس ما بعد الثورة على الإبداع في استصدار أحكام مشابهة قد تصل إلى النفي من البلد برمته. وتلقى المثليون فحوصات شرجية أثبتت تورطهم في ممارسة الشذوذ. وفي قضية حقوقية أخرى، أصدر نفس الجهاز القضائي، حكما بحبس 3 فنانين سنة سجن نافذة بتهمة تدخين سيجارة حشيش.
وفي تونس اليوم، حسب تصريحات جمعيات حقوقية، ما يفوق 7000 سجين من الشبان والأحداث، بتهمة تدخين “الزطلة” أو الحشيش، حوكموا بموجب البند 52، الذي اعتمد في خلال فترة حكم بن علي في إطار مكافحة استهلاك وترويج المخدرات.
ولم تسفر مبادرة حقوقية أطلقها محامون وحقوقيون عن شيء، كانت قد دعت إلى إلغاء هذا القانون الذي لم تثبت جدواه، ويوجد بموجبه خيرة من شباب تونس من طلاب وجامعيين وحديثي التخرج داخل السجون، بسبب سيجارة حشيش، علما وأن عدد المحكومين في قضايا الحشيش يبلغ ثلث مساجين تونس. وفي 2014 أعدم قرار رئاسي بالعفو الجماعي على مساجين الحشيش في تونس، بسبب معترضين لكن لم يتم استحداث بدائل لحل هذا المشكل.
قرارات جانبية مرتجلة كهذه تتخذ في الوقت الذي تمر فيه البلاد بمرحلة حساسة، تواجه فيها خطر الإرهاب وانعكاساته على أمنها واقتصادها، فضلا عن مجموعة من القضايا والأولويات التي تهدد استقرارها وديمقراطيتها الوليدة، فتونس اليوم محط أنظار الجميع ولا بد من استغلال الفرصة داخليا ودوليا.
كتونسية أحب هذا البلد الصغير وأغار عليه، يؤلمني أن أرى ما يتناقله الرأي العام الغربي عن بلد ولدت وكبرت فيه، ويؤلمني أكثر أن القائمين على التجربة الديمقراطية الحديثة في تونس لا يعون مدى انعكاس هذه الخروقات لحقوق الإنسان على نموذج لا يزال دقيقا وهشا، بحيث يتأثر بكل كبيرة وصغيرة. وأستاء من هذا الارتجال وتضييع الفرص وسوء التوقيت.
وكان أجدر بتونس أن تستغل فوزها بجائزة السلام لإطلاق جملة من القرارات التي تدعم سمعتها كبلد راع للسلام وتشيد بتجربتها التي أوصلتها إلى منصة نوبل، وفي مقدمتها تقديم المسؤولين عن اغتيال البراهمي وبلعيد إلى المحاكمة والتعامل بشفافية مع ملفيهما، إضافة إلى وجود حزمة من القرارات العاجلة. ولا أعرف لماذا فهم التونسيون جائزة نوبل على أنها دليل على سلامهم فأوغلوا، بدل أن يفهموها، أنها تشجيع وتحفيز على المزيد من السلام، ليستمروا في ما كانوا قد وضعوا أسسه ومهدوا له من خطوات جدية نحو تجربة لافتة.