تونس أمام رهان حسن قراءة التوازنات للاستفادة من التوجه شرقا

من خلال تنويع شراكاتها الاقتصادية، تسعى تونس إلى الاستفادة من التوجه شرقا والابتعاد عن الاعتماد شبه الحصري على الغرب، إلا أن الانعطافة السريعة قد تكون تداعياتها أكبر من مكاسبها ما لم يكن هناك حسن قراءة للتوازنات.
تونس - استقبلت تونس خلال أقل من شهر 3 وزراء خارجية من دول الشرق الوازنة، هي روسيا والصين وإندونيسيا، قبل أن يزورها لاحقا رئيس برلمان كوريا الجنوبية.
ورغم أنه من المبكر تقييم نتائج هذه الزيارات بشكل قاطع، إلا أن مراقبين تونسيين عدوها دليلا على توجه قيادة بلادهم نحو تنويع علاقاتها الدبلوماسية، وعدم الاعتماد بشكل شبه حصري على الغرب.
واعتبر هؤلاء المراقبون أن تنويع علاقات تونس الخارجية أمر مطلوب، وقد يعود بالفائدة عليها، شرط إحسان قراءة التوازنات.
وفي الحادي والعشرين من ديسمبر 2023، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيّد بقصر قرطاج وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرصودي، التي عبرت في تصريحات صحفية آنذاك عن “ارتياح بلادها لمستوى علاقات التعاون والتشاور والتنسيق التي تجمعها بتونس”. وفي نفس اليوم، استقبل سعيّد وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، حيث بحثا تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في عدة مجالات، بينها الطاقة والصحة والثقافة.
وفيما أجرى وزير الشؤون الخارجيّة الصيني وانغ يي زيارة إلى تونس بين يومي الرابع عشر والسادس عشر من يناير الماضي، تبعت ذلك زيارة أجراها رئيس البرلمان الكوري الجنوبي كيم جين بيو إلى تونس على رأس وفد برلماني بين يومي السابع عشر والتاسع عشر من يناير.
انعطافة
تعليقا على هذه الزيارات، اعتبر المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي أن بلاده أمام طريقين لا ثالث لهما؛ “إما أن تسير في طريق تنويع الشراكات والعلاقات وهذا مطلوب وضروري ويمكن أن يعود بالفائدة، وإما أن تختار تغيير طريقها بانعطافة سريعة نحو الشرق قد تكون تداعياتها السلبية أكثر من ثمارها ومكاسبها”.
ورأى الحاجي أن “قدر تونس هو أن تظل بعيدة عن التجاذبات الكبرى، وأن تحافظ إلى أقصى حد ممكن على مبدأ عدم الانحياز، وأن تكون شراكاتها وعلاقاتها متنوعة، وهذا من أكبر الرهانات التي تواجه سياسة تونس في هذه المرحلة”.
وأشار إلى أن “التوجه نحو الشرق واضح” في سياسات بلاده، فالعلاقات “أخذت تتطور سياسيا واقتصاديا مع روسيا والصين”.
وأضاف “حتى داخل منظومة العلاقات القديمة هناك تفضيل لإيطاليا على حساب فرنسا”.
لكن الأهم، وفق ما يرى الحاجي، هو أن “نحسن قراءة التوازنات، وأن نحسن استغلال الوضع لفائدة تونس”.
كما رأى الحاجي أن اللعب على التناقضات وإحداث تحول في العلاقات أمر مهم في السياسات الخارجية للدول، لكن المهم هو كيفية إخراج هذا التحول، والقدرة على إدراك التفاصيل والجزئيات واستغلالها.
التنويع توجه جديد
اتفق السفير التونسي الأسبق توفيق وناس مع ما ذهب إليه الحاجي، لافتا إلى أنه “منذ تولي الرئيس سعيّد منصب الرئاسة (في أكتوبر 2019) وخاصة منذ تسمية الوزير الجديد للخارجية (نبيل عمّار) يُلاحظ توجه جديد نحو تنويع العلاقات الدبلوماسية”.
وفي السابع من فبراير 2023، أقال الرئيس سعيّد وزير الخارجية عثمان الجرندي، وعين خلفا له نبيل عمّار، الذي كان يشتغل منصب سفير تونس في بروكسل.
واستعرض ونّاس طبيعة العلاقات التونسية مع الخارجية تاريخيا قائلا “منذ الاستقلال في 1965 كانت علاقات تونس متجهة نحو الغرب إلى أوروبا والولايات المتحدة، وتواصل هذا مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي 1987 – 2011 فكان هناك نوع من الاصطفاف مع معسكر الغرب”.
وتابع “بعد عام 1989 رغم انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار جدار برلين واصلت الدبلوماسية التونسية ذلك الاتجاه دون تغيير تماما”.
واستطرد “الآن هناك اتجاه جديد هو التنويع وخاصة بعد صعود الصين كقوة اقتصادية كبرى في العالم وتوسع البريكس”.
واتفقت 4 دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين على إنشاء تكتل اقتصادي وسياسي أطلقت عليه اسم “بريكس” (مستخدمة الحرف الأول من اسم كل دولة)، عام 2006. ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة في عام 2010، ليصبح الاسم “بريكس”.
ومطلع 2024، توسعت عضوية المجموعة بانضمام السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا.
ولفت ونّاس إلى أن “هناك اتجاها جديدا لتنويع العلاقات الدبلوماسية وعدم الاصطفاف لأي دولة أو لأي مجموعة من الدول، وهذا له تأثير جيد على العلاقات الاقتصادية والتجارية وعلى المصالح التونسية بصفة عامة”.
واعتبر أن زيارة وزراء خارجية الصين وروسيا وإندونيسيا لبلاده مؤخرا هي ثمرة التوجه الجديد.
وأضاف “في عهد الرئيس السابق الباجي قايد السبسي (من ديسمبر 2014 إلى 25 يوليو 2019) جاء لافروف إلى تونس ولم يتم استقباله كما يجب”.
وأوضح ونّاس “كان استقبال لافروف باردا قليلا، لأن الرئيس السبسي كان هو رئيس الجامعة العربية في ذلك الوقت، ولافروف حاول دفعه إلى إرجاع سوريا إلى حضن الجامعة العربية، لكن الزيارة كانت غير موفقة”.
وتابع “الآن أتى لافروف، لأن هناك توجها جديدا وبطبيعة الحال كان هذا سبب مجيء وزير الخارجية الصيني أيضا”.
ويبرر ونّاس ضرورة تغيير العلاقات الدبلوماسية التونسية بالقول “الجيوإستراتيجيا في العالم تغيّرت، كان العالم ذا قطبين. الآن الأقطاب اندثرت”.
وتابع “البناء العالمي اندثر وأصبح متعدد الأقطاب ويجب أن تتأقلم تونس من الناحية الإستراتيجية”.
لكن ونّاس أكد أن المهم هو أن يكون الاتجاه الجديد لمصلحة تونس، وخاصة إعطاء الاهتمام الأول للمصالح الاقتصادية.
التوجه الجديد

أبدى محمود بن مبروك أمين عام حزب “مسار 25 يوليو” تأييده لاتجاه بلاده نحو تنويع علاقاتها الدبلوماسية، بفتح نافذة نحو الشرق.
وقال بن مبروك “نحن من أوائل الناس الذين دعوا إلى تنويع العلاقات الدبلوماسية التونسية، وتحدثنا عن ضرورة الانضمام إلى مجموعة البريكس منذ سنة ونصف السنة”.
وأضاف “الرئيس استجاب ونوع العلاقات الدبلوماسية مع المحافظة على العلاقات القديمة”. واستدرك بن مبروك “لكننا نحتاج أكثر إلى العلاقات الجديدة مع روسيا والصين”.
واعتبر أن من مؤشرات توجه القيادة التونسية لتنويع العلاقات خلال الفترة الأخيرة، استقبال وزراء خارجية الصين وروسيا وإندونيسيا ورئيس البرلمان الكوري الجنوبي.
كما أشار في هذا الصدد إلى مشاريع كبيرة تنجز حاليا في تونس بأياد صينية، فيما تضع “البريكس” بصمتها عبر مشاريع أخرى.
ورفض بن مبروك تهويل البعض للمخاطر التي قد تتعرض لها تونس جراء تنويع علاقاتها الخارجية. وقال “نحن لن ندخل في حرب مع أي دولة، بل نحن مع تنويع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وفتح آفاق لهذا الشعب”.
وأضاف “نحن مع فتح آفاق أمام شباب تونس للتكوين (للتدريب) المهني والدراسة في الخارج، لا أن تكون علاقاتنا الاقتصادية مقتصرة على الجانب الأوروبي والأميركي”.
واعتبر بن مبروك أن تونس كانت “منحازة للجانب الأوروبي الأميركي، والآن نريد علاقات على نفس المسافة من الشرق والغرب”. وأكد على حاجة بلاده إلى بناء علاقات مع الدول التي ترحب بأن “تكون تونس بوابة لأفريقيا”.
وحول رؤيته لشكل تلك العلاقات الجديدة مع الخارج، أوضح “نتعامل مع كل الأطراف اقتصاديا في إطار معادلة تتميّز عن العلاقات السابقة التي كانت تخضع للإملاءات والتدخل في الشأن الداخلي وقروض صندوق النقد الدولي المفخخة، لذلك نتجه لشريك دبلوماسي واقتصادي في الضفة الشرقية”.
وحول ما إذا كان التوجه شرقا نتيجة لرفض صندوق النقد الدولي منح قرض لتونس، قال بن مبروك “نحن نرفض قرض صندوق النقد الدولي والرئيس رفضه، لأن فيه إملاءات وتدخلا في الشأن الداخلي مثل رفع الدعم وغلق المؤسسات العمومية وفرض سياسة معينة”.
وأضاف “لذلك قال الرئيس ‘سنعوّل على أنفسنا’، والتجأنا إلى الاقتراض الداخلي والقروض الميسرة من البنك الأفريقي للتوريد والتصدير”.