تونس أمام تحدي مواجهة التهرم السكاني

تونس - تسعى تونس إلى كسـب جملة مـــن التحديات وخاصة منها المرتبطة بالتحولات الديمغرافية ، ما يدفعها إلى ضبط سياستها العمومية ومخططاتها التنموية نحو مزيد من الاهتمام بفئة كبار السن، خصوصا وأنها تواجه تحدي ارتفاع نسبة التهرم السكاني مقابل تراجع نسـبة الشـباب فـي المجتمع.
وأبرزت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى، خلال تقديمها الجمعة كلمة تونس في قمة بودابست الخامسة حول الديمغرافيا، مراهنة الدولة التونسية بشكل محوري على الرأسمال البشري؛ حيث بادرت تونس منذ الاستقلال بإصدار مجلة الأحوال الشخصية وتنظيم العلاقات داخل الأسرة وإقرار إجبارية التعليم للأطفال من الجنسين في سن السادسة وتطوير الخدمات الصحية لفائدة الأسرة، كما يحمّل دستور تونس الجديد الصادر في 2022 الدولة مسؤولية حماية الأسرة والطفولة وكبار السن والمرأة وذوي الاحتياجات الخصوصية، وفق بلاغ أصدرته الوزارة.
وأشارت إلى التحديات التي تواجهها الديمغرافيا في تونس والالتزام الثابت بالعناية بالشأن الأسري وتطوير المقاربات الوطنية الضامنة لحماية الأسرة والنهوض بأدوارها ودعم قدراتها في عالم متغير، مبينة المراهنة ضمن السياسات العمومية والمخططات التنموية والبرامج على كسب جملة من التحديات وخاصة منها المرتبطة بالتحولات الديمغرافية.
وتلفت التحولات الديمغرافية في تونس إلى ارتفاع أمل الحياة إلى 76 سنة وتطور عدد الأسر إلى ما يفوق 3 ملايين أسرة وبداية تهرم المجتمع التونسي، حيث سترتفع نسبة التونسيين من الفئة العمرية 60 سنة فما فوق من 13 في المئة حاليا إلى 22.6 في المئة خلال سنة 2044، حسب المصدر ذاته.
ولاحظت آمال بلحاج موسى أن معدل النمو السكاني في تونس من أقل المعدلات؛ حيث بلغ 1.03 في المئة نتيجة انخفاض مؤشر الخصوبة الذي سجل بدوره انخفاضا من 2.4 طفل لكل امرأة في 2014 إلى 1.8 طفل لكل امرأة في 2021.
كما استعرضت بعض الأرقام التي تبرز ثمار الرهان على التربية والتعليم والمرأة، من ذلك نسبة التمدرس العالية ونسبة عدد الطالبات ونسبة مشاركة النساء في المجالات الحيوية والمهمة مثل قطاعات الطب والصيدلة والقضاء والمناصب العليا في الإدارة.
وبينت وزيرة الأسرة والمرأة اعتماد برامج الإيداع العائلي للأطفال وكبار السن فاقدي السند من أجل ضمان الاستقرار النفسي للفرد، مذكرة بما تقدمه وزارات الأسرة والصحة والشؤون الاجتماعية من خدمات ومرافق لفائدة الأسر في تونس من أجل مساعدتها على تجاوز التحديات.
ويذكر أن قمة بودابست الخامسة حول الديمغرافيا، التي تخصص أشغالها للتباحث حول الأسرة وما تواجهه من تحديات ورهانات وسبل معالجتها، التأمت يومي 14 و15 سبتمبر الجاري بمدينة بودابست المجرية تحت شعار “الأسرة هي مفتاح الأمن” وبمشاركة واسعة من ممثلي الحكومات والوفود الدولية الرسمية والمجتمع المدني وقطاع الإعلام.
نسبة التونسيين من الفئة العمرية 60 سنة فما فوق سترتفع من 13 في المئة حاليا إلى 22.6 في المئة خلال 2044
وباتت ظاهرة التهرم السكاني تهدد المجتمع التونسي. وعزا مراقبون تزايد نسبة تهرم السكان في تونس إلى السياسات السكانية التي تتبعها الدولة لتحديد النسل والتّحكّم في الزّيادة السّكّانيّة، وسط إقرار بتراجع نسبة الشباب في المجتمع التونسي مقابل ارتفاع نسبتي الكهول والشيوخ.
وقال أنيس الجوالي، الأستاذ المتخصص في الجغرافيا، “تتجه التركيبة العمريّة للمجتمع التّونسي نحو التّهرّم، أي نحو تزايد نسبة الكهول (15 – 64) والشّيوخ (أكثر من 64 سنة) مقابل تراجع نسبة الشّبّان (أقلّ من 15 سنة)، ويفسّر ذلك بعدّة عوامل لعلّ أهمّها تراجع معدّل النمو الطبيعي للسكان.
وحدثت تحولات كبرى في التركيبة السكانية بتونس خلال أقل من 40 عاما، إذ اتجه المجتمع أكثر فأكثر نحو زيادة عدد المسنين بعدما كان مجتمعا شابا، وهو أمر يُرد إلى أسباب متعددة، وينطوي على أعباء أكبر على الدولة التونسية، كما يقول خبراء.
وبيّنت دراسات ديمغرافية أن فئة المسنين تمثل 13 في المئة من السكان في تونس، وسط توقعات بأن تبلغ 17 في المئة بحلول عام 2029.
وتقول السلطات في تونس إنها تعمل على تقديم المزيد من الاهتمام بفئة كبار السن مثل توفير اعتمادات مالية بقيمة 15 مليون دينار تونسي (حوالى 5 ملايين دولار) في 2023، لتهيئة وتوسيع مراكز إيواء كبار السن فاقدي السند.
ويفسر المختص في قضايا السكان والتنمية أحمد عبدالناظر ظاهرة ازدياد المسنين في تونس بأنها تحول ديمغرافي طبيعي تشهده بلاده وكامل المنطقة العربية.
وأوضح عبدالناظر أن “الخصوصية التونسية تتمثل في حدوث هذا التحول الديمغرافي بشكل أسرع مما حدث في البلدان الأوربية المجاورة، حيث سننتقل من مجتمع شاب جدا إلى مجتمع هرم في فترة تتراوح بين 20 و40 سنة فقط”.
واعتبر أن هذا “تحول سريع جدا مقارنة بالبلدان الأوروبية التي استغرقت مئة سنة لحدوث التحول الديمغرافي”.

وأكد عبدالناظر أن مسار شيخوخة السكان مسار طبيعي يتدخل فيه الإنسان، لأن نمو السكان كان يحصل طبيعيا وبعد تدخل سياسات تنظيم الأسرة في المجتمعات الحديثة انخفضت الخصوبة، وتنظمت عمليات الإنجاب.
وتعاضد ذلك مع تطور المنظومات الصحية وانخفاض معدلات وفيات الرضع والأطفال وكبار السن، التي ساهمت في ارتفاع أمل الحياة عند الولادة، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية وخروج النساء للعمل، وهو ما قلص عدد الولادات.
وأشار المختص الديمغرافي إلى حضور كل هذه المؤشرات في المجتمع التونسي زمن بناء الدولة الحديثة، مما سرّع مسار التحولات الديمغرافية والوصول إلى حالة شاخ فيها السكان خلال 40 سنة.
وقال إن أمام المجتمع التونسي فرصة إضافية للتنمية قبل زيادة عدد السكان في سن الشيخوخة، لأن المسارات الديمغرافية في مرحلة ما قبل هرم السكان تشير إلى وجود فئة ضخمة من السكان تمثل قوة عمل، ويعبر عنها بفئة السكان النشيطة، وبإمكانها أن تنتج الثروة وتعيل نسبة قليلة من الأطفال والشيوخ.
وأوضح أنه جرى التعبير عن هذا الأمر فيما عُرف بـ”الفرصة الديمغرافية الذهبية” التي أحسنت استغلالها دول شرق آسيا، “ولكن في تونس يبدو أننا ضيعنا هذه الفرصة في السنوات الماضية بعدم الاستفادة الجيدة من السواعد والأدمغة”.