تونسي يترك بلاد الغربة طوعا لبداية جديدة في بلاده

عائدون من بلاد الغربة مجبرون على طي صفحة الماضي في أوروبا والتعاطي مع واقعهم الجديد في تونس رغم الإحباط بسبب غياب ضمانات حقيقية لتحصيل فرص عمل.
الجمعة 2020/11/06
الاختصاص مهم في سوق الشغل

تونس- استقبلت السواحل الإيطالية حوالي 10 آلاف مهاجر تونسي عبر قوارب الهجرة غير الشرعية منذ بداية 2020 بحثا عن فرص أفضل للحياة في أوروبا، لكن عكس التيار اختار محمد العودة من أوروبا إلى تونس.

داخل “المعهد العالي للتكوين في مهن السياحة”، يسود القلق بين المتدربين بشأن مستقبل المهنة على المدى القريب، في وقت يضرب فيه الوباء المرتبط بفايروس كورونا العالم ويعطل حركة النقل الدولي وتدفق السياح على تونس.

لكن هواجس محمد الخضراوي (26 سنة) العائد من ألمانيا في رحلة مغادرة طوعية تبدو أعمق من ذلك، وهو يتابع حصص التدريب بذهن مشتت.

من جهة يخضع محمد إلى تكوين لمدة تقارب الشهر لاكتساب الكفاءة في تقديم الخدمات كنادل محترف في مطعم سياحي، ومن جهة ثانية يحاول استيعاب فكرة البدء من الصفر في وطنه الأم.

محمد متفائل بما ستؤول إليه الأمور بعد عودته، لذلك يريد فترة تدريب أطول لكسب المزيد من المعارف والمهارات

غادر محمد تونس في سن 14 عاما في زيارة إلى شقيقه الأكبر في فنلندا ولكنه خرق مدة التأشيرة، ثم تنقل بين عدة دول أوروبية ووصل إلى ألمانيا حيث قضى سبع سنوات كطالب لجوء، لكنه اضطر للعودة إلى تونس إثر وفاة والدته مع تعهد السلطات في ألمانيا بمساعدته في الاندماج في بلده.

يقول محمد، “عدت إلى  تونس. وجدت كل شيء تغير. الأسعار أكثر غلاء. أشعر بالصدمة الحضارية. الأمر مختلف تماما في ألمانيا. أنا محبط للغاية ومرهق. لا أعرف كيف سأبدأ من جديد”.

حصل محمد لدى عودته إلى مدينته سوسة في تونس على مساعدة مالية بقيمة ألف يورو وتم قبول ملفه لتلقي تدريب مهني لمدة شهر في مهن السياحة، بهدف مساعدته في الاندماج مرة أخرى في سوق الشغل.

يشمل التدريب ثلاثة اختصاصات في الفندقة، من بينها الطبخ والمطاعم السياحية وخدمة الغرف في النزل، ضمن برنامج مموّل من قبل الوكالة الألمانية للتعاون الدولي والهادف إلى  تعزيز فرص الشباب بما في ذلك العائدين من ألمانيا، للاندماج في الحياة المهنية.

ويعد محمد من بين العشرات من الشباب التونسيين الذين يجري ترحيلهم أسبوعيا من دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها إيطاليا وألمانيا أساسا لمخالفتهم قوانين الإقامة، عبر مطار النفيضة المتواري عن الصحافة.

تموّل ألمانيا برامج تدريب في تونس لتشجيع العدد القليل من العائدين طوعا على بدء حياة جديدة في بلدهم
تموّل ألمانيا برامج تدريب في تونس لتشجيع العدد القليل من العائدين طوعا على بدء حياة جديدة في بلدهم

وتموّل ألمانيا برامج تدريب في تونس لتشجيع العدد القليل من العائدين طوعا على بدء حياة جديدة في بلدهم. ويخضع محمد لتدريب في خدمة المطاعم السياحية من بين حوالي 35 متدربا قدموا من مدن مختلفة إلى معهد التكوين في مهن السياحة بمدينة نابل.

ويقول المدير منجي حسني إن معهد التكوين يعمل في مهن السياحة في العادة بتنسيق مسبق مع “اتحاد النزل” في تونس لتحديد احتياجات السوق بهدف استيعاب المتخرجين الجدد ومن يقع تكوينهم في برامج ممولة، في سوق العمل.

ويمنح هذا برأيه حظوظا واسعة للباحثين عن العمل في قطاع السياحة الحيوي في تونس والمشغل لنحو 400 ألف عامل بشكل مباشر. ويمنح البرنامج الحالي كذلك فرصة ثانية لبدء حياة جديدة والاندماج المهني للعائدين من ألمانيا ودول أوروبية.

ولكن من سوء حظ محمد تتزامن فترة تدريبه في المعهد مع آثار جائحة كورونا التي ألقت بظلالها بقوة على قطاع السياحة في تونس واضطرت العديد من النزل إلى الإغلاق وتسريح نحو 50 ألف عامل.

وضاعف الوضع الاقتصادي المعقد في البلاد من متاعب محمد النفسية ما دفعه إلى التأكيد بأنه لا يفكر مطلقا في البقاء في تونس على المدى البعيد.

ويقول محمد “أريد العودة إلى ألمانيا بطرق قانونية. تعودت على العيش في ألمانيا. الفوارق شاسعة مع تونس، ليس من السهل هنا تحصيل عمل ومرتب مناسب. وعدوني في ألمانيا بأن كل شيء سيجري على ما يرام لكن ما أراه أن لا فرص حقيقية للشباب هنا”.

يشعر المكوّنون في المعهد بمزيج من الإقبال والإحباط في الآن نفسه لدى المتدربين لأن لا ضمانات حقيقية لتحصيل فرص عمل. كما أن عددا من المتدربين مجبرون على طي صفحة الماضي في أوروبا والتعاطي مع واقعهم الجديد.

ويقول مدرس الطبخ محمد باعزيز، “من المهم أن تسود أجواء جيدة أثناء التدريس. يحفز هذا المتدربين ويجعلهم سعداء. عندما قدموا في اليوم الأول فإن علاقتهم بالطبخ لا تتجاوز ما يدور في مطبخ المنزل. اليوم هم مؤهلون للاندماج في أي مطبخ محترف”.

بالنسبة لأحمد بن رحومة (35 عاما) فإن الأمر مختلف: فهو ينظر إلى التدريب كفرصة أخيرة للبدء من جديد. عاد أحمد من النمسا آخر محطاته في أوروبا حيث قضى سنوات بعيدا عن تونس، عمل خلالها بشكل متقطع في عدة مطاعم.

وعلى الرغم من اطلاعه على المطبخ الألماني والتركي واليوناني بشكل خاص، فإنه يرغب في أن يكون ملما بالحد الأدنى من القواعد العلمية في الطهي، والدافع من وراء ذلك حسب تعليقه “أفكر بمشروع خاص في مطعم أو بيتزاريا. أحاول أن أكون مطلعا على أكثر ما يمكن من قواعد العمل وأن أكون مستعدا بشكل كامل”.

يخضع محمد إلى تكوين لمدة تقارب الشهر لاكتساب الكفاءة في تقديم الخدمات كنادل محترف في مطعم سياحي ويحاول استيعاب فكرة البدء من الصفر في وطنه الأم

بعد الحصة الصباحية المخصصة للمعارف النظرية في كيفية صناعة عجين البيتزا والصلصة وخلطة الخضراوات. يبدأ محمد مع باقي رفاقه في تطبيق تلك المعارف في مطبخ المعهد لإعداد طبق البيتزا.

وبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور لاحقا يعترف محمد وهو يتبادل الضحكات مع زملائه في فترة الاستراحة، بأن المدربين نجحوا في منحهم أملا إضافيا وتعليمهم قواعد جديدة كانوا يجهلونها، بالإضافة إلى تكوين صداقات جديدة.

لكن محمد ليس واثقا مما ستؤول إليه الأمور بعد فترة التدريب وعلى الرغم من ذلك فهو يبدو متفائلا “كنت أتطلع لفترة تدريب أطول ولكن حتى الآن أعتبر الأمر جيدا ومفيدا. فقط نحتاج إلى دفعة أقوى لكسب المزيد من المعارف والمهارات. مدة شهر واحد غير كافية”.

20