تونسيون بالجنسية.. قطريون بالولاء

الجمعة 2017/07/07

منذ اندلاع الأزمة الخليجية الأخيرة تقدمت فئة من التونسيين للذود عن قطر بكل ما أوتيت من قوة وانتماء. القضية التي اندلعت مع المقاطعة الخليجية لقطر على خلفية الاتهامات الموجهة للأخيرة بتوفير حاضنة للإرهاب وفتح ملاذات لقيادات الإخوان، جعلت بعض الكتّاب والسياسيين التونسيين يستنفرون كل أدواتهم ووسائلهم للدفاع عن البلاد وأمير البلاد وفضائية قالوا إنها كانت سندا للمسحوقين ولواء للديمقراطية ومنبرا للمعارضين الملاحقين.

ليس عسيرا تحديد هويات المنافحين عن قطر من التونسيين؛ فهم أساسا من الإخوان أو من فروعهم. وإن حاولت حركة النهضة أن تمسك عصا الموقف من وسطها تماما تجنبا لآثار الرياح القادمة، فإن أنصارها وقواعدها وكتّابها و”فلاسفتها” رفضوا الاستكانة للموقف الرسمي للحركة، وذهبوا بعيدا في الذود عن حمى قطر واستعملوا كل ما تيسر لهم من “حجج” و”آيات” للقول إن قطر تُعاقبُ جرّاء مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولأنها كانت ملاذ الملاحقين والمحرومين والمسحوقين من شعوب العالم العربي وغيره.

ليس عسيرا أيضا تمثل أن ذات المدافعين عن قطر اليوم وأمس (المنصف المرزوقي حين كان رئيسا دعا إلى تجريم التطاول على قطر) استعملوا الحجج نفسها في الذود سابقا عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الانقلاب وأثناءه وبعده، وعن حركة حماس وإن عربدت وذهبت في تكريس الانقسام الفلسطيني بعيدا، وعن حكم محمد مرسي وإخوته ومكتب إرشاده، قبل الحكم وأثناء الحكم وبعد الإزاحة صيف 2013 الذي دشن زمن البكائيات الشبيهة بطقوس اللطم الكربلائية التي تُستعاد كل 30 يونيو.

الدفاع عن قطر إذن ليس مجرد ذود عن دويلة تتعرض إلى مقاطعة من شقيقاتها لدواع محددة يعرفها القاصي والداني، بل يستحيل عقلية وسلوكا ومذهبا ثابتا لا يتغير وإن تغيرت الظروف وتغيرت اتجاهات الريح. الدفاع عن قطر هو دفاع عن مشروع تتولاه قطر منذ أن افتتحت قناة تلفزيونية أريد لها تمرير ذلك المشروع، وهو يقوم على تسويق الإسلام السياسي (خارج قطر بالضرورة) والإقناع بإمكانية تحقق المعادلة العسيرة بين الإسلام والعصر، وهو تعبير منمق ومعدل لشعار “الإسلام هو الحل”.

“الإسلام هو الحل” المسوّق قطريا عبر الجزيرة المدججة بـ”محللين” و”إعلاميين” جيء بهم من كل حدب وصوب، كان عنوانا احتاج فتح أبواب البلاد والقناة للمعارضين العرب المسلمين، يؤتى بهم لنقد الأنظمة القائمة، لا من منطلقات حقوقية وسياسية بل بدوافع أيديولوجية لم تعد خافية.

لذلك كان على هؤلاء ومن والاهم بعد أن وصلوا إلى السلطة أو اقتربوا منها، وبعد أن نالهم “نعيم” ربيع عربي تعرض لتحويل وجهة من الإسلاميين، ردّ الجميل لقطر حين تعرضت للمقاطعة، وإن لم تستجر بهم، بل تصدّوا لذلك تطوعا أو بحثا عن فوائد لا تزال قائمة.

لذلك، تميز قطريو تونس بدفاع مستميت لم يوفروا فيه جهدا أو ثلبا أو تزييفا، ولم يستثنوا فيه خصما، دولة كان أو مؤسسة أو شخصا، وتناثرت الدعايات ضد الدول المقاطعة، واستعملت كل ضروب الحجج؛ قطر تناصر فلسطين وشعوب العالم، قطر المدافعة الأولى عن الديمقراطية حين عزّ الدفاع، قطر فتحت أبوابها للمعارضين المطاردين من أنظمتهم البوليسية، وغير ذلك من “الأسانيد”.

الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي تميّز في دفاعه عن الإمارة، وصاغ مقالا جديدا نشر في موقع الجزيرة كان موسوما بـ”ما وراء الحصار الثاني”، دافع فيه بكل ما أوتي من ولاء عن إمارة استضافته وسوّقت لمشروعه ورئاسته، فقال “الربيع العربي ليس له سبب واحد أو أب واحد، وإنما أسباب عدة وآباء كُثر.

لكن من الثابت أن من بين الأسباب دور قناة الجزيرة، ومن بين الآباء رجل سيضعه المؤرخون في مقدمة القائمة، وهو الذي أسّسها عام 1996 وحماها منذئذ، متحملا ضغوطا تهدّ الجبال الرواسي، إنه الأمير حمد بن خليفة آل ثاني”.

نسي المرزوقي وصحبه أن الإمارة التي يدافعون عنها لا تعرف للديمقراطية سبيلا وأنها وإن تقاطعت مع شعارات الربيع العربي وتولّت الجزيرة تصوير حراكه في أكثر من عاصمة، فلها في ذلك غايات سياسية محسوبة بدقة، ونسي هؤلاء أيضا أن القناة التي تحتضن المعارضين العرب، لا ترى إلا خارج الأراضي القطرية ولا ترمز كاميراتها داخل حدود الإمارة إلا لتصوير مباريات كرة القدم.

الخلاف الخليجي خلاف سياسي يفهم بأدوات السياسة والمصالح والأمن القومي، أما ذود فئة من التونسيين (ولا شك أن لهم نظائر في العالم العربي) فيحتاج أدوات التحليل النفسي لتبين حدوده ودواعيه، لكن أن أوّل المنطلقات هو انتماء أيديولوجي يعلو على الأوطان ولا يأبه بها.

كاتب وصحافي تونسي

9