تونسية تنتصر على التنمر بالعزف والرقص

التنمر ظاهرة منتشرة في الوطن العربي تجعل الكبار والصغار يواجهون صعوبات في حياتهم الاجتماعية، لكن الشابة التونسية شيماء قدور جعلت هذا التنمر إيجابيا في حياتها حين قررت تعلم الرقص والعزف وهي التي ولدت بتشوهات خلقية في أصابع يديها وقدميها.
تونس - ولدت التونسية شيماء قدور بتشوه خلقي في أصابع يديها وقدميها، الأمر الذي جعلها تعاني من التنمر والسخرية في صغرها. ولأنها فتاة جميلة الروح كجمال خلقتها فقد عقدت العزم على الانتقام ممن تنمّروا بها وسخروا منها بطريقة إيجابية، بأن تتقن شيئا صعبا وتنبغ فيه فيتمنّون لو أنهم، وهم الأصحاء، في مثل نبوغها.
من هنا قررت شيماء أن تتعلم العزف على القانون ورقص الباليه، وهي ذات الأصابع المشوهة في اليدين والقدمين.
وفي سن الثامنة تعلمت شيماء العزف على القانون دون أن تدرك أنها ستصبح بعد نحو 20 عاما عازفة قانون محترفة وراقصة باليه وأستاذة موسيقى ورقص، وتقول “ولدت بتشوه خلقي في أصابع يدي وقدمي وتعرضت منذ الصغر للكثير من التنمر من الكبار والصغار، هذا التنمر قد ترك في داخلي غُصة، لكنني تمالكت نفسي وقررت أن أفرض نفسي بالنسبة إلى هؤلاء وكأنني آخذ بثأري قليلا من استهزائهم بي واحتقارهم لي.. ثأري هو أن أنجح في شيء صعب واخترت الموسيقى والرقص، فنجاحي مختلف عن أي شيء آخر لما فيه من تحد بالنسبة إلى حالتي الصحية”.
وتابعت “الباليه بالنسبة إلى أصابع قدمي كان أصعب كثيرا من العزف على القانون بأصابع يدي، وضحيت كثيرا من أجل رقص الباليه، وقمت بالعديد من العمليات الجراحية على قدمي بدافع الحب لهذا الفن، لذلك السبب صممت على تعلمه واليوم أنا سعيدة جدا لأنني أدرب العديد من الراقصين الذين سيكونون بمستوى عالمي”.
وفي ما يتعلق بالمعاناة التي لازمتها كثيرا والمصاعب التي واجهتها أثناء تعلمها، قالت شيماء “في الكثير من الأوقات فكرت في ترك الرقص عندما كانت الفتيات يضحكن على ما أنا عليه أو لا يردن التحدث معي، لقد كنت أتدرب في برنامج ياباني وكان هناك 11 أستاذا هناك، وقد كان هناك ثلاثة منهم لم يقبلوا بي، فقد كانوا يخفونني عندما يحضر زوار”.
وتطمح شيماء (28 عاما) مؤسسة مركز “بيو - آرت” الثقافي وهو مركز تونسي خاص لتعليم الأطفال الصغار ذوي الاحتياجات الخاصة والطبيعيين الرقص والعزف على الآلات الموسيقية والغناء، إلى تعليم الأطفال كيفية اكتساب الثقة في أنفسهم من خلال الفن.
وبدأت شيماء إنشاء المركز منذ ست سنوات، وهو المكان الذي وصفته بأنه “حلم كبير”، حيث تأمل أن يتمكن الأطفال أمثالها من تعلّم كيفية المضي قدما على الرغم من إعاقاتهم والعقبات التي يواجهونها بسبب ظروفهم الصحية.
وقالت “المركز الثقافي الخاص بي هو عبارة عن حلم كبير وقديم وقد كان من القوة والشجاعة أن قمت ببعثه، نحن نستقبل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأطفال الطبيعيين. ومن خلال هذا المركز أطمح إلى تعليم كل الأطفال الفن لأنه يساعدهم على اكتساب الثقة والطموح وتعلم الكثير من القيم الإنسانية”.
وأضافت “الفن هو حياتي.. فأنا أعيش بالموسيقى والرقص وهما ما يفرحني اليوم ويشجعني على القيام بمزيد من العمل من أجل الأجيال الجديدة، فأنا أرى أن الموسيقى والرقص والفنون بصفة عامة تعبد طريق الحياة للأطفال، فإذا كانت الحياة مدرسة كما يقال فإن الفنون والثقافة هما البوابة الحقيقية لهذه المدرسة”.
وتوضح والدة إحدى الفتيات اللاتي يدرسن في مركز شيماء الدور الإيجابي الذي تقوم به الشابة لمساعدة ابنتها وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة ومثلها الكثير من الأطفال، فتقول السيدة راضية ذويبي أم سارة “بداية تجربتي مع شيماء كانت منذ أول يوم قبلت بابنتي سارة في مركزها الثقافي، فليس كل الناس يستطيعون قبول طفل استثنائي، لكن شيماء آمنت بها. وباستعمال الفن والموسيقى والرقص والرسم، سمحت لسارة بإخراج أحسن ما فيها، وقد كان للفن دور إيجابي كبير في حياتها”.