تونسيات يطالبن بالعمل بنظام الحصة الواحدة

المطالب المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي توجت بعريضة تحمل أكثر من 10 آلاف توقيع للمطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة مراعاة لمصلحة الأسرة وحماية للطفل.
السبت 2019/12/07
إنقاذ الأسرة من الضياع أبرز الدوافع للمطالبة بنظام الحصة الواحدة

ما انفكت المطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة في تونس تثير جدلا واسعا كلما تم طرحها دون الخروج بنتيجة تذكر. ولأن المسألة ليست ذات بعد اجتماعي فحسب فإن خبراء الاقتصاد وضعوا شروطا لنجاحها ومن أهمها التقليص من البيروقراطية والترفيع في رقمنة الإدارة.

تونس – صعد على سطح المتابعات في تونس، الجدل حول نظام العمل بالحصة الواحدة. وعجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالآراء المؤيدة والمضادة لهذا الموضوع الذي يحتاج وفق الخبراء إلى بنية تحتية مهيئة لإنجاحه، لا تتوفر حاليا في البلاد.

وتتصدر المطالبين بهذا النظام الموظفات المتزوجات، معتبرات أن ذلك سيساعد على استقرار أسرهن وسيفور لهن وقتا أطول مع أولادهن. ويسمح القانون التونسي للأمهات بالعمل نصف الوقت والتمتع بثلثي الأجر.

ويقول المؤيدون لفكرة الحصة الواحدة إن فائدة العمل ليست في عدد الساعات بقدر ما هي في نوعية أدائه. واستدلوا على ذلك بمثال فرع شركة ميكروسوفت الياباني، الذي خفض أيام العمل إلى أربعة، لترتفع الإنتاجية ارتفاعا مذهلا.

وتقول آمال المديوني، وهي موظفة بشركة خاصة، لـ”العرب”، “أصبحنا عبيدا لنظام عمل لا يراعي إنسانيتنا. أسرنا مهددة بالضياع وأطفالنا يحصلون على القليل من الوقت معنا”.

وتصف المديوني نظام العمل في تونس بالكابوس المزعج، خاصة وأنه يرتبط بالمعاناة اليومية مع الموصلات. وتقول عن ذلك “بحكم أني أستعمل وسائل المواصلات فإني أقضي قرابة الساعتين في الحافلة من المنزل إلى مقر العمل وكذلك عندما أغادره لأصل آخر النهار منهكة وخائرة القوى”.

وتضيف “أنهض مع مطلع الفجر. أجهز أطفالي بسرعة جنونية، ثم أودعهم المدرسة وبعد ذلك أتوجه إلى محطة الحافلة لأبدأ رحلة لا تنتهي إلا متأخرا، لأبدأ بعدها معاناة جديدة. لم أعد أنظر إلى الأشياء بإيجابية. فلا وقت لي للراحة أقضيه مع العائلة، فكل الأمور تدور في فلك العمل والمطبخ ولا شيء غيرهما”.

وبنفس المرارة تحدثت ليلى، العاملة بمركز البريد بالعاصمة، عن صعوبة العمل بنظام الحصتين، قائلة لـ”العرب”، “بالرغم من أنني لا أقضي الكثير من الوقت للوصول إلى مقر عملي إلا أن ما أعانيه على امتداد 8 ساعات كفيل بأن يجعلني أفقد عقلي. فكثيرا من الأحيان لا أجد الوقت حتى لأتناول وجبة الغداء”.

وتضيف “ما ضرّ لو تم اعتماد العمل بنظام الحصة الواحدة فذلك سيكون أفضل للموظفات ولسير نسق العمل في آن واحد. فالموظفة قادرة على التأقلم مع نمط العمل بنظام الحصة الواحدة، خاصة وأنه يتم اعتماده في رمضان وخلال فصل الصيف، وبإمكانها أن ترعى عائلتها وبذلك تعود الفائدة على المجتمع بأسره”.

من جهتها تؤكد سلوى الخياري، مدرسة لغة عربية بمدرسة ابن خلدون بالعاصمة، أن العمل بنظام الحصة الواحدة حلم كل أم تونسية داعية إلى تعميمه على كل المدارس والمعاهد. وتلفت إلى ضرورة إنجاز دراسة معمقة عن ضرورة تلائم الزمن المدرسي مع زمن العمل.

وتوجت المطالب المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي بعريضة حملت أكثر من 10 آلاف توقيع (إلى وقت إعداد التقرير). وتضمنت العريضة تضرر أغلبية القاعدة الشعبية من العمل بالتوقيت الإداري الحالي، المتمثل في ثماني ساعات عمل في اليوم وعلى امتداد حصتين، والمطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة مراعاة لمصلحة الأسرة وحماية للطفل.

نظام يراعي مصلحة الأسرة والأجيال القادمة
نظام يراعي مصلحة الأسرة والأجيال القادمة

وجاء في العريضة “أنه تبعا لعدة اعتبارات أهمها السعي إلى توازن وتماسك الأسرة وضمانا لحقوق الطفل في الحصول على رعاية عائلية ملائمة. فإننا نتقدم بطلبنا قصد النظر في تغيير توقيت العمل الإداري الحالي، المتمثل في نظام الحصتين إلى توقيت يعتمد نظام الحصة الواحدة”.

وطالب الموقعون على العريضة بإمكانية إجراء استشارة وطنية واسعة تشمل كل الأطراف المتداخلة، من أجل صياغة مشروع قانون نهائي يعتمد نظام العمل بتوقيت الحصة الواحدة مع الإبقاء على يومي السبت والأحد كراحة أسبوعية مع مراجعة عدد ساعات العمل والتخفيض فيها إلى 35 ساعة بالأسبوع.

تبدو هذه المطالب في ظاهرها معقولة، لكن هل أن تطبيق نظام العمل بالحصة الواحدة سيكون مثمرا في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة التي تعيشها البلاد الآن؟

ويرى المتابعون للشأن العام أن الإشكال الأساسي ليس فقط في تأمين حصص استمرار العمل بقدر ما هو مرتبط بسلوكات يومية من قبل بعض الموظفين، من الذين قد يستغلون نظام الحصّة الواحدة لتبرير “التهاون” و”غياب النجاعة” في إنجاز المصالح بالمردودية المطلوبة.

ويضع نظام الحصة الواحدة مسألة الإنتاجية على المحكّ، من منطلق أن العمل يكون المقياس الحقيقي لتقييم الإنتاجية. ويشير الخبير الاقتصادي الصادق جبنون إلى أن العمل بنظام الحصة الواحدة يكون مجديا في ثلاث حالات:  بيروقراطية ضعيفة، ورقمنة عالية للإدارة، وإنتاجية عالية في الوظيفة العمومية، مشيرا إلى أن ذلك غير متوفر في تونس اليوم.

ويقول جبنون لـ”العرب”، “صحيح أن فترة العمل بنظام الحصتين غير ملائمة وتتسبب في الكثير من المشاكل كالاختناق المروري والاكتظاظ، لكن البيروقراطية الطاغية على العمل الإداري تؤدي إلى تعطيل مصالح المواطن”. ويضيف لن يكون نظام الحصة الواحدة مجديا إلا في صورة القضاء بصفة جذرية على البيروقراطية وإلا ستكون المشكلة مضاعفة.

من جهته، يلفت الخبير في علم الاجتماع عبدالستار السحباني إلى أن مشكلة جديدة تعيشها تونس أدت بطريقة غير مباشرة إلى المطالبة بالعمل بنظام الحصة الواحدة وهو الفرق الكبير بين الأجر والإنفاق.

ويقول السحباني لـ”العرب” إنه “على خلاف المجتمعات الغربية التي كانت الدعوة فيها إلى اعتماد العمل بنظام الحصة الواحدة ذات منحى استهلاكي، نلاحظ أن هذه الدعوة أساسا كانت من أجل توفير المال”.

ويشرح قائلا “إن التونسي يعتقد أنه إذا عمل بنظام حصة واحدة سيكون بمقدوره أن يجد عملا موازيا يحقق من خلاله دخلا إضافيا كأن يعمل سائق تاكسي مثلا”، مشيرا إلى أن المطالبة باعتماد العمل بنظام الحصة الواحدة يجب أن تتم بعد إجراء دراسة ضافية عن المردودية الاقتصادية لهذا النظام.

21