تونسيات يصنعن "الهريسة" يحلمن بالتوسع عالميا

تونس تشتهر بزراعة الفلفل، وتختلف أنواعه وأسماؤه من الشمال إلى الجنوب، وتكثر زراعته في السهول والمناطق السقوية.
الأربعاء 2023/10/04
لذيذة بطعمها ولونها الزاهي

يشتهر التونسيون بأكل الطعام الحاد، وتنفرد تونس بصناعة الهريسة التي سجلت اسمها على قائمة التراث العالمي، ما دفع البعض إلى صناعتها كما تصنعها الجدات والأمهات في البيت وبيعها حتى ذاع صيتهم وصاروا يحلمون بالتوسع عالميا.

تونس - لا تهدأ أنامل فردوس بن علي وهي تجهز الهريسة، التي تبدأ رحلة إعدادها في حقلها، حيث تجمع حبات الفلفل الأحمر بعناية لتخط بذلك أولى أسطر قصتها مع الأكلة الشعبية التي تشتهر بها تونس، وخاصة في نابل بشمال البلاد.

والعام الماضي، أدرجت منظمة اليونسكو الهريسة التونسية في قائمة التراث العالمي غير المادي لتفتح بذلك أبواب طموح أوسع أمام الحرفيات والحرفيين لتطوير صناعة الهريسة التقليدية والترويج لها محليا وعالميا.

وتأمل فردوس، التي توارثت حرفة إعداد الهريسة من والدتها، في أن تكتسح الأسواق المحلية والمعارض في كامل محافظات البلاد وتروج لها في الخارج أيضا.

تقول فردوس (41 سنة)، إن علاقتها بالفلفل “عميقة ووجدانية”، وإن إعدادها للهريسة بمثابة إعداد طبق فني تمزج فيه الفلفل الحار بأصابعها غير عابئة بتأثيره، ثم تضيف الثوم والبهارات وزيت الزيتون الصافي فتفوح رائحة ذكية تنسيها عناء كبيرا.

أما والدتها دوادة بن سالم، فقد أفنت عمرها في هذه الصناعة وعلمتها لبناتها اللاتي يشاركنها في كل المراحل، فكل واحدة تقوم بإحدى المهام إما غسل الفلفل الأحمر المجفف وطحنه، أو تتبيل الفلفل بالثوم والبهارات، أو وضعه في أوان من بلور وخلطه بزيت الزيتون.

حح

وتتحدث داودة بكل فخر عن مكانة الهريسة في المطبخ التونسي إذ لا توجد عائلة في منطقتي المعمورة ونابل لا تعد كميات كبيرة من الهريسة التقليدية المميزة لتخزينها سنويا.

وتحرص جميع نساء المنطقة على تعليم بناتهن طريقة إعدادها، فلا تخلو مائدة طعام في تونس من صحن الهريسة المغطى بزيت الزيتون والمزين بحبات الزيتون.

ولشهيدة الوهيبي حكاية أخرى مع الهريسة التقليدية بعدما أصبحت هذه الحرفة مصدر دخل لها.

وتحدثت شهيدة بحماس وحب كبيرين عن الهريسة، التي تعتبرها فردا من العائلة، فبها استطاعت تجاوز المحن وخلقت من الضعف قوة حين بدأت إعدادها بكميات صغيرة لتوفر لقمة العيش ثم طورتها حتى أصبحت أشهر حرفية في صناعة الهريسة التقليدية بأنواعها.

وقالت شهيدة إنها فتحت متجرا صغيرا في سوق نابل البلدي وثابرت كثيرا حتى أصبحت تمتلك أكثر من متجر ويعمل لديها العديد من السيدات اللاتي يشكون من ضيق ذات اليد، لتمنحهن بذلك فرصة لكسب قوتهن.

وتشتهر تونس بزراعة الفلفل، وتختلف أنواعه وأسماؤه من الشمال إلى الجنوب، وتكثر زراعته في السهول والمناطق السقوية.

وتبقى لنابل ميزتها الخاصة في إعداد الهريسة التقليدية والاحتفاء بهذه العادة وكذلك التخزين. ولعل تخصيص مهرجان للهريسة في نابل ساهم في التعريف بها والكشف عن أسرارها التي ترتبط بجذور المطبخ التونسي تراثيا وحضاريا.

وقال صلاح بوعوينة، عضو جمعية صيانة مدينة نابل، إن الجمعية ثابرت وجهزت ملفا ثقيلا للهريسة التقليدية وتوجهت به لليونسكو، وبعد عمل دؤوب ومتواصل على مدى سنوات أدرجت المنظمة الدولية الهريسة التونسية في قائمة التراث العالمي غير المادي في ديسمبر 2022.

خخ

وذكر صلاح بوعوينة أن اعتبار الهريسة ضمن التراث غير المادي التقليدي التونسي، يأتي في إطار التعريف بالمطبخ التونسي الذي ينافس بعض المطابخ المماثلة في بلدان المغرب العربي وبلدان البحر المتوسط على وجه التحديد.

وتأثرت زراعة الفلفل المخصص للهريسة كغيرها من الزراعات بسبب التغيرات المناخية، مما دفع العديد من المزارعين إلى التراجع عن زراعته بعد تقلص المساحات المزروعة بنسبة 20 في المئة، وفقا لبيانات من نقابة المزارعين في تونس.

وقال أنيس الخرباش، عضو نقابة المزارعين في تونس، إنه تم حصاد 12 ألف طن حتى الآن هذا العام بنسبة تراجع تجاوزت الخمسين في المئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية التي تم فيها حصاد حوالي 25 ألف طن.

ويتوقع الخرباش أن إنتاج الفلفل الأحمر المخصص للهريسة على المستوى الوطني هذا العام لن يتجاوز 75 في المئة كحد أقصى، أي في حدود 28 ألف طن. وقال إن هذا التراجع سببه التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة بمعدلات قياسية، مما نتج عنه ارتفاع كبير في أسعار الفلفل بلغ مئة في المئة.

وتطمح فردوس إلى أن تتجاوز الصعوبات المادية والمناخية وأن تخترق حدود جدران منزلها البسيط وتنطلق بالهريسة التقليدية إلى المعارض في تونس وخارجها. وقالت فردوس بنبرة فيها الكثير من التحدي والإصرار “وللحلم بقية مادام في القلب نبض”.

Thumbnail
18