توقيف إمام أوغلو يحقق لأردوغان نصرا ثلاثيا

اعتقال أوغلو يأتي في إطار حملة قانونية مستمرة منذ شهور في جميع أنحاء البلاد على شخصيات من المعارضة.
الجمعة 2025/03/21
شعبية إمام أوغلو وقدرته على الاستقطاب تهددان عرش أردوغان

إسطنبول - يحقق توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وتجريده من شهادته الجامعية انتصارا ثلاثيا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إقصاء أقوى منافسيه من السباق الرئاسي المستقبلي ودفع التعديلات الدستورية إضافة إلى استعادة بلدية إسطنبول من المعارضة بتعيين موظف حكومي.

واعتقلت السلطات التركية إمام أوغلو، أبرز المنافسين السياسيين للرئيس رجب طيب أردوغان، الأربعاء بتهم تشمل الفساد ومساعدة جماعة إرهابية، في خطوة انتقدها حزب المعارضة الرئيسي واعتبرها “محاولة انقلاب على الرئيس المقبل”.

ويأتي اعتقال إمام أوغلو، الذي يحظى بشعبية كبيرة وشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول لفترتين، في إطار حملة قانونية مستمرة منذ شهور في جميع أنحاء البلاد على شخصيات من المعارضة، وُصفت بأنها محاولة مسيسة للإضرار بفرصها في الانتخابات.

وقال إمام أوغلو على منصة إكس الخميس داعيا أعضاء السلطة القضائية والحزب الحاكم بزعامة أردوغان إلى محاربة الظلم “يجب أن نقف كأمة ضد هذا الشر”. وأضاف “تجاوزت هذه الأحداث أحزابنا ومبادئنا السياسية… المسألة الآن تتعلق بشعبنا، وبالأخص عائلاتكم. حان الوقت لنرفع أصواتنا”.

وكان أكثر من 100 شخص اعتُقلوا في حملة الشرطة في إسطنبول جميعهم من حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك.

وتشمل التهم الموجهة إليهم الفساد، وتشكيل منظمة إجرامية، ومساعدة حزب العمال الكردستاني، وهو جماعة كردية تصنّفها تركيا جماعة إرهابية، من خلال التعاون مع الحزب السياسي الموالي للأكراد.

وتنفي الحكومة هذه الاتهامات، وحذرت من ربط أردوغان أو السياسة باعتقال إمام أوغلو وفرضت بعده حظرا على التجمعات لمدة أربعة أيام وقيّدت الوصول إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي.

وأغلقت الشرطة طرقا الخميس ونشرت شاحنات مزودة بمدافع مياه بالقرب من قسم الشرطة المحتجز داخله إمام أوغلو ومناطق أخرى في إسطنبول. لكن ذلك لم يمنع الآلاف من أنصار إمام أوغلو من الخروج للاحتجاج.

وخرج الآلاف من المحتجين إلى الشوارع والجامعات في مدن مختلفة، منها إسطنبول والعاصمة أنقرة، رغم أن تركيا تحجم العصيان المدني بشكل كبير منذ خروج احتجاجات ضد حكومة أردوغان في عام 2013 دفعت الدولة إلى شن حملة قمع عنيفة.

ورددت الحشود شعارات مناهضة للحكومة وعلقت لافتات تحمل صور إمام أوغلو والزعيم المؤسس لتركيا مصطفى كمال أتاتورك وأعلاما تركية في المبنى الرئيسي لبلدية إسطنبول.

وأثار اعتقال السياسي المحبوب احتجاجات في مدن متعددة، وهو حدث نادر في تركيا خلال العقد الماضي. كما تزامن مع انخفاض بنسبة 7 في المئة في سوق الأسهم التركية، حيث اعتبره المستثمرون على ما يبدو مؤشرا على عدم الاستقرار السياسي.

ولكن كما أظهرت الأحداث في الأيام الأخيرة، فإن الدعم الشعبي وحده قد لا يكون كافيا لإمام أوغلو للوصول إلى الرئاسة، بل تجب عليه أيضا مواجهة الجهود القضائية وغيرها لإبعاده عن الاقتراع.

وكان إمام أوغلو يتوقع أن يصبح مرشح المعارضة للرئاسة في تركيا في الثالث والعشرين من مارس 2025، لكنه بدلا من ذلك، فقد حريته وشهادته الجامعية.

إمام أوغلو يحظى بدعم شريحة من المجتمع التركي تلتزم بالرؤية العلمانية التي وضعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك

وفي الثامن عشر من مارس، ألغت جامعة إسطنبول شهادة البكالوريوس للسياسي، الذي يُنظر إليه على أنه منافس قوي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي حكم البلاد لفترة طويلة. وفي اليوم التالي، أُلقي القبض على إمام أوغلو مع بعض موظفيه.

ويرى مراقبون أن توقيت هذين الإجراءين يشير إلى أن أردوغان قلق حقا من أن يشكل إمام أوغلو تهديدا خطيرا لحكمه المستمر منذ 22 عاما.

ويحدّد الدستور التركي مدة الرئاسة بفترتين، كل منهما بخمس سنوات. وقد انتُخب أردوغان ثلاث مرات بالفعل، لكنه برر ترشحه الثالث بحجة أن ولايته الأولى كانت قبل التعديلات الدستورية لعام 2017 التي أرست النظام الحالي. وإذا رُفع الحد الأقصى لفترات الرئاسة، فقد يُنتخب لولاية رابعة، وربما لأكثر من ذلك.

ويبدو إمام أوغلو العائق الرئيسي أمام خطط أردوغان، لكونه يتمتع على ما يبدو بشعبية أكبر بكثير من الرئيس الذي يشغل منصبا طويلا.

ويعتقد على نطاق واسع بأن إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية، التي حصل عليها منذ 31 عاما، محاولة لاستبعاده من الانتخابات الرئاسية، وذريعة لإلغاء الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الجمهوري المقررة في الثالث والعشرين من مارس. ووفقا للدستور التركي، يجب أن يكون المرشح للرئاسة خريجا جامعيا.

ووصف أوزغور أوزيل، زعيم حزب الشعب الجمهوري، الإجراءات ضد إمام أوغلو بأنها “انقلاب على حق الشعب في انتخاب زعيمه.”

ويقول مراقبون إن السجن ليس أسلوبا نادرا في تركيا لإسكات شخصيات المعارضة، فصلاح الدين دميرتاش، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، يقبع خلف القضبان منذ أكثر من ثماني سنوات بتهم الإرهاب، وأوميت أوزداغ، زعيم حزب النصر اليميني المتطرف، يقبع في السجن منذ شهرين بتهمة إهانة أردوغان والتحريض على الكراهية.

وكان كلا الرجلين مصدر إزعاج لأردوغان، ويمكنهما إثارة المشاكل، لكنهما لم يشكلا تهديدا حقيقيا لسلطة أردوغان.

وما يميز إمام أوغلو هو امتلاكه شعبية واسعة بين مختلف الكتل الانتخابية. إنه قادر على جذب أصوات الأكراد مع الحفاظ على علاقات قوية مع السياسيين القوميين من خلال كاريزمته وحديثه العام.

أي انتخابات رئاسية تشمل المعارضة برئاسة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو تخاطر بهزيمة أردوغان

والأهم من ذلك، أنه قادر على استقطاب الناخبين العلمانيين والإسلاميين على حد سواء. فهو يحظى بدعم شريحة من المجتمع التركي تلتزم بالرؤية العلمانية التي وضعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. وفي الوقت نفسه، يستطيع التقرّب من الناخبين المتدينين، مثل تلاوته لآيات من القرآن الكريم علنا.

وساعدت هذه القدرة على توحيد الدوائر الانتخابية المتنوعة إمام أوغلو على هزيمة حزب أردوغان في إسطنبول مرتين عام 2019، فبعد الهزيمة الأولى، رفض أردوغان قبول النتيجة، وألغى المجلس الأعلى للانتخابات.

وعززت إعادة انتخاب إمام أوغلو رئيسا لبلدية إسطنبول عام 2024 سمعته كسياسي بارز قادر على هزيمة أردوغان في صناديق الاقتراع.

ويقول الخبراء إن أردوغان يسعى على الأرجح إلى تمديد حكمه لولاية ثالثة. ووفقا للدستور، يُسمح للرؤساء بالترشح لفترتين فقط، وللالتفاف على هذه القاعدة، سيتعين على أردوغان إما تعديل الدستور أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

ولتغيير الدستور، سيحتاج أردوغان إلى دعم حزب الشعب الجمهوري، ثاني أكبر حزب في الجمعية الوطنية الكبرى التركية بعد حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، والذي يضم أكثر من 130 عضوا في البرلمان.

ويضم الحزب أكثر من 270 مقعدا، ويتطلب أي تعديل دستوري تصويتا بأغلبية الثلثين في البرلمان.

وسبق أن عدل أردوغان الدستور في استفتاء 2017، والذي حول نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي، مانحا أردوغان سلطات واسعة.

وقد يدعو الرئيس التركي أيضا إلى انتخابات مبكرة، مما سيمنحه 5 سنوات أخرى على الأقل من الحكم، إذ ستكون ولايته الثانية غير مكتملة.

وللترشح للرئاسة في انتخابات مبكرة، سيتعين على البرلمان اتخاذ القرار وفقا للمادة 116 من الدستور. لكن أي انتخابات تشمل المعارضة برئاسة إمام أوغلو تخاطر بهزيمة أردوغان.

ويقول مراد سومر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوزيجين في إسطنبول، “إذا سمحوا للمعارضة بالمشاركة الكاملة في الانتخابات، فسوف يخسرون إنهم يدركون ذلك”، مضيفا أن “أردوغان يسعى على الأرجح إلى إقصاء المعارضة قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة وتغيير الدستور”، وأضاف سومر أن الرئيس التركي “كان يستعد له من خلال استمالة السياسيين لدعم الفكرة.”

6