توقيتان في لبنان شتوي وصيفي عقب اعتراضات على ساعة الحكومة

بيروت - استيقط اللبنانيون اليوم الاحد وهم أكثر انقساما على توقيتين مختلفين، بعد أن قررت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي إلى حين انتهاء شهر رمضان، فيما عارضت مؤسسات رسمية كثيرة القرار وأكدت عدم التزامها به.
وبدأ الجدل الذي اتخذ منحى طائفيا مع انتشار مقطع فيديو يظهر فيه حوار بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وميقاتي حول تمديد العمل بالتوقيت الشتوي إلى ما بعد شهر رمضان، شهر الصوم لدى المسلمين.
وأعلن ميقاتي إلغاء جلسة مجلس الوزراء الاثنين المقبل، على خلفية اعتراضات "مسيحية" على تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي في شهر رمضان.
ووصف ميقاتي في بيان صادر عن رئاسة الحكومة، ما يحصل من ردود فعل بأنها "محاولة لجرّ البلاد إلى انقسام طائفي لتأجيج الصراعات، وإعطاء إجراء إداري بحت (تأجيل التوقيت الصيفي) منحى طائفيا بغيضا".
وقال ميقاتي في بيانه "نظرا للظروف المستجدة المتعلقة بمحاولة البعض جر البلاد إلى انقسام طائفي لتأجيج الصراعات، ولأننا نتحمل المسؤولية الدستورية بقناعة وطنية (..) نعلن إلغاء جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة الاثنين".
ويلتزم لبنان سنويا بالتوقيت الصيفي العالمي الذي يبدأ هذا العام الأحد في 26 مارس، لكن مجلس الوزراء اللبناني قرر، وفق ما أعلن الخميس، تمديد العمل بالتوقيت الشتوي "استثنائياً" حتى ليل 20-21 أبريل.
وأثار القرار جدلا واسعا في لبنان الذي يشهد انقسامات سياسية وطائفية حادة مزمنة كما يعاني من أسوأ ازمة مالية تعصف بالبلد العربي منذ نيله استقلاله من فرنسا عام 1943.
وأعلنت قوى سياسية مسيحية والبطريركية المارونية رفضها للقرار الذي يأتي في ظل الازمة وتفاقم الخلافات التي حالت دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر الماضي.
وأسفر قرار الحكومة عن حصول ارتباك لدى مؤسسات عدة.
وأعلنت شركة طيران الشرق الأوسط "تقديم مواعيد إقلاع كل الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي ساعة واحدة"، بعدما كانت أصدرت بطاقات سفرها بحسب مواعيد التوقيت الصيفي العالمي.
وطلبت شركتا "ألفا" و"إم تي سي" للاتصالات من المشتركين ضبط إعدادات الساعة في هواتفهم الخليوية يدوياً لتجنب تغير الوقت كما هو مبرمج بحسب التوقيت الصيفي.
وأعلنت مؤسسات عدة عدم التزامها بالقرار على غرار محطات تلفزة بينها قناة "إم تي في" والمؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال (إل بي سي)، التي أشارت إلى أن عدم الالتزام بالساعة العالمية "سيؤثر على أعمالنا".
وقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال بيار الضاهر لوكالة الصحافة الفرنسية "لو اتخذت الدولة قرارها قبل أشهر وليس 48 ساعة، لما كان هناك مشكلة". وأضاف أن "أسوأ ما في الأمر أن قرار الالتزام بالتوقيت الصيفي من عدمه اتخذ منحاً طائفياً".
وأعلنت البطريركيّة المارونيّة عدم تنفيذها القرار، والتزامها بالتوقيت الصيفي العالمي.
وانتقد مكتبها الإعلاميّ في بيان اتخاذ القرار "من دون التشاور مع سائر المكوّنات اللبنانيّة، ومن دون أيّ اعتبار للمعايير الدوليّة، وللبلبلة والأضرار في الداخل والخارج".
وقال المحامي وليد غياض، المستشار الإعلامي لبطريرك انطاكيا وسائر المشرق للموارنة الكاردينال بشارة الراعي، لوكالة الصحافة الفرنسية إن قرار البطريركية هو "موقف لكي لا نزيد من عزلة لبنان".
وأضاف "قرار كهذا يجب أن يبلغ به قبل عام، لأنه يخلف أضراراً لدى الناس، ولا يتخذ على فنجان قهوة".
واعترض كل من التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، أبرز الأحزاب المسيحية، على القرار.
كما قال النائب عن كتلة حزب الكتائب في البرلمان اللبناني سليم الصايغ، إنه "لا يمكن لرئيس مجلس النواب مصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية أو الحكومة مجتمعة وأخذ هكذا قرار"، بحسب ما نقلت عنه وكالة الإعلام الرسمية.
وتتوزع الرئاسات الثلاث في لبنان بواقع: رئاسة الجمهورية للمسيحيين المارونيين، ورئاسة البرلمان للمسلمين الشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للمسلمين السنة.
وفي السياق نفسه، دعا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلى "العودة عن القرار قبل فوات الأوان".
واعتبر جعجع، أن قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي "سيعرقل كثيرا من الأعمال خصوصا على مستوى حركة الطيران والشركات العالمية".
وأعلنت مدرسة الجمهور، التابعة للآباء اليسوعيين، أيضاً عدم التزامها بالقرار الحكومي.
وسخر معلقون على وسائل التواصل الاجتماعي من رد الفعل المبالغ به ومن اتخاذه منحى طائفياً، معتبرين أنه غير مبرر خصوصاً في بلد أنهكته الأزمات، ويشهد انهياراً اقتصادياً جعل من 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر.
وكتب أحدهم "بعيداً عن تفاهة قرار التوقيت الصيفي، نرى رد فعل مبالغ وحجة للاستفراغ الطائفي".
وسخر آخر قائلاً "يا هل ترى غداً حين يدرس أولادنا التاريخ (سيجدون) أن اندلعت الحرب الاهلية في لبنان العام 2023 بسبب عدم تقديم الساعة؟".
كما اعتبر معلقون أن القرار لن يغير شيئاً في حياة الصائم في شهر رمضان كون عدد ساعات الصوم لن يتغير.
وكتبت إحداهم في تغريدة "الفكرة أن تفطر باكرا علما أنه ليس لديك (المال) لتفطر به".
يأتي ذلك فيما يشهد لبنان أزمة سياسية حادة حيث فشل البرلمان في 11 جولة منذ سبتمبر الماضي، بانتخاب رئيس للبلاد خلفًا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر 2022.
ويعدّ التوافق على شخصية الرئيس مفتاحًا لانتخابه، لكن الأمر يرتبط بتوافقات إقليمية ودولية، بحسب مراقبين.
كما يمر لبنان منذ عام 2019 بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه أدت إلى انهيار مالي ومعيشي، وجعلت 80 بالمئة من مواطنيه تحت خط الفقر، فضلا عن تراجع كبير بخدمات المؤسسات الحكومية، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في اليوم.