توقع حدوث الكوارث المناخية يخفف من آثارها

ضرورة زيادة الاستثمار في تدابير الوقاية بأسرع وقت ممكن.
السبت 2022/03/12
تحفيز العمل والتفاؤل

تتسبب التغييرات المناخية في كوارث طبيعية من عواصف وفيضانات تثير القلق وتؤثر بشكل سلبي على الصحة العقلية، لذلك يحذر الخبراء من أنها ستكلف المزيد من الأرواح والأضرار لو لم تُتخذ إجراءات استباقية للتخفيف من آثارها وأضرارها.

كوالالمبور – أسفر إعصار هايان عن مقتل أكثر من 6 آلاف شخص عندما ضرب الفلبين في 2013، كما دمّر منازل جزيرة تولانغ ديوت الصغيرة البالغ عددها 500 منزل، لكن التحذيرات المبكرة والإخلاء السريع قبل أن تضرب العاصفة مباشرة أنقذت جميع سكان الجزيرة البالغ عددهم ألف شخص من واحد من أقوى الأعاصير المدارية، والتي خلفت آثارا للدمار في جميع أنحاء الدولة الآسيوية.

ويدفع بعض الخبراء الآن للمزيد من الاعتراف بمثل هذه الجهود لتجنب الكوارث، أو أسوأ آثارها على الأقل. ويقولون إن هذا سيساعد العالم على الاستعداد بشكل أفضل لتسريع آثار تغير المناخ وتخفيف القلق البيئي المتزايد.

وقال ديفيد لاليمانت، خبير مخاطر الكوارث في جامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة، “لا يسلط الناس الضوء على النجاح عندما لا يحدث شيء، ولكن غياب الأضرار إنجاز بحدّ ذاته. إن هذه النجاحات غير مرئية. ونريد تغيير ذلك. نريد إبراز كل شيء”.

تغير المناخ يؤثر بشكل سلبي على الصحة العقلية عبر ضغوط الحرارة والصدمات الناجمة عن كوارث الطقس

وأشار لاليمانت إلى العديد من التدخلات المبكرة الفعالة التي ينبغي الإشادة بها، مثل تعديل المدارس لتحمل الزلازل واعتماد تقنيات الري التي تنقذ المحاصيل من خطر الجفاف، حيث مرت دون أن يلاحظها الناس.

وأضاف أن الاعتراف بهذه الإنجازات أمر بالغ الأهمية لتشجيع صانعي السياسات على الاستثمار في إجراءات مماثلة، حيث حذر علماء بارزون في تقرير جديد للأمم المتحدة من أن تجنب الخسائر الناجمة عن تغير المناخ أصبح صعبا ومن المرجح أن تتفاقم التبعات.

ويؤثر الاحترار المناخي على العالم بشكل أسرع مما كان متوقعا وعلى نطاق أكثر كثافة، وفقا للتقرير الرئيسي الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وحث التقرير، الذي صادقت عليه 195 حكومة، صانعي السياسات على تكثيف المبادرات للتكيّف مع الطقس الأكثر قسوة وارتفاع منسوب البحار.

وقالت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أول اعتراف رسمي لها بالمشكلة المتنامية، إن تغير المناخ أثر أيضا “بشكل سلبي” على الصحة العقلية، عبر ضغوط الحرارة المتزايدة والصدمات الناجمة عن كوارث الطقس إلى فقدان سبل العيش.

وعلى الرغم من التوقعات القاتمة، حذر الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة من إثارة المزيد من المخاوف، خاصة بين الأجيال الشابة.

وقال البروفيسور بيتيري تالاس، “علينا توخي الحذر في كيفية توصيل نتائج علمنا ونقاط التحول وعندما نتحدث عن انهيار المحيط الحيوي واختفاء البشرية”.

وتابع في حديثه خلال اجتماع الموافقة على تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، “يجب أن نكون حريصين على عدم إثارة الكثير من الخوف بين الشباب. يجب أن يستهدف الخوف صانعي القرار”.

وقال ديفيد لاليمانت إنه يمكن موازنة السرد السلبي الأوسع حول تغير المناخ جزئيا من خلال عرض المزيد من “الكوارث التي تم تجنبها”، لاسيما في التقارير الإخبارية التي غالبا ما تهيمن عليها الكوارث.

ويدرس لاليمانت مع فريق من الباحثين كيف كانت الكوارث ستكلف المزيد من الأرواح والأضرار لو لم تُتخذ إجراءات استباقية.

ووجدوا أنه عندما ضرب إعصار فاني ولاية أوديشا على الساحل الشرقي الهندي في 2019، مُنعت أكثر من 10 آلاف حالة وفاة بفضل الإخلاء الفوري للمجتمعات الساحلية وإنشاء نحو 9 آلاف مأوى خلال العقدين الماضيين.

الاستعداد المبكّر يقلل من الضحايا
الاستعداد المبكّر يقلل من الضحايا

ويُعتقد أن التعزيز الزلزالي للمدارس في نيبال الذي بدأ في 1997 قد أنقذ المئات من الأرواح عندما ضرب زلزال هائل في 2015، وأسفر عن مقتل حوالي 9 آلاف شخص.

وفقا للباحثين، بقيت كل المدارس التي تم تعديلها (300) في إطار البرنامج قائمة.

وقال لاليمانت، وهو أيضا باحث رئيسي في مرصد الأرض في سنغافورة، والذي يركز على المخاطر الطبيعية، “نقضي كل وقتنا في التفكير في الكوارث. إنه أمر محبط للغاية. ويجب أن نذكر أن هناك الكثير من الخطوات التي نتبعها بالفعل في جميع أنحاء العالم لمعالجة بعض مخاطر المناخ. لكن المشكلة هي أننا لم نسمع عنها قط”.

وأصبحت أزمة الصحة العقلية المتزايدة المرتبطة بتغير المناخ والتي تُعرف غالبا بـ”القلق البيئي” تحت الأضواء في السنوات الأخيرة، مع تفاقم حالات الانتحار المرتبطة بالحرارة في المكسيك والولايات المتحدة وارتفاع عدد الأشخاص الذين يخشون أن المستقبل غير مؤكد بدرجة كبيرة تُنفرهم من فكرة إنجاب الأطفال.

وقالت أخصائية الصحة العقلية إيما لورانس، التي تدرس هذه الظاهرة في كلية لندن الإمبراطورية، إن المناقشات حول قضايا المناخ يجب أن تجمع “حقائق متعددة” للمساعدة في مكافحة هذا الأمر. وسيشمل ذلك إظهار المسارات المستقبلية الأفضل والأسوأ في الرسائل التي تهدف إلى تحفيز العمل والتفاؤل.

وأضافت، “إذا اقترن القلق باليأس والضعف، فقد يؤدي ذلك إلى تدهور صحتنا العقلية ورفاهيتنا، مما يعيق قدرتنا على اتخاذ القرارات الصائبة”.

ويجادل دعاة آخرون بأن إعطاء المزيد من الاعتراف بالكوارث التي يتم تجنبها يمكن أن يدفع صانعي السياسات في الدول المتقدمة والنامية إلى زيادة الاستثمار في تدابير الوقاية من الكوارث في أسرع وقت ممكن.

ويقدر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن 3.3 مليار إلى 3.6 مليار شخص يعيشون في أماكن شديدة التأثر بتغير المناخ، بما في ذلك أفريقيا وجنوب آسيا والدول الجزرية الصغيرة.

لكن العديد من البلدان النامية تكافح ماليا للتكيّف مع ضغوط عالم يزداد احترارا، حيث أخفقت الدول الأكثر ثراء المسؤولة عن معظم انبعاثات الكربون في الماضي في الوفاء بالتزاماتها بتوفير التمويل لمساعدة الفقراء والضعفاء.

ولفتت ماريكار رابونزا، الباحثة في مخاطر الكوارث من جامعة نانيانغ التكنولوجية، إلى أن السياسيين المنتخبين غالبا ما يترددون في اتخاذ خطوات جريئة لأن النتائج الإيجابية قد تستغرق سنوات حتى تصبح واضحة. وبحلول ذلك الوقت، لن يكون معظمهم في مناصبهم.

وتساءلت، “إذن كيف يمكننا تحفيز ذلك؟ يجب تحديد الفوائد كميّا في أقرب وقت ممكن. إذا نجحنا في تغيير منظورنا قليلا، فسيمكننا الاستفادة من الدروس المستخلصة من الإجراءات الإيجابية وليس الإخفاقات في الكوارث فقط”.

18