توقعات بتضاعف عدد الإصابات بالسرطان في تونس بحلول عام 2040

تعاطي التبغ والكحول واتباع نظام غذائي غير صحي والسمنة وراء الاتجاه التصاعدي للمرض.
الجمعة 2024/02/23
سرطان الثدي الأكثر انتشارا لدى النساء في تونس

يرجع خبراء الصحة في تونس زيادة معدلات الإصابة بالسرطان إلى نمط الحياة غير الصحي مثل تعاطي التبغ والكحول واتباع نظام غذائي غير صحي ويتوقع الخبراء تضاعف عدد الإصابات بحول عام 2040. في المقابل، يمكن التوقي من ثلث حالات السرطان بفضل الوقاية الأولية وتلافي عوامل خطر الإصابة بالمرض من خلال الإقلاع عن التدخين والكحول، وممارسة الأنشطة البدنية.

تونس - يتوقع خبراء الصحة في تونس أن ترتفع معدلات الإصابة بالسرطان خلال العقدين القادمين وذلك بسبب نمط الحياة غير الصحي.

وسجلت تونس، في العام الماضي، 22 ألفا و201 إصابة جديدة بأمراض السرطان حيث توزعت بين 11 ألفا و773 إصابة لدى الذكور و10 آلاف و328 إصابة لدى الإناث، حسب ما أفادت به رئيسة قسم الوبائيات بالنيابة بمعهد صالح عزيز هيام الخياري لوكالة تونس أفريقيا للأنباء. ويحتل سرطان الرئة المركز الأول ضمن الأورام الأكثر شيوعا لدى الذكور يليه سرطان المثانة، ثم سرطان البروستاتا، فسرطان القولون، وسرطان المستقيم.

وبالنسبة للنساء يتصدر سرطان الثدي الأورام الأكثر تفشيا لدى الإناث، يليه القولون، وسرطان المستقيم، ثم سرطان الغدة الدرقية، فسرطان عنق الرحم. ويتوقع أن يتضاعف عدد الإصابات الجديدة بالسرطان بحلول عام 2040 مقارنة بعام 2020، لتبلغ حوالي 41 ألفا و353 إصابة، بحسب وثيقة لمعهد صالح عزيز.

وأرجعت رئيسة قسم الوبائيات بالنيابة بمعهد صالح عزيز (حكومي) هيام الخياري هذا الاتجاه التصاعدي في الإصابة بالسرطان إلى تحسن مؤشر أمل الحياة وتعاطي التبغ والكحول واتباع نظام غذائي غير صحي والإصابة بالسمنة وغيرها.

تشخيص مرض السرطان وعلاجه لا يزالان أمرا صعبا بسبب العدد المحدود للمراكز الاستشفائية العمومية المتخصصة

في المقابل، يمكن التوقي من ثلث حالات السرطان بفضل الوقاية الأولية وتلافي عوامل خطر الإصابة بالمرض من خلال الإقلاع عن التدخين والكحول، وممارسة الأنشطة البدنية، واتباع نظام غذائي صحي، بالإضافة إلى التشخيص المبكر عن المرض ومعالجته، وفق قولها.

وسجلت تونس خلال العام الماضي ما معدله 60 إصابة جديدة يوميا بداء السرطان، وهو ما يشكلّ ضغطا إضافيا على المؤسسات الصحية التي أصبحت تجد صعوبة في احتواء هذه الأعداد المتزايدة من المرض.

وقال الطبيب المختص في العلاج بالأشعة أحمد بكار إن الأرقام في ارتفاع كل سنة، حيث لم تتجاوز الإصابات 20 ألف إصابة سنة 2022، متوقعا أن تكون السنوات القادمة أصعب، مشيرا إلى أن أمراض السرطان هي السبب الثاني للوفاة في تونس. ويرجع بكار ازدياد عدد المصابين بمرض السرطان إلى وجود المناخ المشجع على ظهور وانتشار الإصابات، وهو التدخين وتعاطي الكحول ومنتجات التبغ وارتفاع أمراض السكري وكذلك العادات الغذائية الخاطئة التي تسبب السمنة، التي تعدّ من الأسباب الرئيسية للإصابة بهذا المرض الخبيث.

بدورها، كشفت جمعية أطباء الأورام بالقطاع الخاص أن تونس تسجل سنويا حوالي 20 ألف إصابة بالأورام، مشيرة إلى أن السرطان ثاني سبب للوفاة في البلاد.

وقالت الكاتبة العامة للجمعية شيراز بن عياد إن سرطان الثدي بالنسبة للنساء وسرطان الرئتين والبروستاتا بالنسبة للرجال أكثر الأورام المسجلة بتونس، مشيرة إلى أن داء السرطان يحتل المرتبة الثانية في أسباب الوفيات في تونس بعد أمراض القلب والشرايين، كاشفة أن عدد المصابين بالأورام في العالم في تطور مستمر.

وعن أسباب ارتفاع ظهور هذه الأورام السرطانية أوضحت بن عياد أنها تعود إلى التغيرات المناخية وارتفاع نسبة التلوث ونظام الحياة المعتمد على قلة الحركة والتدخين وأن الأغذية المعدلة جينيا، من أبرز أسباب انتشارها.

وبخصوص وصول المصابين إلى العلاج، أبرزت المتحدثة ذاتها أن ما عاينته وزملاءها يكشف “بؤس المنظومة العلاجية في تونس التي كبلتها التشريعات القانونية”.

وأوضحت في تصريح نقله موقع إذاعة خاصة، أن طب السرطان يعرف ديناميكية غير مسبوقة في العالم ومواكبتها من قبل أطباء الأورام التونسيين تعيقها التشريعات، من ذلك أن بروتوكول العلاج بالمناعة غير متوفر في تونس ويصعب على المريض أو الطبيب استيراد هذا الدواء لأن القانون يمنع ذلك.

ولفتت إلى كلفة العلاج بالأشعة الباهظة جدا مقابل عدم استفادة المريض بالتغطية الاجتماعية الكاملة لهذا البروتوكول بل بنسبة 80 في المئة فقط، إضافة إلى أن جراحة الأورام لا تشملها التغطية الطبية في تناقض صارخ مع أهمية صحة المريض وإمكانية مساعدته على تلقي العلاج. وأبرزت بن عياد أن جراحة ورم المستقيم تشملها التغطية الصحية، في حين أن جراحة ورم القولون لا تشملها التغطية الصحية رغم تشابههما.

مرضى السرطان

وفي سياق متصل كشفت أن أدوية العلاج بالأشعة متوفرة وغير باهظة رغم بطء الإجراءات الإدارية لتوفيرها، لكن الإشكال الأساسي يكمن في صعوبة توفير العلاجات الحديثة كالعلاج بالمناعة أو العلاج الهادف الذي لا يمكن استعماله في تونس.

وقال الدكتور محمد جمعة الباحث في علم الأورام “إن العلاجات المتاحة في تونس هي في الأساس الجراحة والعلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي، حسب نوع السرطان ومرحلته. ومع ذلك، لا يزال تشخيص مرض السرطان وعلاجه أمرا صعبا بسبب العدد المحدود للمراكز الاستشفائية العمومية المتخصصة في الأورام، وهي أساسا معهد صالح عزيز في تونس (المركز الرئيسي لأبحاث السرطان وعلاجه في تونس) والمستشفى الجامعي فرحات حشاد في سوسة، والمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة في صفاقس. وكذلك ارتفاع تكلفة العيادات الخاصة”.

وأضاف أن هذه الوضعية المحدودة والمجزّأة للخدمات الصحية الخاصة بالأورام، تودي حتما إلى تأخير تشخيص مرض السرطان.

ويعاني المرضى التونسيون أيضا من تأخر تشخيص مرض السرطان نتيجة لأسباب أخرى عديدة، منها نقص التوعية والكشف المبكر عن المرض. يضاف إلى هذه العوامل عامل ثقافي آخر ذو خصوصية، هو العلاج الذاتي للمرضى التونسيين الذين يفضلون الأعشاب الطبية التقليدية على الأدوية المتعارف عليها، وأحيانا يكون ذلك حتى قبل استشارة المختصين، ممّا يؤخر التشخيص والعلاج ويعقدهما.

تونس تسجل خلال العام الماضي ما معدله 60 إصابة جديدة يوميا بداء السرطان، وهو ما يشكلّ ضغطا إضافيا على المؤسسات الصحية

ومن خلال دراسة صغيرة امتدت على مدى 5 أشهر (بين يناير ومايو 2021) في مستشفى الرابطة بتونس ومعهد صالح عزيز للأورام بتونس ومقابلات مع مجموعة من المرضى، تمّ إجراء أول عمل إحصائي لتشكيل مجموعة متجانسة، أي 40 في المئة رجال و60 في المئة نساء متوسط أعمارهم 50 عاما.

وقال جمعة “المثير للقلق في مجموعتنا هو أن أكثر من 80 في المئة من المرضى الذين تمّ استجوابهم يتقدمون لأول مرة للاستشارة الطبية. مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الاستشارة الأولية، كانت لدى أغلب المرضى أورام خبيثة، أي أورام انتشرت في عدة أعضاء في الجسم. كان ذلك بنسبة 60 في المئة من المجموعة بأكملها و75 في المئة من بين أولئك الذين يتقدمون للاستشارة الطبية لأول مرة. وهو معدل مرتفع للغاية بالنسبة إلى مرحلة متأخرة جدا من مرض السرطان”.

وأضاف “من أجل فهم أسباب مثل هذه الحالات السريرية المتقدمة، سألنا هؤلاء المرضى على وجه الخصوص (ذوي الأورام الخبيثة والذين يتقدمون للاستشارة الطبية لأول مرة) عمّا إذا كانوا قد تناولوا بعض الأدوية الرعوانية كنوع من العلاج الذاتي مثل سوائل النباتات المغلية أو بعض الأدوية الشائعة الأخرى قبل أن يقرروا استشارة طبيب، فأقرّ الجميع بنسبة 100 في المئة بذلك”.

وتابع “باختصار، يسلط عملنا الضوء على الحالة الاستعجالية لتأخير التشخيص في الأقسام العمومية لطب الأورام في تونس، ممّا يؤدي إلى أورام خبيثة للغاية في أول استشارة طبية، وينتج عن ذلك ارتفاع معدل الوفيات المرتبطة بمرض السرطان. هذا التأخير يدفع المرضى إلى اللجوء إلى الطب الشعبي بدلا من العلاجات المتعارف عليها، ممّا يجعل السرطان السبب الرئيسي للوفاة في تونس منذ عام 2021”.

16