توفيق حكار.. رجل ظلّ تدفع به أزمة الغاز إلى الأضواء

ارتبطت شركة سوناطراك النفطية الحكومية المحتكرة لقطاع الطاقة في الجزائر، منذ تأسيسها، بالتجاذبات السياسية والدبلوماسية للبلاد، أكثر من ارتباطها بالطابع الاقتصادي الاستراتيجي، ولذلك ظلت الكوادر التي تعيّن على رأسها تحمل دلالات سياسية أكثر منها اقتصادية، لأنها تحتلّ منصبا يمثل وزنا تنصهر فيه السياسة والاقتصاد وقوت الجزائريين بشكل عام.
توفيق حكار الذي يدير سوناطراك حاليا يعتبر من الجيل الجديد للكوادر الفنية التي تخرجت من الجامعة الجزائرية، قبل أن تستكمل دراساتها العليا في الخارج، ولأنه تدرج في مختلف المسؤوليات داخل الشركة قبل أن يتم تعيينه العام 2020 مديرا لأول شركة في البلاد وثامن شركة في القارة السمراء، فإنه يعدّ من أكبر المطلعين على خبايا القطاع، لكن القرار في الغالب ليس في يده، ولذلك يُدعى بـ”الرئيس التنفيذي”.
ولأنه من الصعب التمييز بين السياسي والاقتصادي في قطاع النفط وشركة سوناطراك تحديدا، فإن حضور الوزير يكون أكثر وضوحا، رغم أن دائرته الوزارية لا تتضمن في الغالب إلا الشركة المذكورة، وهو ما يمنح المجال لمديرها قبل الوزير لشغل الأضواء، إلا أن أهمية النشاط الذي تعتمد عليه البلاد في تأمين 98 في المئة من مداخيلها، تسحب المدير إلى الخلف، وتعطي المجال للسياسيين ليدلي كل منهم بدلوه في شؤون القطاع.
مواجهة حرب الغاز

الأزمة التي اندلعت في أوكرانيا بين الروس والأوروبيين، دفعت بسوناطراك وعلى رأسها حكار إلى الواجهة، كفاعل أساسي في ارتدادات الأزمة على قطاع الطاقة في العالم، وصارت قرارات الرجل محل متابعة قوية للرأي العام، بما فيها دوائر القرار السياسي في الداخل والخارج.
وهو ما يكرر محطات حساسة مرت بها الشركة خلال العقود الماضية، فرغم تواري رؤسائها عن الأضواء لصالح السياسيين، إلا أنهم ظلوا يمثلون مؤشرا قويا على توجهات القرار النفطي في البلاد، إذ أن مجرد تعيين هذا المدير أو تنحية ذاك، يحمل دلالات يمكن البناء عليها في استشراف المرحلة وقراءة قرارات السلطة.
وقد مثّل تعيين حكار على رأس شركة سوناطراك قبل عامين، التوجه البراغماتي للسلطة في التعاطي مع قطاع النفط، والاعتماد على ابن القطاع من أجل النهوض به، لأنه أفضل عارف بشؤون الشركة والقطاع عموما، قبل أن تزجّ به الأزمة الأوكرانية إلى الصدارة، وتحول النفط والغاز إلى سلاح استراتيجي تتصارع عليه أطراف الأزمة وتمتد شظايا المعركة إلى كل ما هو طاقوي في العالم.
ولأن حكار كادر فني بامتياز، فقد عهد إليه الرئيس عبدالمجيد تبون، بمهمة وضع الأرضية اللازمة لإصلاح قطاع الطاقة ومناخ الاستثمار، إلى جانب الإشراف على الشركة التي تمثل مصدر قوت الجزائريين، لكن صروف الأزمة تدفع به للخوض في ما هو أعقد وأصعب حتى وهو مكره على ذلك. فتحت ضغط الوضع المستجد في أوكرانيا الذي وضع الجزائر بين مطرقة الروس وسندان الأوروبيين بسبب إمدادات الغاز، اضطر الرجل إلى التنصل من تصريح عريض أدلى به لصحيفة محلية، وأوعز للشركة لإصدار بيان، يبدو أنه موجه للسفير الروسي في الجزائر، لتقديم تطمينات يحملها إلى موسكو، بعد صدور ما يزعج روسيا على لسان المدير في الصحيفة المذكورة.
زلة لسان أم خطأ استراتيجي

◙ سوناطراك التي يديرها حكار ترتبط بالتجاذبات السياسية والدبلوماسية للبلاد، أكثر من ارتباطها بالطابع الاقتصادي
عكس البيان الذي أصدرته شركة سوناطراك، لتوضيح التصريح المنقول عن حكار، حول إمكانية ضخ بلاده لكميات إضافية من الغاز إلى أوروبا، إذا تراجعت الإمدادات الروسية، حساسية الموقف الرسمي في الجزائر، من التأويلات التي فسرت تصريحات متواترة حول المسألة، فهي إذ تعمل على استغلال الأزمة الأوكرانية تجاريا لتحقيق عائدات إضافية للخزينة العمومية، لا تريد المجازفة بموقف سياسي قد يكلفها كثيرا من طرف شريكها الاستراتيجي والتاريخي.
بدا تصريح حكار عاديا بالمنطق الاقتصادي والتجاري، فكل شركة منتجة تبحث وتستغل فرص تسويق منتوجها، وهو ما عبّر عنه بالاستعداد والعمل على تلبية طلبيات جديدة من المستهلكين، لكن القرار السياسي كان أكثر وقعا على توجهات الشركة، ولذلك أرغم على لملمة تصريح خُشي منه أن يكون مصدر استفزاز لصديق ليس كباقي الأصدقاء.
ونفت شركة سوناطراك، في بيانها، أن يكون الرئيس المدير العام توفيق حكار، قد أدلى بالتصريحات التي تصدرت صحيفة “ليبرتي” المحلية الناطقة باللغة الفرنسية، وأن ما ورد في الحوار المنشور في عددها الصادر الأحد الماضي، هو “تأويل خاطئ وتحريف وتلاعب بالتصريح”.

ويبدو أن الحسابات السياسية والدبلوماسية، دخلت على خط التصريح، لتفادي أي تأويل من طرف القيادة الروسية في موسكو، على اعتبار أن التسويق المستنبط من تصريحات مسؤولين جزائريين حول العمل على تعويض النقص الذي قد تخلفه الإمدادات الغازية الروسية إلى أوروبا، يعتبر مساسا غير مسبوق بما يوصف بـ”العلاقات التاريخية بين الجزائر وروسيا”، وقد يكلف الموقف الجزائر الكثير، إذا سارت في نهج الاستغلال التجاري للأزمة على حساب القواسم السياسية بين البلدين، رغم أن تصريح الرجل الأول في سوناطراك أكد ما أدلى به الرئيس تبون، بمناسبة احتفالية تأميم قطاع المحروقات في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، والذي تضمن استعداد الجزائر لضخ كميات إضافية من الغاز لتلبية طلب الأوروبيين، وهو ما يوحي بالإجماع داخل القرار السياسي في البلاد على استغلال فرصة الأزمة الأوكرانية لتحقيق عائدات إضافية لخزينة الدولة.
غير أن توجه القيادة السياسية للبلاد إلى هذا المنحى قد يرتّب على البلاد رد فعل غير محسوب من طرف الروس الذين يدرجون الجزائر في خانة الشركاء الاستراتجيين في المنطقة، على اعتبار أن هذا الموقف يعمل على تقويض أهم ورقة في يد الروس داخل الأزمة المتفاقمة مع الأوروبيين بسبب أوكرانيا، لأنه متى ما تمكنت أوروبا من تأمين حاجياتها الطاقوية والغازية تحديدا استطاعت تحقيق نصر استراتيجي على موسكو.
ولكن يبدو أن قوله إن “سوناطراك مستعدة لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز عبر أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا، في حال تقلصت الصادرات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا»، وأن شركته هي ممون غاز موثوق بالنسبة إلى السوق الأوروبية وهي مستعدة لدعم شركائها على المدى البعيد في حال تأزم الوضع، قد ترجم ضغوطا أوروبية تعرضت لها من أجل رفع كميات إنتاجها من الغاز، وقد سبق للحكومة الأميركية أن فتحت قنوات اتصال مع شركات غربية عاملة في الجزائر، تطلب منها العمل على مضاعفة الإنتاج والتصدير، وهو ما اعتبر تجاوزا للأعراف الدبلوماسية كون الاتصال لم يمر عبر الحكومة الجزائرية، الأمر الذي يبدو مؤشرا على استعداد الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، لتوظيف كل وسائل الضغط حتى ولو كانت على حساب سيادة الدول على ثرواتها الباطنية.
يُشهد لحكار أنه رغم الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه استطاع بالدفع بسوناطراك إلى رفع القدرات الإنتاجية للنفط بـ14 في المئة وبـ23 في المئة بالنسبة إلى الغاز خلال العام الماضي، كما اقتربت الكميات المصدرة من السقف المسموح به من طرف الأوبيك (980 ألف برميل يوميا)، ويطمح إلى بلوغ سقف المليون و200 ألف برميل يوميا في المدى المتوسط.
أين تبدأ الصلاحيات وأين تنتهي

◙ تعيين حكار على رأس شركة سوناطراك يجسّد التوجه البراغماتي للسلطة في التعاطي مع قطاع النفط
ويشير ما يبدر عن حكار إلى شخصيته البراغماتية الباحثة عن فرص توسيع نشاط الشركة والحفاظ على المصالح الاستراتجية، فالتعهدات التي أعلن عنها ربطها بالالتزامات القائمة، مذكّرا بأن توافر كميات إضافية من الغاز الطبيعي أو الغاز المسال مرتبط بتلبية الطلب في السوق الوطنية والالتزامات التعاقدية مع الشركاء الأجانب، وأن سوناطراك تتوفر على قدرات تصدير غير مستغلة عبر أنبوب “ترانسميد”، الرابط بين الجزائر وإيطاليا مرورا بتونس، والتي يمكن أن تُستغل في زيادة الكميات نحو أوروبا.
وعن الآفاق الجديدة لشركته، يكشف حكار أن الغاز الجزائري يمكن أن يصل إلى دول ليست مربوطة بأنبوبي الغاز، من خلال الغاز المسال المنقول في سفن، وأن أوروبا هي السوق الطبيعية والمفضلة بالنسبة إلى الجزائر التي تساهم حاليا بـ11 في المئة من احتياجات أوروبا إلى الغاز، كما أن الشركة على وشك العودة للاستثمار في ليبيا وموريتانيا والنيجر.

ومهما كان أداء رؤساء شركة سوناطراك، وحكار واحد منهم، فإن الرأي العام في الجزائر لم يعاتب أيا منهم، عكس الكوادر الأخرى التي تشرف أو أشرفت على شركات حكومية أخرى، وذلك بسبب إجماع على أن رأس سوناطراك رغم أنه يسهر على تأمين مداخيل الدولة، إلا أن القرار السياسي ليس في يده.
وحتى حين طالت حملة محاربة الفساد العديد من هؤلاء خلال السنوات الماضية، إلا أن الأضواء انصبت على مراكز القرار السياسي أكثر ما تركزت عليهم، لأنه في الغالب عادة ما يكون أداة طيعة في يد السلطة التي عينته في المنصب، ويكون هو الحلقة الأضعف في المعادلة، حيث سرعان ما تتم التضحية به مهما كانت قوته ونفوذه.
ومع ذلك تبقى الظروف التي تحيط بالقطاع من حين إلى آخر، هي التي تسوق لهذا المدير أو ذاك، فإدارة الشركة في أوضاع مستقرة، ليست كمثيلتها في الظروف المضطربة التي عاشها القطاع، بداية من قرار التأميم العام 1971، أو قرار حظر النفط العربي، أو تهاوي الأسعار أو ملفات الفساد وحتى الأزمات الدولية والإقليمية المؤثرة في مسار قطاع الطاقة العالمي.

◙ حكّار يلمّح بحذر إلى أن سوناطراك تتوفر على قدرات تصدير غير مستغلة عبر أنبوب "ترانسميد"