توسع رجال الأعمال خارجيا يضر بسمعة الاستثمار المصري

البيروقراطية والأرباح تعززان نشاط مليارديرات البلاد في الأسواق العربية والأجنبية.
الجمعة 2024/01/05
صعود القمة ليس سهلا

تواجه الحكومة المصرية اختبارا صعبا في الترويج للاستثمار خارجيا مع نهج عدد من كبار رجال الأعمال سياسة التوسع خارج البلاد، ما يفرض على السلطات الإعلان عن حزمة جديدة من الحوافز وسرعة الانسحاب من النشاط الاقتصادي.

القاهرة - وضع الإعلان عن توسعات بعض المليارديرات المصريين في الأسواق المجاورة والعالمية سمعة الاستثمار في البلاد على المحك، في وقت تسعى فيه الحكومة لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية لضخ الدولار في شرايين الاقتصاد.

وبدأ بروز هذا الوضع بتوسعات عائلة منصور في قطاعي الخدمات والاستثمار الرياضي أوروبيا، ثم مجموعة طلعت مصطفى بالقطاع العقاري في الخليج العربي.

وجاء ذلك بعد أن اختار ناصف ساويرس وهو أغنى رجل أعمال مصري أبوظبي مقرا لإدارة شركاته، وبيعت حصته في شركة أوراسكوم كونستراكشون مصر لأجانب للتوسع بقطاع الطاقة عالميا.

كما أعلن شقيقه نجيب ساويرس تدشين مشروعين عقاريين عملاقين، تبلغ استثمارات الأول 10 مليارات دولار في الإمارات بالتعاون مع شركة أي.دي.كيو القابضة، والثاني مدينة سكنية بالعراق تسع لنحو 120 ألف شخص وتقدر استثمارات البنية التحتية فقط بملياري دولار.

ويعني توسع هؤلاء بالخارج، لاسيما العاملين في قطاعات تطرحها الدولة، وجود إشكالية في بيئة الأعمال من حيث البيروقراطية العتيدة وصعوبة إنهاء التراخيص، فضلا عن أزمة سعر الصرف وشح العملات الأجنبية، وغير ذلك من الإجراءات اللازمة للاستثمار.

وطالب خبراء السلطات بدراسة هذه الظاهرة، لأن المستثمر المحلي وتحديدا المنتشر عالميا، نواة أساسية للترويج والتسويق للاقتصاد المصري خارجيا.

سيد خضر: هذا الوضع مشكلة خطيرة يصعب تجاهلها في الوقت الراهن
سيد خضر: هذا الوضع مشكلة خطيرة يصعب تجاهلها في الوقت الراهن

وتدل حالة الانتشاء بين المليارديرات في مصر على بطء الإصلاحات الهيكلية والاستثمارية وعدم إنهاء المشكلات الأساسية التي يعاني منها المستثمرون على مدار عقود، ولذلك يعتبر هؤلاء الحوافز الحالية غير كافية.

وقال الخبير الاقتصادي سيد خضر لـ”العرب” إن “توسعات المستثمرين بالخارج مشكلة خطيرة يصعب تجاهلها في الفترة الراهنة التي يعاني منها الاقتصاد المحلي”.

وشرح أن بعض الأسواق توفر مزايا تغري رجال الأعمال وتحفزهم على الاستثمار، خاصة الإمارات التي أصبحت نموذجا يحتذى به في جذب الاستثمارات المباشرة.

ولدى مصر مقومات طبيعية واقتصادية تؤهلها لتدفق الاستثمارات الأجنبية، لكن مناخ الاستثمار يواجه عقبات متعددة على مدار العقود الماضية، تأزمت بشدة في الآونة الأخيرة مع معضلة شح العملات الأجنبية ووجود أكثر من سعر صرف.

وأوضح خضر أن الانتشار الكبير لهؤلاء في الدول المجاورة، خاصة عائلة ساويرس، يؤثر سلبا على سمعة الاقتصاد المصري، ولذلك ينبغي تدارك هذا الأمر سريعا كي تستطيع السلطات جذب المستثمرين الجدد.

واعترف نجيب ساويرس بوجود مشكلات تعرقل الاستثمار بالسوق المصرية، وصرّح منذ أيام خلال مؤتمر صحفي بأنه “متشائم من الأوضاع بسبب أزمة سعر الصرف”، لكنه أكد أنه “لن يوقف الاستثمار وتوفير فرص العمل”.

ويعد نجيب من أكثر رجال الأعمال المصريين، الذين يعلنون مواقفهم بصراحة، ويقول باستمرار إن الحكومة وشركات الجيش تزاحمان القطاع الخاص في البلاد.

وتتمتع مصر بموقع جغرافي فريد وبوابة مهمة لاختراق أسواق أفريقيا واستقرار سياسي وأمني بجانب تشريعات محفزة للقطاع الخاص، وإستراتيجية لإشراكه في الاقتصاد بنسبة تصل إلى 60 في المئة ضمن ما أطلقت عليه البلاد “وثيقة سياسة ملكية الدولة”.

وتبدو كل هذه العوامل أدوات محفزة للاستثمار في البلاد، لكن البعض يرى أن إجراءات الاستثمار تظل عائقا رئيسيا.

صعوبات جمة يعاني منها القطاع

ويحذر خبراء من زيادة عدد رجال الأعمال المنسحبين من مصر، بما يضر بسمعة الاستثمار المحلي ويقوض جذب المستثمرين الأجانب، حال عدم توافر المرونة والانفتاح بشكل أكبر من جانب الحكومة.

وقررت بعض الشركات الكبرى إدارة أعمالها عبر مؤسسات أجنبية تم تأسيسها في بلدان أخرى، مثل شركة النساجون الشرقيون، التي تديرها عائلة فريد خميس، وشركة دومتي وتملكها عائلة الدماطي.

واتخذت القاهرة إجراءات مهمة لتسريع الحصول على التراخيص بتفعيل الرخصة الذهبية، لكنها لا تشمل كل المشاريع، وتقتصر على القطاع الصناعي الكبير فقط، ومن ثم يجب التوسع في منح الرخصة لتمتد إلى المجالات الأخرى.

ويملك البلد مقومات كثيرة ينبغي على السلطات استغلالها بجانب تهيئة مناخ الاستثمار، مثل وفرة العنصر البشري المدرب والعمالة الرخيصة، ويجب أن تدرك أن المستثمر يبحث عن السوق التي تُدر عائدا أكبر وتعزز من دوران رأس المال.

وأكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أن الفترة الحالية تشهد العمل على تبسيط إجراءات التراخيص، وتم إعداد نموذج لرحلة المستثمر حتى يحصل على الرخصة، وهناك إجراءات تم اتخاذها لتبسيط الإجراءات مع اتجاه كامل للميكنة.

ويشير عدد كبير من المستثمرين إلى أن تصريحات الحكومة المتكررة بلا جدوى ويطلقون عليها “فرقعة إعلامية” كدليل على الدعاية، فالواقع يبرهن على ذلك.

ورد رئيس اتحاد الصناعات المصرية محمد السويدي على مدبولي في أحد المؤتمرات بخصوص البيروقراطية، قائلا “في الواقع نتعامل مع موظفين وليس مع رئيس الوزراء”، في إشارة إلى استمرار البيروقراطية العتيقة.

وتكمن المشكلة في إنهاء التراخيص وليس في تأسيس الشركات، إذ أصبح تدشين الشركات يجري “أون لاين” في مختلف الدول المجاورة منذ فترة وبسهولة.

هشام كمال: البحث عن ربح سريع خارجيا لا يعني سوء السوق المحلية
هشام كمال: البحث عن ربح سريع خارجيا لا يعني سوء السوق المحلية

وأعلنت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة عن إطلاق خدمة تأسيس الشركات إلكترونيا عبر المنصة الرقمية للهيئة أواخر 2023، ورأته نقلة فريدة تخدم خارطة الاستثمار في البلاد.

ورغم تأسيس المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي وإصداره قرارات مهمة في مايو الماضي، لكنها لم تؤثر على تدفقات الاستثمارات وتطرقت إلى حل تعدد الموافقات وطول مدة الحصول عليها لإتمام التراخيص للمشاريع.

ولفت عضو جمعية مستثمري الألف مصنع بالقاهرة هشام كمال إلى أن رجال الأعمال يبحثون عن مصدر الربح في الفترة الحالية، ويرون أنه متاح بشكل أكبر خارج مصر.

وقال لـ”العرب” إن توسعات هؤلاء في الخارج “لا تعني أن مصر سوق غير جاذبة للاستثمارات، والدليل على ذلك أن معظم الشركات الحكومية المطروحة للبيع يتنافس عليها مستثمرو الخليج”.

وذكر كمال، وهو رئيس لجنة الصناعة بحزب المؤتمر، أن المستثمرين في دول الخليج لديهم رؤية بأن مصر تنتظر مستقبلا أكثر إيجابية رغم الأوضاع الحالية.

ولفت إلى أن فرص تحقيق الأرباح بالمشاريع السياحية والعقارية أعلى احتمالا في تسجيل الأرباح لأن نظيرتها في الخليج تستهدف الأثرياء حول العالم، لكن في مصر تخاطب مختلف الفئات والسياح من كافة دول العالم.

وتبدو الحكومة مطالبة بالمزيد من الوعي بأهمية المستثمر المحلي، ولذلك تعدد الرسوم وزيادة الأعباء المالية بجانب البيروقراطية، تثير حفيظته، ومن ثم تضعه على المحك وتدفعه إلى الإغلاق.

وفي الوقت ذاته ستكون الرسالة للأجنبي أن البلاد تشهد شكاوى من رجال الأعمال وإغلاقا للمصانع وهو مؤشر سلبي، لأن المستثمر المحلي يعد “مرآة” للأجانب ويتخذون قراراتهم بناء على الصورة التي يرونها.

10