توزيع المساعدات الإنسانية في غزة عقدة المرحلة القادمة

مسؤولون أمميون عبّروا عن قلقهم من انهيار النظام العام والأمن وانتشار أعمال النهب والصراعات للحصول على موارد باتت نادرة.
الأحد 2025/01/26
فوضى تحيط بالمساعدات

القدس- منحت عملية توزيع المساعدات الإنسانية نفحة أمل لقطاع غزة منذ بدء الهدنة بين حماس وإسرائيل، لكنها لا تزال غير منظمة بسبب الفوضى التي يشهدها القطاع بعد حرب استمرت خمسة عشر شهرا.

ووصلت المئات من الشاحنات المحملة بالوقود والأغذية والمعدات منذ الأحد إلى القطاع.

لكن عدم وجود سلطة سياسية واضحة في غزة التي دمرها القصف الإسرائيلي المتواصل، يجعل إدارتها صعبة للغاية نظرا إلى حاجات السكان الهائلة ومشاكل التوزيع.

ففي رفح جنوبا، تمكنت وكالة فرانس برس من التقاط صور لشاحنتين تسلكان طريقا واسعا محاطا بمنازل مدمرة. وعند رؤية الشاحنتين تشقان طريقهما وسط سحابة من الغبار، بدأ السكان يركضون باتجاههما. وصعد البعض على الشاحنتين وحاول بسكين قطع الأسلاك التي تثبت الصناديق ورماها أرضا.

جوناثان فاولر: إذا ظل تطبيق القانون الجديد غير واضح فإنه سيناريو كارثي
جوناثان فاولر: إذا ظل تطبيق القانون الجديد غير واضح فإنه سيناريو كارثي

وفي نوفمبر، نددت الأمم المتحدة بتعرض قوافل المساعدات لأعمال نهب “ممنهج” لم تعد تحصل اليوم.

وصرح منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط مهند هادي بعد زيارة تفقدية لغزة “آمل أن يتوقف كل هذا في غضون أيام عندما يدرك سكان غزة أنه سيكون لدينا ما يكفي من المساعدات للجميع.” وأضاف محذرا “دعونا لا نفترض أنه بفضل وقف بسيط لإطلاق النار، سيكون عملنا بمثابة نزهة.”

وعند مفترق في مدينة غزة شمالا، يقوم رجال بنصب عشرات الخيم وتثبيتها على أطواق. وأقيم حي بكامله من الخيم على الطين بالقرب من أنقاض المنازل المدمرة.

وتخرج أنابيب وكابلات من الأرض، مما يدل على وجود منازل في الموقع منذ وقت ليس ببعيد. لكن على غرار المساكن كل شيء مفقود في غزة، من إدارة إلى حكومة تتخذ القرارات ومؤسسات تدير ميزانيتها.

ويخضع قطاع غزة لحكم حماس منذ عام 2007، وشنت إسرائيل حربا على القطاع في 7 أكتوبر 2023 بعد الهجوم غير المسبوق للحركة على إسرائيل.

ورغم عودة ظهور مقاتلي حماس في الشوارع، إلا أن الحركة لم تعد تمارس سوى سيطرة جزئية على القطاع. واليوم تبدو حماس أشبه بجماعة متمردة بعيدة كل البعد من الحكومة السلطوية التي أدارت القطاع قبل عمليات القصف الإسرائيلي التي بدأت قبل 15 شهرا.

كما أن الحاجات ضخمة في القطاع الذي تحول معظمه إلى أنقاض وبات سكانه يواجهون “مجاعة وشيكة” وسوء تغذية “متجذرا” ونظاما صحيا “منهارا” كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ديسمبر.

وكان مسؤولون في الأمم المتحدة عبّروا عن قلقهم من “انهيار النظام العام والأمني” مع “انتشار أعمال النهب والصراعات للحصول على (…) موارد باتت نادرة.”

وقال مهند هادي الثلاثاء “كان أطفال يقفزون على الشاحنات في محاولة للحصول على سلال الطعام.”

مهند هادي: أطفال كانوا يقفزون على الشاحنات في محاولة للحصول على سلال الطعام
مهند هادي: أطفال كانوا يقفزون على الشاحنات في محاولة للحصول على سلال الطعام

لكن الأمل يعود شيئا فشيئا. وقال هاني أبوالقمبز وهو تاجر من دير البلح وسط القطاع إن “الأسعار مقبولة الآن. فمقابل 10 شيكل (2.70 يورو) يمكنني شراء كيس منتجات لابني وأنا سعيد.”

وأكد المتحدث باسم حركة فتح في غزة منذر الحايك أن ظروف العيش بدأت تتحسن.

مع ذلك، فإن الوضع قد يصبح معقدا اعتبارا من 28 يناير عندما ستقوم إسرائيل بحظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بعدما اتهمت العديد من أعضائها بدعم حماس.

وصرح جوناثان فاولر المتحدث باسم الأونروا أنه إذا ظل تطبيق هذا القانون الجديد غير واضح “فإنه سيناريو كارثي ضمن سلسلة كوارث.” وأكد أن الوكالات الأخرى التابعة للأمم المتحدة “ليست لديها قدرة على الأرض للقيام بعمليات التوزيع كما نفعل نحن.”

ويحرم هذا القرار القطاع من الجهة “الأكثر كفاءة” في تقديم المساعدات في غياب بديل واضح، حسبما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نُشر هذا الأسبوع.

وكتبت المنظمة غير الحكومية أن “جدولة عمليات التوزيع ستكون حيوية. مع شاحنات المساعدات التي ستسبب ازدحاما على الطرق القليلة السالكة، فضلا عن تنقل أعداد كبيرة من المدنيين وانسحاب الجيش الإسرائيلي (…) قد تسود حالة من الفوضى.”

وأسفت أيضا لعدم فتح خطوط الاتصال بين الوكالات الإنسانية والجيش الإسرائيلي، مما قد يفسح المجال لحصول سوء تفاهم خطير.

ودخلت المئات من الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، أي أكثر من العدد المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار ساري المفعول منذ الأحد الماضي، وفقا لأرقام أعلنتها الأمم المتحدة.

أنطونيو غوتيريش: الأمم المتحدة لا تزال تواجه عقبات وتحديات وقيود كبيرة
أنطونيو غوتيريش: الأمم المتحدة لا تزال تواجه عقبات وتحديات وقيود كبيرة

وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى “تواصل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة في إطار زيادة المساعدات للناجين.”

وفي اليوم الأول للهدنة، أعلنت الأمم المتحدة دخول 630 شاحنة، بما في ذلك 300 إلى شمال القطاع، في حين يواجه سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة وضعا إنسانيا كارثيا.

وعلى مدى أشهر ندّدت الأمم المتحدة بعراقيل موضوعة أمام دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة وتوزيعها بعد 15 شهرا على الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.

وتستمر المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس 42 يوما يفترض أن تتيح تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني. فبموجب الهدنة تمّ الاتفاق على نفاذ 600 شاحنة يوميا إلى داخل غزة يوميا.

وأظهرت بيانات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دخول 2892 شاحنة مساعدات إلى غزة في ديسمبر. وتُسقط المساعدات على جانب غزة من الحدود، حيث تلتقطها الأمم المتحدة وتوزعها.

لكن العصابات واللصوص يجعلون ذلك صعبا. وتظهر بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن 2230 شاحنة مساعدات – بمعدل 72 شاحنة يوميا – تم التقاطها في ديسمبر، بينما كان متوسطها اليومي 51 من الأول من يناير إلى الخامس منه.

ودمرت إسرائيل جزءا كبيرا من غزة، ونزح سكان القطاع الذين بلغ عددهم قبل الحرب 2.3 مليون نسمة مرات عدة. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الوضع الإنساني بأنه “كارثي”.

وأبلغ غوتيريش مجلس الأمن الدولي ابأن الأمم المتحدة لا تزال تواجه “عقبات وتحديات وقيود كبيرة”. وقال إن المنظمة الدولية وجماعات الإغاثة والقطاع الخاص بحاجة إلى وصول سريع وآمن ودون عوائق إلى مختلف مناطق القطاع.

وأضاف أمام المجلس المكون من 15 عضوا “يجب إتاحة التأشيرات والتصاريح وغيرها من الظروف المواتية سريعا للسماح بزيادة الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها. نحن بحاجة إلى المعدات التقنية والحماية والاتصالات اللازمة”.

6