توزر تفتح مجددا أبواب الصحراء التونسية للسياح

لم تتأثر السياحة التونسية بالأزمات التي شهدتها في العشرية الأخيرة وكان آخرها إفلاس شركة توماس كوك، بل فتحت لها هذه الأزمات آفاقا على أنواع أخرى من السياحة كالسياحة الثقافية والصحراوية وكانت محافظة توزر التي تعتبر بوابة الصحراء التونسية مسرحا للعديد من المهرجانات التي جمعت حولها السياح التونسيين والعرب والأجانب.
توزر (تونس) - قال وزير السياحة التونسية روني الطرابلسي إن السياحة البديلة هي المستقبل، بما أنها تساهم في جلب نوعية جديدة من السياح ذوي طاقة إنفاق عالية.
ويبدو أن هذه الحلول البديلة التي يمكن أن تنقذ السياحة التونسية من الهزات التي شهدتها في العشرية الأخيرة، هي السياحة الثقافية والصحراوية، فكانت توزر بوابة الصحراء وجهة تستقطب عشاق الكثبان الرملية والواحات من تونس ومختلف دول العالم.
وتعتبر محافظة توزر واحدة من أبرز المعالم السياحية التي تشهد إقبالا مكثفا، خاصة خلال فترة خروج الخريف ودخول فصل الشتاء، وبمجرد دخول السياح إلى المدينة، يجدون أنفسهم أمام لوحة كتب عليها بيت شعر للعالم ابن شباط “زُر توزر إن شئت رؤية جنة، تجري بها من تحتك الأنهار”، هناك واحات النخيل المترامية في كل أرجاء المدينة التي تعتبر واحدة من أفضل مناطق إنتاج التمور في تونس.
وتعرف مدن المحافظة بمعمارها الخاص، فكل واجهات البيوت زينت بالآجر الأصفر، وهو أحد أنواع الطوب الذي يحمي السكان من أشعة الشمس وبرودة الشتاء، وهي ميزة اتسمت بها منازل توزر عبر عقود.
ولتنشيط الحركة السياحية في جنوب البلاد، تم تنظيم المهرجانات التي تستقطب الفئات المتنوعة من السياح، فعاد مهرجان الكثبان الإلكترونية بعد غياب ثلاث سنوات، وانتظم مهرجان الشعر الصوفي الذي له مريدوه من مختلف الجنسيات الذين يهبّون إلى مدينة نفطة الواقعة في محافظة توزر للاستمتاع بالموسيقى التي تمس الروح، إضافة إلى مهرجان الخيام بمدينة حزوة.
الرقص فوق الكثبان
استضاف موقع عنق الجمل الصحراوي في محافظة توزر مهرجان “الكثبان الإلكترونية”، شارك فيه العشرات من منسقي الأسطوانات والآلاف من الرواد الذين رقصوا على إيقاعات الموسيقى الصاخبة وصولا إلى قطيع الجمال المجاورة فيما أنوار الليزر تتمايل على كثبان الصحراء التونسية.
وانتصب في هذا الإطار في محيط ديكور فيلم حرب النجوم بعنق الجمل مجموعة من باعة الصناعات التقليدية و”الجمّالة” الذين يخصصون جمالهم للقيام بجولات صغيرة على ظهورها، وكذلك الخبازون التقليديون الذين يعدّون للزوار خبز “الملى” بمذاقه الفريد الذي يجمع بين الدقيق وحبيبات الرمل الدافئة.من لا يرقص من الحضور، يحتمي من البرد والرياح في خيم أمازيغية أو حول موقد نار، وقد تواصلت الموسيقى دونما انقطاع على مدى يومين حتى مساء الأحد الماضي.
قالت السائحة الفرنسية ميليسا فلوري (22 عاما) “يعجبني هذا النوع من المهرجانات في فرنسا، ولكن هنا في الصحراء ووسط الديكور، إنه ساحر”. وقال المنتج الفني للتظاهرة عباس الدزيري إن التظاهرة تستقطب أساسا السياحة الداخلية، إلا أنهم سعوا هذه السنة إلى الترويج لها خارج تونس والتعريف بالتظاهرة وبموقع عنق الجمل ذي الصيت العالمي في عدة بلدان أجنبية تربطها بتونس علاقات سياحية عريقة.
واستغل السفير الفرنسي بتونس أوليفيي بوافر دارفور حضوره في المهرجان للترويج للسياحة التونسية وللسياحة الصحراوية.
ودعا دارفور أبناء بلده القادمين إلى تونس لزيارة الجنوب التونسي واكتشاف السياحة الصحراوية وجمال المناطق الداخلية والتراث الطبيعي والثقافي الرفيع الذي يميز الصحراء التونسية.
وقال ليوبولد بوانيان (22 عاما) الذي أتى من باريس للرقص في الصحراء “سبق لي أن زرت تونس العاصمة والآن أتيت إلى المهرجان”.
ويقول الطالب في العلوم السياسية “نحن محاطون بديكور يشبه أجواء ستار وورز والسهر وسط الكثبان أمر مميز فعلا”.
ويشكل التونسيون غالبية رواد المهرجان الذين يزيد عددهم عن خمسة آلاف، وسبق لأنيس الوافي أن أتى مرة واحدة إلى جنوب تونس ليوم واحد، يقول مصفف الشعر من محافظة نابل (شمال شرق) الذي أتى رفقة أصدقاء إيطاليين وفرنسيين “هذه المرة نتوقف لزيارة المنطقة”.
وأكد وزير السياحة بالمناسبة أن تظاهرة الكثبان الإلكترونية، والتي شهدت حضور أكثر من 5 آلاف مشارك من كافة مناطق البلاد ومن جنسيات مختلفة من العالم، تساهم في تشجيع السياحة الثقافية والترويج للصحراء التونسية وللجنوب التونسي عموما.
وأضاف أنه يجب تشجيع تنظيم مختلف التظاهرات الثقافية، خاصة في الجنوب التونسي وفي مختلف المناطق الداخلية التي تزخر بموروث تاريخي وثقافي متميز يمكن استثماره لجلب العديد من الزوار والسياح وخلق ديناميكية جديدة وتنشيط الحركة التجارية بهذه المناطق.
ونظمت محافظة توزر إلى جانب مهرجان الكثبان الإلكترونية المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية في مدينة نفطة تحت عنوان “وصال”.
وقال مديره حسن زرقوني إن “المهرجان يعتبر فرصة لإنعاش السياحة الصحراوية والسياحة في نفطة، خصوصا في ظل التراجع الذي شهده القطاع منذ تسعينات القرن الماضي”.
توزر واحدة من أبرز المعالم السياحية في تونس التي تشهد إقبالا مكثفا، خاصة خلال فترة خروج الخريف ودخول فصل الشتاء
وشهد الشارع الرئيسي لمدينة نفطة عرضا فرجويا قدمته العديد من الفرق الصوفية، حضره سكان المدينة وزوارها من الجزائر والسياح الأجانب الذين يقضون عطلهم بالمنطقة.
ومن المقرر أن تنتظم الدورة التأسيسية لمهرجان سينمائي في الفترة من الخامس إلى الثامن من ديسمبر على أمل استعادة المنطقة سحرها الذي جعلها سابقا مسرحا لتصوير أعمال سينمائية عالمية خالدة.
وتوزر مدينة وواحة صحراوية تقع في جنوب غرب تونس وتشتهر بالمناظر الطبيعية الخلابة التي كانت مصدر إلهام للكثير من المبدعين، وقال مدير المهرجان سامي مهني “نحاول تسليط الضوء على هذه المناطق، لذلك دعونا مؤسسة عالمية كبرى مختصة في مواقع التصوير السينمائي لإعادة الإشعاع للمنطقة كوجهة للتصوير السينمائي”. وبفضل مناظرها الساحرة وطبيعتها الخلابة برمالها الذهبية وواحاتها وقصورها التراثية، ألهمت الصحراء التونسية العديد من المخرجين العالميين لتصوير أفلامهم من أشهرها “حرب النجوم” للمخرج الأميركي جورج لوكاس الحائز على جوائز عديدة وفيلم “يمسيح الناصرة” للمخرج الإيطالي فرانكو زافراللي، وفيلم “المريض الإنكليزي” للمخرج أنتوني مانجيلا.
وقبل ذلك، وفي شهر أكتوبر نظمت مدينة حزوة من محافظة توزر فعاليات الدورة الـ25 للمهرجان الدولي للخيام تابع خلالها الحضور من تونس والدول العربية خاصة عروضا فنية ومسرحية متنوعة، كملحمة الصحراء وعرض المرحول والجحفة ورقصة الزقايري ومعارض المنتوجات التقليدية من موروث الجهة.
وانفتح المهرجان على محيطه الخارجي من خلال مشاركة عدة دول عربية من الجزائر والأردن والعراق والمغرب ولبنان وغيرها.
وكان مهرجان الخيام بحزوة توثيقا حيا لحقبة تاريخية بكامل تفاصيلها المميزة ورسم حياة سكان هذه المنطقة وطريقة عيشهم بطريقة فنية خالية من كل رموز التمدن الروتينية.
من يزور توزر، لن يفوّت على نفسه فرصة زيارة متحف “الشّاق واق” الذي يختزل تاريخ البشرية؛ إذ يعد المتحف فرصة للدارسين والزوار ليتعرفوا على تاريخ الإنسان.
ووفقا للقراءة العلمية وللتاريخ الديني ،الشاق واق، هو متحف تاريخي في الهواء الطلق، يسرد قصة الإنسان وكيفية خلق الكون بتقنيات وتأثيرات صوتية وضوئية، والتأثيرات عبارة عن مجسمات بالأبعاد الحقيقية لكل المراحل التاريخية التي مرت بها الإنسانية.

ويضم المتحف الذي أطلق عليه صاحبه اسم مركّب “الشاق واق” مجسمات لديناصورات ضخمة، وللإنسان البدائي، وكيفية تطوره حتى ظهور الأديان السماوية.
جاسر المازق (26 عاما) يعمل كدليل بفضاء الشاق واق، يقول “هذا الفضاء هو مسلك تاريخي من البيغ بانغ وهو الانفجار التكويني الأول للأرض حتى ظهور الإسلام.. إنه تجسيد لكل ما يحكى من خرافات وحقائق علمية”.
ويضيف جاسر “نستقبل بشكل يومي المئات خاصة في مثل هذا الفصل، من مختلف الأعمار والأجناس وهذه الفترة تعرف النزل حجوزات بنسبة 100 بالمئة”.
وليد حامد، من محافظة سيدي بوزيد (وسط)، كان في جولة صحبة عائلته، يقول “لأول مرة أزور توزر ووجدت في المتحف كل ما سبق أن قرأنا عنه”، مضيفا “إنها فرصة لكي أحاول تعليم أبنائي تاريخ البشرية بطريقة سهلة ومرنة، بعيدا عن التعقيدات والمفاهيم العلمية”.
ويقول علي اللافي، المدير الإداري والمالي لمجموعة “إشريّط” السياحية التي أنشأت الفضاء السياحي “الشاق واق”، “هو متحف مكون من جزأين اثنين، الأول يتطرق لنشأة الكون علميا انطلاقا من عهد الانفجار العظيم وعهد الديناصورات والإنسان البدائي إلى يومنا هذا، ويتطرق الجزء الثاني لتاريخ الكون بحسب ما جاء في الكتب السماوية، انطلاقا من سيدنا آدم، مرورا بسفينة نوح، وكنيسة المهد وصولا إلى فجر الإسلام”.
ويقول شكري الذويبي، النائب المستقل بالبرلمان عن محافظة توزر، “تنتعش السياحة في توزر أساسا خلال العطل حيث يتدفق السياح من أبناء الوطن، نظرا لتميز المنطقة بطقسها وبتظاهراتها الثقافية”.
ويضيف الذويبي “لا بد من مراجعة الخارطة السياحية في البلاد، إذ تم استبعاد مناطق وإدراج مناطق أخرى أقل أهمية في هذا القطاع”.
عودة النشاط
كانت ثورة 2011 وسلسلة هجمات إرهابية سقط خلالها العشرات من السياح في 2015، قد وجهت ضربة قاسية لقطاع السياحة الحيوي في البلاد.
ومنذ ذلك الحين باتت الرحلات إلى الجنوب رغم أنه بمنأى عن هذه الهجمات، تقتصر على الذهاب والإياب في اليوم نفسه لزيارة الصحراء من مجمعات فندقية كبيرة على الساحل، ما وضع تجار توزر في وضع صعب.
وقال التاجر نجا رمزي الذي تراجعت عائداته بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة “الأكثر عددا الآن هم الروس، لكنهم لا يشترون إلا المياه، الوضع صعب لأن جل ما لدينا هنا هو التمور والسياحة”.
ومع تحسن الوضع الأمني، بدأت أعداد كبيرة من المصطافين تعود إلى تونس في السنوات الأخيرة وراحت المنطقة تستضيف فعاليات أكثر.
فقد أطلق ماراتون صحراوي يمتد على مئة كيلومتر تحت اسم “ألترا ميراج الجريد”، ويعد الجريد واجهة للترويج السياحي للمحافظة إذ بإمكان المتسابقين أن يتابعوا مشاهد مختلفة بين كثبان الرمال وشط الغرسة والواحات.
وباتت الفنادق محـجوزة بالكامل في مراحل معينة ويأتي السياح لفترات أطول. وحسب ما يؤكد مفوض السياحة في توزر يوسف صوف، شهد عدد نزلاء الفنادق ارتفاعا للسنة الثالثة على التوالي. وحتى أكتوبر الماضي زاد عدد الزوار بنسبة 27 بالمئة فيما ارتفع عدد الليالي في الفنادق بنسبة 29 بالمئة.
وأعادت فنادق فتح أبوابها فيما تكثر النزل العائلية وتدشن مجموعة “انانتارا” التايلاندية الفخمة فندقي 5 نجوم في نهاية ديسمبر.
وقال صلاح أكون الذي يواجه صعوبة في كسب لقمة العيش مع عربته التي تجرها جياد “آمل أن يأخذ السياح وقتهم ليتنزهوا ويزوروا الواحة والمدينة”. وهو يعتبر “إنها الطريقة الوحيدة ليستفيد عدد أقصى من العائلات في هذه المنطقة المهمشة”.