توتر أمني في ليبيا إثر مقتل امبراطور تهريب البشر

مسلحون مجهولون يفتحون النار على قائد معسكر الأكاديمية البحرية الحربية في طرابلس عبدالرحمن ميلاد الملقب بالبيدجا ويردونه قتيلا.
الاثنين 2024/09/02
هل يعيد اغتيال البيدجا طرابلس إلى مربع الاقتتال

طرابلس - قتل مسلحون مجهولون قائد معسكر الأكاديمية البحرية الحربية في طرابلس عبدالرحمن ميلاد، الملقب بـ"البيدجا" بإمطاره بالرصاص الحي في العاصمة الليبية طرابلس، في حادثة أثارت توترا أمنيا في مدينة الزاوية وتحشيدات عسكرية في العاصمة. 

وقال مصدر أمني مسؤول إن "مسلحين اعترضوا سيارة الرائد عبدالرحمن البيدجا بمدينة جنزور (الضاحية الغربية لطرابلس) وفتحوا نيران بنادقهم الآلية عليه وأردوه قتيلا".

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر، أن "تحقيقات باشرتها الأجهزة الأمنية حول الحادث".

وبينما لم يوضح المصدر هوية مغتالي البيدجا، إلا أنه أشار إلى أن "أعداءه كثر".

وتابع "نتوقع حدوث توتر أمني في العاصمة على خلفية تحشيدات تجريها مجموعات مسلحة تابعة للبيدجا في مدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس) مسقط رأسه".

وخرجت تحشيدات عسكرية في مدينة الزاوية، كما أعلنت عدة ميليشيات مسلحة حالة النفير وتحركت نحو العاصمة طرابلس، كما تمّ إغلاق الطريق الساحلي.

وعبر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن خشيتهم أن تشهد طرابلس، المحتقنة بالأساس، اقتتالا وشيكا بين الميليشيات انتقاما لمقتل البيدجا، حيث لا يعد قياديا عاديا في العاصمة التي تتصارع الميليشيات فيها على فرض نفوذها على الأرض والمؤسسات وموارد الثورة.

 وتشهد طرابلس منذ أيام حالة من التحشيد العسكري بين المليشيات متعددة الولاءات السياسية والأيديولوجية والإثنية والمناطقية، مستغلة في ذلك أزمة إقالة محافظ المصرف المركزي المستمرة فصولها بين القوى السياسية في شرق وغرب ليبيا منذ أغسطس الماضي، وهو ما حذرت من نتيجته على استقرار البلاد بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، وبعثات دبلوماسية غربية عدة مرات.

ولم تعلن بعد جهة أو ميليشيات مسؤوليتها عن قتل البيدجا الذي تصفه وسائل إعلام محلية بـ"إمبراطور التهريب" رغم صغر سنه (في الثلاثينات من العمر)، وما زالت التكهنات تدور حول ما إن كان صراع على النفوذ مع ميليشيات متنافسة معه، أو أن "تصفيته" جزء من إعادة ترتيب الأوراق من جهات لا تريد للوضع أن يتجه للانفلات التام في طرابلس، في ظل استمرار أزمة المصرف المركزي.

ونعى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، الضابط عبدالرحمن ميلاد، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك.

وقال المشري (متحدر من الزاوية) "بكل الأسى والحزن تلقينا نبأ اغتيال آمر معسكر الأكاديمية البحرية الحربية الرائد عبد الرحمن ميلاد، الذي تشهد له مدينة الزاوية بسعيه للصلح بين أبنائها عند نشوب أي خلاف وجهوده التي بذلها في استئناف العمل بالأكاديمية البحرية وتخريج أول دفعة منها بعد توقف 14 عاماً".

وأضاف أنه "في الوقت الذي نعزي فيه عائلة المغدور وذويه وزملاءه فإننا نطالب النائب العام والجهات المختصة بالكشف عن المتورطين في عملية الاغتيال وتقديمهم للعدالة".

وتوعد عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، مساء الأحد، قتلة "البيدجا"، بأنهم "لن يفلتوا من العقاب".

وعبدالرحمن ميلاد "البيدجا"، من أشهر الشخصيات الأمنية في غرب ليبيا، وتتهمه عدة دول منها الولايات المتحدة وبريطانيا بتزعم عصابة كبيرة للمتاجرة بالبشر لا سيما وأنه أحد قادة خفر السواحل الليبي في الزاوية التي تعد من أهم مناطق انطلاق المهاجرين نحو أوروبا.

وفي يونيو 2018، ورد اسم "البيدجا" في التقرير الصادر عن مجلس الأمن بوصفه "زعيم أخطر عصابة تهريب بشر في ليبيا ومتورطة في تعذيب المهاجرين وارتكاب انتهاكات بحقوق الإنسان". فيما صدرت ضده مذكرة اعتقال من الشرطة الدولية (الإنتربول).

وفي يونيو من العام نفسه أيضا، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات ضد "البيدجا" و5 ليبيين آخرين بسبب ما قالت "تهديدهم للسلام والأمن والاستقرار في ليبيا من خلال تورطهم في تهريب المهاجرين" وهو ذات الإجراء الذي أعلنت عنه بريطانيا في الوقت ذاته.

وفي 14 أكتوبر 2020، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الليبية، ضبط "البيدجا"، وسط ترحيب بعثة الأمم المتحدة في البلاد، إلا أنه أطلق سراحه بعد أشهر.

وتربط البيدجا علاقات قوية مع قادة ميليشيات أخرى تشترك معه في ارتكاب الجرائم المتهم بها، وفي الوقت ذاته، كانت له علاقات متوترة وعداءات مع ميليشيات أخرى، وفقا لتقارير أممية سابقة، ما يجعل اغتياله يثير التساؤل حول الجهة التي لها مصلحة في ذلك.

ورغم كون البيدجا مطلوبا دوليا، فإنه شارك في فعاليات عسكرية كبرى، تشرف عليها الحكومة القائمة في طرابلس، وشارك في الحرب ضد الجيش الليبي التي جرت عام 2019، وفوق ذلك، تسيطر ميليشياته على واحدة من أخطر الجهات، وهي الأكاديمية البحرية، التي يتخذها مقرا لتدريب عناصره.

ولم يقف البيدجا عند الإتجار بالبشر، بل اتهم محليا ودوليا بتمويل الإرهاب من خلال مراكب الهجرة غير الشرعية التي رعاها، إضافة إلى تسهيل انتقال عناصر التنظيمات المتطرفة بين أفواج المهاجرين.

كما ورد اسمه في تحقيقات العديد من الجرائم المليشياوية التي أرهبت الأهالي في عدة مدن ليبية، أبرزها قيادة المليشيات التي هاجمت مدينة صبراتة ودمرتها وهجَّرت أهلها، لتكون أحد أهم منطلقات الهجرة إلى أوروبا.

كما اتهم البيدجا بالوقوف وراء حملة اقتحام السجون لإطلاق سراح محتجزين من عناصر وقيادات تنظيم داعش وما يعرف بـ"مجلس شورى بنغازي" الإرهابي في مدينتي صرمان وصبراتة عام 2020.

وفي وقت سابق، أصيب البيدجا في حادث إطلاق نار في عرض البحر، خلال اشتباكات مع حرس سواحل، ما أدى لإصابته في يده.