توازن القوى يفرض هدوءا حذرا في مخيم عين الحلوة

مخيم عين الحلوة يحظى بأهمية إستراتيجية بسبب موقعه الجغرافي ومعروف أن لحزب الله نفوذا قويا في الجنوب بما يمتلكه من ترسانة أسلحة وصواريخ.
الأربعاء 2023/08/16
مخيم لا يخضع للسلطة اللبنانية

بيروت – دخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان مرحلة هدوء حذر ينذر باحتمالات متعددة لعودة المواجهات المسلحة، نظرا لأنه يأوي فصائل وجماعات مسلحة متعارضة أيديولوجيا ولا يخضع لسيطرة السلطة اللبنانية، ويشهد من حين إلى آخر مواجهات عنيفة.

مخيم عين الحلوة تأسس عام 1948، وهو أكبر مخيم للفلسطينيين في لبنان، إذ يضم حوالي 50 ألف لاجئ مسجلين بحسب الأمم المتحدة، بينما تفيد تقديرات غير رسمية بأن عدد سكانه يتجاوز 70 ألفا.

ولا يدخل الجيش أو القوى الأمنية اللبنانية إلى المخيمات بموجب اتفاقات ضمنية سابقة، تاركين مهمة حفظ الأمن فيها للفلسطينيين أنفسهم داخلها، لكن الجيش اللبناني يفرض إجراءات مشددة حولها.

وأواخر يوليو، اندلعت الاشتباكات المسلحة بين قوات “الأمن الوطني الفلسطيني” التابعة لحركة “فتح” ومجموعات “إسلامية” مسلحة على خلفية إطلاق نار استهدف أحد القياديين الإسلاميين في حينه. واستمرت خمسة أيام، وأسفرت عن مقتل 14 شخصا وإصابة أكثر من 60 آخرين، قبل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تُشرف على تنفيذه لجنة “هيئة العمل الفلسطيني المشترك”.

وسيم بزي: إما ينجح الهدوء أو يتحول إلى تصفيات داخلية
وسيم بزي: إما ينجح الهدوء أو يتحول إلى تصفيات داخلية

ما زال الترقب سيد الموقف بعد نحو أسبوعين على وقف إطلاق النار، وقال حسين خريس، الصحافي اللبناني المتخصص بشؤون التنظيمات الإسلامية، إن هناك “موزاييكا (تشكيلة مختلفة) معقدا للجماعات الإسلامية داخل المخيم ولا تخضع جميعها لنفس القيادة ولا تتفق مع بعضها على قرارات موحدة”.

ولفت خريس إلى أن الاشتباكات الأخيرة “وقعت بين مقاتلين من حركة فتح وآخرين تابعين لحركة الشباب المسلم، وهي عبارة عن مجموعات مسلحة كانت تسمى سابقا جند الشام وكانت توالي تنظيم القاعدة”.

وأضاف “فضلا عن الجهتين المتقاتلتين، يضم المخيم تنظيم عصبة الأنصار الإسلامية، والحركة الإسلامية المجاهدة، وحركة حماس، إضافة إلى حركتي أنصار الله والجهاد الإسلامي المواليتين لإيران”.

وأشار الصحافي اللبناني إلى أن “عصبة الأنصار التي تعد من أقوى الفصائل المسلحة في المخيم سبق أن أبرمت ربط نزاع مع حزب الله قبل سنوات، في حين أن الحركة الإسلامية تمثل مختلف القوى الإسلامية أمام الدولة اللبنانية”.

وقال إن “أكثر من جهة ضغطت لوقف المعركة الأخيرة، أبرزها حزب الله وحركة أمل، ودار الفتوى، كما كان لتصريح رئيس رابطة علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود وقع كبير حين وصف ما يجري (المعارك) بأنه تنفيذ لأجندة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل”.

وأضاف “أعتقد أن حزب الله بعث برسالة إلى حركة فتح طالبهم فيها بوقف إطلاق النار، لاسيما أنه من غير المسموح (بالنسبة للحزب) أن تكون جبهة الجنوب غير مستقرة، خصوصا مع قرب بدء التنقيب عن الغاز في البحر قرب الحدود”.

ورأى خريس أن “في الظاهر اندلعت المعركة عقب إطلاق نار استهدف أحد الأشخاص المحسوبين على المجموعات الإسلامية، أما في الكواليس فإن إسرائيل طلبت من المخابرات الفلسطينية كبح نشاط حركتي حماس والجهاد بالمخيم”.

ويحظى مخيم عين الحلوة بأهمية إستراتيجية بسبب موقعه الجغرافي بمدينة صيدا بوابة الجنوب اللبناني، ومعروف أن لحزب الله نفوذا قويا في الجنوب بما يمتلكه من ترسانة أسلحة وصواريخ.

pp

وكان حزب الله لعب دورا كبيرا في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 عقب أكثر من عقدين على احتلال أجزاء واسعة منه، فيما لا تزال إسرائيل تحتل جزءا صغيرا من أراضي لبنان الجنوبية.

واعتبر خريس أن “المعارك داخل المخيم توقفت بعد فشل حركة فتح بالحسم العسكري وتكبدها خسائر بشرية ومعنوية (..) وهكذا بقي عين الحلوة من المخيمات القليلة في لبنان غير الخاضعة للحركة”.

وقبل أشهر سجل إطلاق صواريخ عدة بشكل متفرق من جنوب لبنان على شمال إسرائيل ردا على انتهاكاتها بحق المصلين في المسجد الأقصى، دون أن تتبنى أي جهة مسؤولية إطلاق الصواريخ.

أما المحلل السياسي اللبناني وسيم بزي فقد اعتبر أن المعارك “توقفت في المخيم بعد الجهد السياسي الذي بذل وبعد اتصالات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية”.

حسين خريس: هناك تشكيلة من الفصائل غير المتوافقة داخل المخيم
حسين خريس: هناك تشكيلة من الفصائل غير المتوافقة داخل المخيم

وأضاف “تم إرسال عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد مبعوثا خاصا من رام الله إلى لبنان للقاء القادة اللبنانيين، وإضافة إلى الاجتماعات الأمنية”، مشيرا إلى أن “العامل العسكري الذي فرض نوعا من التوازن ولم يؤد إلى تكريس القوة لصالح أحد، من أهم العوامل التي ساهمت في الهدوء”. بالإضافة إلى أن “فتح تعرضت لامتحان صعب أدى إلى خدش قدرتها على التحكم بأحداث المخيم وجعلها تدفع ثمنا باهظا على صعيد خسائر بالأرواح والمعنويات”، بحسب بزي.

ولفت إلى أنه بالمقابل فإن الطرف الآخر “دافع بشراسة عن مواقعه ونقاطه، وهذا ما أدى في النهاية إلى التوصل إلى اتفاق ينص على ثلاث نقاط، وهي وقف إطلاق النار وتسليم قتلة أحد عناصر الإسلاميين، وأيضا تسليم قتلة العرموشي ومرافقيه”.

واستبعد بزي أن تتسبب أحداث المخيم “باندلاع شرارة عنف على صعيد البلاد ككل، نظرا إلى الدور البارز الذي يلعبه الجيش اللبناني في ضبط الوضع بمحيط المخيم والمناطق الأخرى، فضلا عن تعاون جميع القوى السياسية للحفاظ على الاستقرار”.

وأضاف “كما أن واقع الميدان لا يوحي بأن تخرج الأحداث عن إطارها الفلسطيني، لكن هذا لا ينفي أن بعض الدول الإقليمية (لم يسمها) حاولت أن تستثمر في المعركة بالتأثير في موازين القوى بما يخدم مصلحتها”.

ولفت بزي إلى أن “ثمة قيادات من حركة فتح لم تنخرط بالمعركة بشكل مباشر مثل العميد محمود عيسى المعروف باللين والمحسوب على جناح محمد دحلان، المنشق عن الحركة، وكذلك الأمر بالنسبة للقيادي منير المقدح”.

وختم بالقول إن “التوازنات الحالية بالمخيم تسمح بأن نختبر مشهد الهدوء لمدة 10 أيام، إما أن تنجح محاولات تثبيت الهدوء ولو إلى حين، وإما أن نكون أمام مشهد تصفيات أمنية داخلية”.

7