تهديدات تطال قضاة في تونس مع ختم أبحاث قضية التآمر على أمن الدولة

تونس - كشفت السلطات القضائية في تونس عن تعرض قضاة إلى التهديد بعد ختم الأبحاث في قضية التآمر على أمن الدولة، كمانفت ما تم تداوله من معطيات غير دقيقة في وسائل الإعلام حول وجود خلل بالإجراءات مؤكدة أنه تم إرجاع الملف على قاضي التحقيق قبل تضمين مطلب التعقيب.
وقالت المتحدثة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس في تصريحات لوسائل إعلام محلية الثلاثاء إنّ كل الإجراءات المتعلّقة بختم البحث في ما يُعرف بقضية التآمر، قد تمت في حدود الآجال والشكليات المسموح بها طبق مجلة الإجراءات الجزائية وطبق ما استقر عليه فقه القضاء في المادة الإجرائية.
وأوضحت قداس، أنّ قاضي التحقيق تولّى ختم أعماله وإصدار قرار بختم البحث في الملف منذ 12 أبريل الجاري.
وأضافت أن قاضي التحقيق تولى إعلام النيابة العامة، وأصدر "مذكرات الإخراج" لكافة المتهمين المودعين سواء على ذمة القضية أو على ذمة قضايا أخرى، ووجه استدعاءات للمتهمين المحالين بحالة سراح.
وأكّدت قداس أنّه وقع إتمام إجراءات الإعلام الاثنين والثلاثاء، طبق القانون سواء بالنسبة إلى المتّهمين الموقوفين أو المودعين في غيرها من القضايا أو من هم بحالة سراح وذلك طبق القانون.
وشدّدت على أنّ النيابة العامة أكّدت أنّه تم احترام الإجراءات القانونية كافة وفي الآجال القانونية، وذلك على خلاف "ما يتم تداوله من قبل بعض الأطراف بغاية التأثير في الرأي العام وصلت إلى غاية تهديد القضاة المتعهّدين بالملف، علاوة على أنّ الإجراءات المتّبعة في هذا الملف لم تكن بأيّ حال إجراءات استثنائية".
وأشارت إلى أنّ قاضي التحقيق المتعهّد قد نص على بقاء القرارات الاحترازية، بما في ذلك قرار منع التداول الإعلامي ساريا إلى حين تعهّد المحكمة في الأصل.
وجاءت تصريحات قداس ردا على بيان أصدرته هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية التآمر على أمن الدولة التي يحاكم فيها مجموعة من السياسيين من بينهم قيادات في حركة النهضة الإسلامية.
وكانت هيئة الدّفاع عن الموقوفين في قضيّة "التآمر على أمن الدولة قد أعلنت في بيان للرأي العام "أنها عاينت حصول تلاعب بالإجراءات في القضيّة"، محملة الوكالة العامّة لدى محكمة الاستئناف "مسؤوليّة ما يطال ملفّ الموقوفين في هذه القضية من تلاعب اجرائي" باعتبارها مكلفة بالسّهر على تطبيق القانون الجنائي بكافة المحاكم التابعة لها.
أما بخصوص تصريحات رئيس التونسي قيس سعيد المتعلّقة بالتمطيط (إطالة أمدها) في إجراءات مسار القضية، أوضحت قداس، أن العديد من الأطراف متداخلة في هذه الملف وأنّ التمطيط قد يكون مُورس من قبل أي طرف، لكن الأكيد انه لم يمارس من طرف القطب.
كما نفت قداس ما صرحت به هيئة الدفاع عن الموقوفين بخصوص تمتّع قاضي التحقيق المتعهد بالملف بسبع عطل، وأكدت ''كل ما يقال مجانب للحقيقة بل على العكس قاضي التحقيق تنازل عن عطلته من أجل السعي إلى إبراز الحقيقة وتسريع النظر في الملف''.
وانتقد الرئيس سعيد إطالة أمد الإجراءات القضائية في بلاده، وطالب بسرعة محاكمة المتهمين بـ"التآمر على أمن الدولة"، وذلك بعد اقتراب موعد انتهاء التوقيف التحفظي الذي يدوم وفق القانون التونسي 14 شهراً.
وقال سعيد، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي مساء الاثنين "بالنسبة لمَن تآمروا على أمن الدولة، ومازال عدد منهم يتآمرون على أمن الدولة، آن الأوان لتتم محاكمتهم محاكة عادلة"، حسب فيديو للرئاسة.
وأكد الرئيس سعيّد على "احترام الإجراءات (القضائية)، وأوضح أن التمطيط فيها بهذا الشكل يجعل مَن وراء القضبان يتآمرون مرة أخرى على أمن الدولة".
ويرى مراقبون أن دعوة سعيد على احترام الإجراءات القانونية تعد ردا مباشرا على تنبيه أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية عدة إلى أن المتهمين بـ"التآمر" سيصبحون في وضعية احتجاز تعسفي بداية من الجمعة المقبل.
وكشف الرئيس التونسي عن تدفق أموال بالمليارات من الخارج لفائدة "المتآمرين" على أمن الدولة، مؤكداً أنهم يتلقونها عن طريق الجمعيات الخيرية.
وقال بهذا الخصوص إن جمعية تونسية تمتلك ثلاثة حسابات بنكية جارية، واستفادت من 780 ألف دينار تونسي (نحو 260 ألف دولار) تم إيداعها ببنك تونسي، إضافة إلى استلامها وديعة مالية بقيمة مليون دينار تونسي (نحو 333 ألف دولار)، وطالب لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي بالتحري لمعرفة مصادرها.
وأكّدت المتحدثة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب أنّه تمت إحالة 52 متهما في الملف التحقيقي المعروف إعلاميا بملف ''التآمر على أمن الدولة '' وقد تمّ توجيه تُهم ضدّ 40 منهم وحفظها في حق 12 آخرين.
وأضافت قداس أنّ النيابة العامة مارست حقها في استئناف حكم حفظ التهم، لافتة إلى أنّ كل متّهم تم تضمين ما نسب إليه من تهم مفصّلة في قرار ختم البحث من طرف قاضي التحقيق.
وكانت عضو هيئة الدفاع عن الموقوفين على ذمة ما يعرف بـ "قضية التآمر على أمن الدولة" المحامية دليلة مصدق، قد تحدّثت عن 'التآمر ''خلال ندوة صحافية الثلاثاء.
وأوضحت مصدق، ، أنّه تمّ توجيه تهمة "الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجريمة إرهابية، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وارتكاب أمر موحش في حقّ رئيس الجمهورية"، في حق غازي الشواشي وجوهر بن مبارك.
أمّا بالنسبة لعصام الشابي وعبدالحميد الجلاصي ورضا بالحاج، فقد وُجّهت إليهم تهمة "الانضمام إلى وفاق إرهابي، وعدم الإشعار بجرائم إرهابية والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي". وأشارت مصدق إلى توجيه 17 تهمة إلى جميع المحالَين في قضية التآمر بحال فرار. كما أوضحت مصدق أنّه تمّ إعلام جميع الموقوفين على ذمة القضية بأنّهم سيمثلون أمام قاضي التحقيق، أمس (الاثنين)، غير أنهم رفضوا المثول.
ومنذ فبراير 2023، شهدت تونس حملة توقيفات شملت سياسيين وإعلاميين وناشطين وقضاة ورجال أعمال بتهم عديدة منها التآمر على أمن الدولة والتخطيط لقلب النظام وتمجيد الإرهاب والفساد بينهم قادة بارزون في حركة النهضة الإسلامية.
وينفي سعيد أن تكون "اعتقالات سياسية"، ويتهم بعض الموقوفين بـ"التآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".
ويؤكد سعيد في المقابل على ضرورة أن تكون المحاكمات عادلة، مشيرا إلى الدور الذي يضطلع به القضاة في الظرف الذي تعيشه تونس.
ويقبع في السجون العشرات من السياسيين والمسؤولين السابقين في أجهزة الدولة بتهمة التآمر على أمن الدولة والتحريض ضد السلطة وقضايا أخرى ترتبط بالإرهاب والفساد.
وتقول المعارضة إن التهم ملفقة وسياسية كما تتهم الرئيس سعيد بممارسة ضغوط على السلطة القضائية.
وفي سبتمبر الماضي أصدر القضاء التونسي مذكرات اعتقال دولية ضد 12 شخصا من بينهم رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد في قضيتي "تكوين وفاق (مجموعة) إرهابيو التآمر على أمن الدولة".
كما أصدر بطاقة إيداع بالسجن بحق الوزير السابق ومؤسس شركة سيفاكس للطيران محمد فريخة في قضية تتعلق بالفساد اُتهم فيها رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني وأعاد البحث في ملف ما يعرف بـ"أوراق بنما" المتعلقة بالملاذات الضريبية وغسيل وتهريب الأموال.
وتعود القضية إلى سنة 2016 بعد تسريب معطيات بشأن تورط عدد من الشخصيات السياسية والمالية إضافة إلى محامين وشركات في تهريب أموال، حيث دفعت الفضيحة البرلمان إلى تشكيل لجنة بحث لم تكشف عن نتائج تحقيقاتها.
وسبق أن أصدر القضاء التونسي قرارا يمنع "التداول الإعلامي" في قضية التآمر على أمن الدولة، وذلك بسبب سرية التحقيقات فيما طالبت قوى معارضة من النيابة العامة توضيح مستجدات الملف للتونسيين باعتبارها قضية رأي عام.