تنصّل شيوخ السلفية من الإخوان تقية وليس مراجعة حقيقية

سيناريوهات مكرّرة لتجنب الصدام مع السلطة وتحقيق أهداف مشبوهة.
الثلاثاء 2021/08/10
أفكار تعرض سلامة المجتمع للخطر

سلّطت جلسات استماع القضاء المصري للمتّهمين في قضية «داعش إمبابة» الضوء على بعض شيوخ السلفية الذين قدّموا شهادات صادمة لمواليهم لكنها أظهرت تنصّلهم من الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين أو حتى تبنيهم لأيديولوجيات دينية متشدّدة، في ما يوحي بأنهم أصبحوا مدركين أن المباراة بين الدولة المصرية والإخوان انتهت لصالح الأولى وخرج منها السلفيون خاليي الوفاض يحاولون الوقوف على مسافة أمان مع الجماعة للمحافظة على ما تبقى من مكاسبهم.

القاهرة - يتحول بعض شيوخ السلفية في مصر إلى فئران مذعورة عندما يقفون أمام المحكمة لمناقشتهم في أفكارهم الداعمة لجماعة الإخوان وتلك التي أدت إلى تطرف عدد كبير من الشباب الذي أقدم بموجبها على ارتكاب جرائم عنف وإرهاب، ويلجأ السلفيون إلى التقية وليس المراجعة الحقيقية أملا في الخروج من المأزق القانوني.

وقد استدعت الدائرة الخامسة (إرهاب) بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ في القاهرة الأحد الداعية السلفي محمد حسان للاستماع إلى شهادته في محاكمة 12 متهمًا من عناصر داعش في القضية المعروفة بـ”خلية داعش إمبابة”.

وتنصل حسان في شهادته من ممارسات الإخوان، واعتبرها “جماعة دعوية تحولت إلى حزب سياسي ووصلت إلى الحكم والرئاسة وفشلت لأنها لم تستطع الانتقال من فقه الجماعة إلى فقه الدولة”، وهو الداعية الذي وقف على منصة ميدان رابعة العدوية في القاهرة قبل ثماني سنوات مؤيدا للجماعة ومنددا بالثورة الشعبية التي أطاحت بها.

ويقول مراقبون إن بعض الدعاة أصبحوا متيقنين أن المباراة بين الدولة المصرية والإخوان انتهت لصالح الأولى وخرج منها السلفيون خاليي الوفاض ولكي يحافظوا على جزء بسيط من مكاسبهم من الضروري أن يقفوا على مسافة من الجماعة.

أحمد كامل البحيري: تنصل السلفيين من تنظيم الإخوان تقية بنسبة مئة في المئة

ويضيف المراقبون أن التبرؤ من الإخوان يأتي غالبا رماديا ويريد أصحابه مسك العصا من منتصفها، وهي إشارة إلى أن شيوخ السلفية لم يتنصلوا تماما من الانحياز لجماعة الإخوان التي لم تعترف حتى الآن بأخطائها في مصر.

ونطق حسان بعبارة فضفاضة أمام المحكمة ولا تحمل إدانة كاملة، جاء فيها أنه “لا يعلم عن الإخوان أكثر مما يعلمه القضاء، وهي جماعة لم تستطع التغلب على سياسة الحزب الواحد والرأي الواحد، وعندما حدث التصادم بينها وبين القوى الأخرى كان يتوجب عليها التخلي عن الحكم حقنا للدماء، وهو ما لم تفعله”.

وأدلى حسان بشهادته في القضية بعد أن طلب محامي اثنين من المتهمين الاستماع إليه والشيخ محمد حسين يعقوب في الثاني عشر من يونيو الماضي، حيث سار المتهمان على نهج أفكارهما وتأثرا بخطاب كليهما الدعوي.

وأكد الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد كامل البحيري أن تنصل شيوخ السلفية من الإخوان يأتي على سبيل التقية بنسبة مئة في المئة لأنهم يدركون أن التبرؤ من أفعال الإخوان وأفكارها وجرائمها أقل ضررا من الدخول في صدام مع السلطة.

وأضاف لـ”العرب” أن إدانة أي رمز سلفي للإخوان ستجعله يفقد جزءا من جماهيريته العريضة، لكنه يعي تماما أن المجتمع المصري قد ينسى وتتبدل قناعاته بسهولة، والشعبية التي تهاوت يمكن ترميمها بموقف أو خطبة لاحقا.

ويستفيد الإخوان من تبرؤ شيوخ السلفية منهم لأنهم يثبتون للعامة أن التيارين متناقضين مع أنهما متوحدان في الكثير من الأشياء، مثل الهدف والرؤية والمشروع، ولا تتأثر جماعة الإخوان كثيرا بآراء رموز السلفية لأن إدانة أي شيخ سلفي ربما لا تعني الكثير من جمهور السلفية الذي يتصور أن الشهادة أمام المحكمة تأتي تحت ضغط معنوي ويحق لصاحبها الكذب والتدليس على المحكمة.

ولفت البحيري لـ”العرب” إلى أن مبدأ التقية عند الإخوان والسلفيين يفوق الشيعة أنفسهم، فقد كررا نفس التصرفات مع جميع رؤساء مصر السابقين لضمان الأمان وعدم الصدام مع السلطة وتحقيق الأهداف المشبوهة بالاستمرار في التواجد على الساحتين السياسية والدينية مهما بلغ منسوب الالتفاف على الحقيقة.

الإخوان يستفيدون من تبرّؤ شيوخ السلفية منهم، لأنهم يثبتون للعامة أن التيارين متناقضين مع أنهما متوحدان في الكثير من الأشياء، مثل الهدف والرؤية والمشروع
الإخوان يستفيدون من تبرّؤ شيوخ السلفية منهم، لأنهم يثبتون للعامة أن التيارين متناقضين مع أنهما متوحدان في الكثير من الأشياء، مثل الهدف والرؤية والمشروع

وأسندت النيابة للمتهمين في القضية تولي قيادة جماعة إرهابية الغرض منها الدعوة إلى الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر، وتعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والحريات والحقوق العامة، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والأمن القومي.

وكما نفى يعقوب في الجلسة التي استمعت فيها المحكمة لشهادته في السادس عشر من يونيو الماضي، نفى حسان أيضا أن تكون أفكارهما أو خطبهما أو الدروس الدينية التي يلقيانها أو يشرفان عليها ذات صلة أو تشجع على الفكر المتطرف.

وعندما سئل يعقوب عن جماعة الإخوان قال “حسن البنا أسس الجماعة لقيام الخلافة وللوصول إلى الحكم لإعادتها (…) وسيد قطب منظر الإخوان كان شاعراً وأديباً، ولم يتفقه في علوم الدين ولم يتعلم على يد شيخ”.

وعزف مضمون شهادة القطبين السلفيين بشأن الإخوان عن التصرفات ولم يقتربا من جوهر المنهج وتقديم إدانة صريحة للجماعة كونها في النهاية تنظيم لا يختلف عن التنظيمات التكفيرية والبؤرة التي خرجت منها العديد من الجماعات المتشددة.

وعمد حسان ويعقوب إلى تركيز حديثهما على رفض العنف الذي ترتكبه تنظيمات مثل داعش والقاعدة، وحاولا عدم الربط بشكل غير مباشر بجماعة الإخوان.

وأشار حسان في شهادته إلى أن “الجماعات التي تستحل دماء إخواننا من الجيش والشرطة فهي جماعة منحرفة عن سنة رسول الله”، مؤكدا أن تنظيم داعش إرهابي وتنظيم القاعدة أصله التكفير.

وذكرت التحقيقات أن المتهمين في “خلية داعش إمبابة” نفذا عدة عمليات إرهابية، منها استهداف مراكز أمنية بمنطقة رمسيس بالقاهرة والبنك الأهلي بمنطقة المهندسين في الجيزة، وحيازة مفرقعات وأسلحة وذخيرة.

7