تناقض مصالح الدول يؤخّر أي حسم عسكري في ليبيا

طرابلس - رصد المراقبون بعناية خارطة المصالح الإقليمية والدولية داخل تطورات المشهد الليبي لاسيما في الشق المتعلق بالمعركة الحالية في طرابلس.
ويرى هؤلاء أن أبجديات الحل في ليبيا خرجت من أيدي الفرقاء الليبيين، وباتت مرتبطة بشكل كامل بأجندات العواصم المعنية مباشرة بالشأن الليبي.
وتقول مصادر دبلوماسية إن مؤتمر برلين حول الشأن الليبي والمزمع عقده ربما في الشهر المقبل، يكشف بشكل واضح أن تعقد الشأن الليبي مرتبط بحل عقد النظام الدولي بأكمله. فالمؤتمر تحضره عشر دول معنية بالشأن الليبي، فيما مداولات جديدة تبحث توسيع الحضور ليشمل 13 دولة، دون أي ضمانة من ألا يتمدد العدد إلى أكثر من ذلك.
ويقول الأكاديمي والمحلل السياسي الليبي الدكتور أحمد معيوف إن “جلوس الليبيين على طاولة الحوار من دون تدخل دولي أمر مستحيل حاليا”، مضيفا أن “وجود الليبيين في مؤتمر برلين معنوي ولا يؤثر على مخرجاته”.
بالمقابل فإن الإعلامي والأكاديمي الليبي الدكتور عبدالعزيز أغنية يرى أن “ملف الأزمة الليبية ما زال بيد الليبيين”، لكنه يلفت أن “وجود الميليشيات المسلحة في طرابلس يشكل خطرا على إيطاليا وفرنسا”، وأن “الميليشيات في طرابلس أنكرت لسنوات طويلة وجود داعش في مدينة سرت”.
وكان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة قد اعتبر أنه لو كان هناك توافق دولي حول الأزمة الليبية لما وصلت الأمور إلى هذه المستويات الخطيرة.
وتنعكس هذه التصريحات داخل التحول الكبير الذي طرأ على المقاربات التي يعتمدها سلامة للوصول إلى تسوية تنهي الحرب في ليبيا.
فقد بدأ مهمته في المرحلة الأولى من خلال مداولات شملت فرقاء الصراع والزعامات داخل ليبيا، كما جال على المناطق الليبية، وقام برحلات مكوكية بين طرابلس وبنغازي في محاولة لإيجاد قواسم مشتركة بين أطراف الصراع، لاسيما بين حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج من جهة والبرلمان الليبي برئاسة عقيلة صالح وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر من جهة ثانية.
وقد تحولت مهمة سلامة من السعي لرأب الصدع بين قوى الداخل إلى السعي، من خلال مؤتمر برلين، إلى رأب الصدع بين القوى الإقليمية والدولية لعل في ذلك ما يمكن أن يؤدي إلى مسارات للتسوية الليبية.
وقد فجرت مذكرة التفاهم حول الحدود البحرية والتي وقعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق في طرابلس ردود فعل إقليمية دولية غاضبة قد تنذر بصدام خطير بين الدول المعنية بالشأن الليبي.
والمذكرة أداة من أدوات الضغوط التي تمارسها أنقرة داخل خارطة الطاقة في البحر المتوسط، فيما تعتبر دول المتوسط المعنية بسوق الغاز بأن تركيا تسعى لقلب الطاولة ضد كل خطط التنقيب عن الغاز وتوزيعه في شرق المتوسط.
ويقول المحلل السياسي التركي جواد غوك إن “عدم تنسيق تركيا مع مصر بشأن الاتفاق مع ليبيا تسبب بمشكلة حقيقية”، مضيفا أنه “من الممكن أن تكون هناك عمليات عسكرية مصرية داخل ليبيا ضد تركيا”. وأكد أن “أحزاب المعارضة في تركيا رفضت التدخل في ليبيا”.
وقد برز موقف مصري قبرصي يوناني موحّد ضد السلوك التركي، فيما بدا أن الاتحاد الأوروبي مجمع على إدانة تركيا والتضامن الكامل مع قبرص واليونان. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة أفرجت عن موقف رافض لمذكرة التفاهم الموقعة بين أنقرة وطرابلس مع استمرار واشنطن بالاعتراف بحكومة الوفاق برئاسة السراج.
وفيما تحركت واشنطن منتقدة تدخل روسيا في الشؤون الليبية، ما زالت موسكو تنفي أي تدخل عسكري مباشر لها في الحرب الداخلية في ليبيا. ومعروف أنه، وعلى الرغم من علاقات موسكو مع طرابلس، وعلى الرغم من الزيارات التي قام بها السراج إلى روسيا، إلا أن موسكو عبرت عن علاقة تحالف مع بنغازي ومع المشير حفتر بالذات.
ويقول الخبير في الشأن الروسي الدكتور فائز حوالة إن “ليبيا تحولت مكانا للنزاع الدولي والإقليمي”، متخوفا من “توريط الجيش المصري لمواجهة التدخل التركي في ليبيا”. وفي هذا الشأن رأى معيوف أن “ما يهم مصر في الاتفاق الليبي التركي هو الشق الأمني فقط”.
ويرى الدكتور إدموند غريب، وهو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون، أن “هناك عدم وضوح وتباينا بالمواقف بين المسؤولين الأميركيين بشأن ليبيا”، محذرا من أننا “سنشهد في الفترة المقبلة صراعا دوليا على الموارد في ليبيا”. وذكّر بأن “الولايات المتحدة دعمت الموقف الأوروبي سابقا بشأن الأزمة الليبية”.
ومع ذلك فإن بعض المصادر الدبلوماسية تعتبر أن الحرب في طرابلس قد تكون ضرورة لحسم خيارات الدول المعنية لكنهم يقرون في الوقت عينه أن تناقض مصالح الدول قد يؤخّر أي حسم عسكري بانتظار نضوج حلول سياسية تؤسس لما بعد سقوط طرابلس.