تمييز "المواقع المشبوهة" مسؤولية فردية والتجريم مهمة السلطات السورية

تهمة تثير الذعر وتفتح بابا جديدا للتضييق على الصحافيين السوريين.
السبت 2021/06/26
نشاط الصحافيين مقيد في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي

توسعت دائرة التفسيرات الحكومية لـ”الصفحات والمواقع المشبوهة” التي يحظر قانون الجرائم الإلكترونية السوري التعامل معها، بشكل صار لزاما على المستخدم تمييزها، قبل أن يتم تجريمه وفق القانون كما حدث للعديد من الصحافيين والناشطين الذين حالفهم الحظ بالخروج من السجن بعفو رئاسي قبل الانتخابات.

دمشق – كشف رئيس فرع “جرائم المعلوماتية” في سوريا لؤي شاليش عن تفسيرات قانون الجرائم الإلكترونية بخصوص الصفحات المشبوهة التي أدت تهمة التعامل معها إلى الزج بالعشرات من الصحافيين والناشطين في السجون مؤخرا، موضحا أن التمييز بين الصفحات المشبوهة وغير المشبوهة هي مسؤولية فردية.
ورغم أن تصريحات شاليش لا تأتي بجديد، إلا أنها متزامنة مع زيادة الانتقادات والاستياء من الوضع المعيشي السيء والفساد المستشري في البلاد، حتى أن تناول الأوضاع في الصحف الحكومية تسبب باعتقال صحافيين ومقاضاتهم بتهم التشهير والسب.

وقال شاليش إنه تم تنظيم 600 ضبط في الفرع عدا الأقسام الموزعة في المحافظات، وأن 60 في المئة من الضبوط تتعلق بالسب والشتم والتشهير عبر الشبكة وأن هذين الجرمين الأكثر شيوعا في المجتمع السوري بين الجرائم المعلوماتية.

موسى عبدالنور: الصحافيون احتُجزوا بسبب تعليقاتهم على صفحاتهم الشخصية
موسى عبدالنور: الصحافيون احتُجزوا بسبب تعليقاتهم على صفحاتهم الشخصية

أما عن الفارق بين النقد والتشهير، فاعتبر شاليش أن النقد حين يكون إيجابيا وبنّاء فهو ليس جرما بل حاجة وأنه أحد مبادئ حزب “البعث”، لكن يجب التفريق بين النقد وبين التشهير الذي لا يستند إلى مصداقية أو معلومات وإن كان كذلك فهو يتضمن قدحا أو إساءة لأشخاص معينين.
وأثارت الإجراءات الأخيرة من قبل الأجهزة الأمنية مخاوف الصحافيين السوريين عموما وخاصة المستقلين أو المتعاونين مع مواقع وصحف عربية وأجنبية سواء بأسمائهم الحقيقية أو المستعارة، فالتهمة القانونية الجديدة “مواقع مشبوهة” تثير الذعر وتفتح بابا جديدا لخنق حرية الصحافة والتضييق على الصحافيين من غير العاملين في الوسط الصحافي الرسمي والحكومي، رغم أنه لا يوجد قانون في سوريا يحدد ماهية هذه المواقع الإلكترونية المشبوهة.
والمفارقة أن شاليش اعتبر أن تحديد الصفحات المشبوهة بالاسم شبه مستحيل نظرا لسهولة إنشاء موقع أو صفحة جديدة، واضعا مسؤولية تحديدها على الأشخاص، وهو ما يعني أن أي تفاعل مع إحدى الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ولو عن طريق الخطأ قد يتسبب لصاحبه بالمساءلة القانونية والسجن.
وبحسب تفسيرات القانون الواسعة، فإن إفشاء أسرار حكومية أو معلومات تخص الوظيفة العامة يعد جرما، وحتى إعطاء معلومات شخصية لصفحات مشبوهة يعرّض الشخص للخطر.
وتشمل الشبهة الصفحات التي من المعروف أنها تعود لأشخاص مقيمين في الخارج ولديهم أجندات معروفة ومن المعروف من يحركهم ويطلبون التواصل مع المستخدمين، بحسب شاليش، مشيرا إلى أن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق من يستخدم الشبكة لمعرفة المواقع المشبوهة.
ولفت إلى أهمية الحفاظ على الخصوصية لتجنب الوقوع ضحية للابتزاز، معتبرا أن الضحايا في هذه الحالات يتحملون جزءا من المسؤولية ورغم ذلك يبقى الابتزاز جرما يلاحق عليه المرتكِب، مبينا أن المبتَز حين يحصل على المعلومات عبر الاختراق “التهكير” فإنه يرتكب جرمين الأول نصّ عليه قانون “الجرائم الإلكترونية” وهو “الاختراق” والآخر هو التهديد أو الابتزاز الإلكتروني، داعيا إلى عدم التردد في الشكوى بحال التعرض لابتزاز وتهديد.

وأثارت التصريحات جدلا واسعا في الوسط الصحافي السوري باعتبارها بمثابة إنذار للصحافيين بعدم التطرق إلى الأوضاع سواء في وسائل الإعلام أو على صفحاتهم الشخصية، وقد تعرض عدد من الناشطين والصحافيين في وقت سابق للتوقيف بسبب منشوراتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتهمة مخالفة نصوص قانون “جرائم المعلوماتية”.
وحظي هؤلاء المعتقلين بعفو عام قبيل الانتخابات الرئاسية السورية في مايو الماضي، حيث أطلقت السلطات سراح أكثر من 400 من الموظفين والقضاة والمحامين والصحافيين الذين احتجزتهم هذا العام بموجب قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، في خطوة اعتبرها نشطاء حقوقيون أنها تستهدف كسب الرأي العام قبل الانتخابات الرئاسية.
وقالت سارة الكيّالي الباحثة المختصة بشؤون سوريا في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان “التوقيت الملائم للإفراج عن معسكر موال معتدل قبل الانتخابات… هو خلق معارضة ظاهرية لجعل الانتخابات تبدو ذات مصداقية”.

وشهدت سوريا زيادة في عدد الاعتقالات بسبب الأنشطة على الإنترنت في الأشهر الأخيرة، وذلك من أجل إسكات السخط العام المرتبط بالأزمة الاقتصادية في سوريا. فاقتصاد البلاد ينهار تحت وطأة الحرب والعقوبات وكوفيد – 19، لكن الانتقاد العلني لتدهور الأوضاع المعيشية أمر غير مقبول.

Thumbnail

واعتقلت قوات الأمن معظم هؤلاء بسبب منشورات عبر الإنترنت تتراوح بين التفاعل بإبداء “إعجاب” على تعليق على فيسبوك يأسى للمصاعب المتزايدة وينتقد الحكومة وتصريحات تنتقد فساد الدولة.

وأكد رئيس اتحاد الصحافيين السوريين موسى عبدالنور في وقت سابق أن الصحافيين احتُجزوا بسبب تعليقاتهم على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ليس بموجب قانون آخر يحظر من الناحية الفنية اعتقال الصحافيين.

وكانت وزارة الداخلية قد حذرت في يناير الماضي من أن منتهكي قانون الجرائم الإلكترونية، وهو الذي يجرم التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي بكونها تقوض سلطة الدولة، سيواجهون عقوبة بالسجن تصل إلى ستة شهور على الأقل. وقالت الوزارة إنها ستلاحق من قاموا بتسريب أخبار كاذبة إلى جهات تعمل على التزييف وزرع الفوضى في الرأي العام.

ومن بين المفرج عنهم هالة الجرف وهي مذيعة بارزة في التلفزيون الحكومي، وفريال جهجاه وهي موظفة مدنية تدير وكالة تفتيش حكومية، وكنان وقّاف وهو صحافي محلي بارز في اللاذقية، حسبما ذكر أفراد من الأسرة.

وقال وقاف في منشور بعد وصوله منزله “سأبقى منكم. معكم. صوتكم الذي يؤمن بأن الحقيقة أسمى العقائد. إليك… أيها الفساد: هل تظن أنك نلت من عزيمتي؟ أخفتني مثلا؟ أنت لم تخف حذائي حتى”.

ومعظم من جرى إطلاق سراحهم لم توجه إليهم اتهامات أو يحاكموا رسميا، وذلك حسبما أفاد اثنان من المفرج عنهم طلبا عدم الإفصاح عن اسميهما بعد تحذيرهما من الحديث علنا.

وفي مارس 2018 كشفت الحكومة السورية عن تفاصيل قانون يعاقب على الجريمة المعلوماتية، وأحدثت في سبيل ذلك محاكم خاصة وعيّنت 85 قاضيا للنظر بتلك الجرائم، بعد توقيف مرتكبيها لدى فرع الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية. وفي مطلع فبراير 2019 أعلنت وزارة الاتصالات فرض عقوبة بالسجن وغرامة مالية على الشخص الذي يسرق منشورات عبر فيسبوك وينسبها إلى نفسه دون الإشارة إلى الناشر.

18