تمرير تعويم الجنيه يثير تساؤلات حول مستقبل الحكومة المصرية

شكلت الإنجازات التي تحققت في الأيام الأخيرة، ولاسيما المتعلقة ببعض الاستثمارات الكبرى، متنفسا للحكومة المصرية قد يقود إلى بقائها لفترة أطول، لكن معارضين يرون أن حكومة مصطفى مدبولي فقدت الثقة وأن هناك حاجة إلى حكومة جديدة تواكب عملية الإصلاح الاقتصادي الجارية.
القاهرة - اتخذ الحديث عن إقالة أو استقالة الحكومة المصرية عدة مناح بين البقاء والرحيل. وكانت دوائر شبه رسمية أشارت في السابق إلى أن إدخال تعديلات على تركيبتها، أو تغييرها بالكامل، سيحدث عقب تمرير قرارات اقتصادية صعبة. وبالتزامن مع تعويم الجنيه المصري قبل أيام عاد الحديث عن مستقبل حكومة مصطفى مدبولي.
وأعاد بعض النواب من المستقلين والمحسوبين على المعارضة التذكير بأخطاء ارتكبتها الحكومة المشكلة منذ ستة أعوام، وتم تعديل عدد من وزرائها مرتين، وتساءل هؤلاء عن أسباب بقائها بعد حديث تواتر حول إمكانية مواصلة دورها عقب الإعلان عن إبرام صفقات استثمارية، أبرزها صفقة رأس الحكمة مع دولة الإمارات، والحفاظ على الاستقرار التنفيذي الذي يضمن سهولة تنفيذ الصفقات.
ووافق البرلمان المصري السبت على مواد مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون المالية العامة، يقضي بأن يضع رئيس الحكومة سنويًا حداً أقصى لقيمة دين الحكومة العامة، يتضمن دين أجهزة الموازنة العامة للدولة، والهيئات العامة الاقتصادية، في محاولة ترمي إلى ضبط توجهاتها تجاه الاستدانة المحلية.
ووجه ضياء الدين داوود عضو مجلس النواب (معارض) انتقادات للحكومة، ورأى أنها “باقية رغمًا عن إرادة البرلمان وتنفيذًا لما اعتبره أوامر صندوق النقد الدولي”.
وحمل داوود الحكومة مسؤولية معاناة المصريين قائلا “توقع البرلمان وكل نائب رحيلها، لكنها باقية، رغم أنها عجزت عن تنفيذ ما تعهدت به من موازنة البرامج والأداء”.
ومضى الحديث حول إقالة الحكومة بمصر في اتجاهين متعارضين، أحدهما يرى أن رحيلها مطلوب للتأكيد على أن هناك مرحلة جديدة تتضمن إجراءات رشيدة في التعامل مع تدفق العملة الأجنبية عبر الاستثمارات المختلفة.
ويعتقد الآخر أن البقاء، أو التعديل البسيط، هو الإجراء الأفضل لأنها توافقت مع جهات دولية على خارطة طريق للإصلاح الاقتصادي، وستكون الأكثر قدرة على تنفيذها بما لديها من دراسات وخطط وضعتها للتعامل مع الأوضاع الراهنة.
ولم تعد إقالة الحكومة ترفا في نظر بعض الدوائر السياسية، لأن جزءا من الإرث السلبي الذي تركته في أذهان الكثير من المصريين سيبقى حاضرا، وإن حاولت تحسين أوضاعهم المعيشية نسبيا، وسوف تواجه اتهامات بالإخفاق والتقصير بحجة أنها أوقعتهم في موجات مستمرة من التضخم، ما يتطلب الاستعانة بمجموعة اقتصادية تتحدث مع الرأي العام بالمزيد من الشفافية والوضوح وتضع خطة عملها أمام البرلمان.
وقالت النائبة مها عبدالناصر، وهي من أبرز معارضي الحكومة في البرلمان، إن بعض القوى السياسية طالبت بإقالة الحكومة منذ سنوات، ومارست ضغوطا كي يدفع مجلس النواب نحو سحب الثقة منها دون استجابة، وفي غياب أي مؤشرات يمكن أن تشير إلى قرب رحيلها، وقد تكون صفقة رأس الحكمة منحت روحا جديدة للتعبير عن نجاحها في ملف مهم يرتبط بجذب الاستثمارات الأجنبية.
وأوضحت عبدالناصر في تصريح لـ”العرب” أن “رؤية النواب المستقلين والمعارضين، وهم أقلية، ترى ضرورة رحيل الحكومة والاستعانة بأخرى لديها أفكار تساهم في توظيف الفرص الحالية بالشكل الجيد، ما يدعم الاستقرار السياسي”، لافتة إلى أن إدخال تعديلات طفيفة قد لا يكون أمراً إيجابيًا.
وقد تستفيد حكومة مدبولي سياسيًا نتيجة حالة الاستقرار المتوقع في الأسواق خلال الأيام المقبلة، بفعل السيولة الدولارية الجديدة، لكنها قد تواجه موجات من الرفض والاعتراض إذا لم تتمكن من تحسين الأوضاع على المدى القريب، ما يدفع إلى إرجاء تعديلات في ظل رؤية دوائر رسمية تقر بأنها تسير وفقًا لمعطيات التطورات الإقليمية المتوترة وتأثيراتها على الأوضاع في الداخل المصري.
وعوّل البعض من السياسيين على تقديم الحكومة استقالتها في نهاية المدة الدستورية للرئيس عبدالفتاح السيسي بنهاية مارس الجاري، غير أن التفسيرات التي جاءت من قانونيين ذهبت باتجاه التأكيد على أن الحكومة ليست ملزمة بذلك.
ومن المقرر أن يؤدي الرئيس السيسي اليمين الدستورية لفترة رئاسية ثالثة في الثاني من أبريل المقبل، بمقر مجلس النواب المصري الجديد في العاصمة الإدارية (شرق القاهرة)، وهو ما توافقت عليه اللجنة العامة للبرلمان في جلسة الأحد الماضي.
وأكد نائب رئيس الحزب الديمقراطي المصري الاجتماعي إيهاب الخراط أن التنبؤ بمستقبل الحكومة عملية صعبة سياسيا، وأن عدم الاستجابة للكثير من المطالبات بإقالتها يبرهن على أن القرار له أبعاد قد لا يعرفها الكثير من نواب البرلمان، فالواقع يشير إلى أن لحظة التغيير قد مرت، ويمكن تجاوز القيام بتعديل جذري عليها بعد إتمام بعض الصفقات الاستثمارية أخيرا، وحدوث تفاؤل بتحسن الأوضاع الاقتصادية.
وأضاف الخراط في تصريح لـ”العرب” أن الاقتصاد المصري يواجه أزمة كبيرة، والصفقات الواعدة ليست مسكنات، لكنها فرصة قد تضيع حال لم تتخذ الحكومة خطوات واضحة نحو تشجيع الاستثمار في مجالات مثل الصناعة والزراعة، وتمرير عملية تخارج الدولة من الاقتصاد، والتوقف عن تنفيذ مشروعات ضخمة عوائدها بعيدة المدى.
وأشار الخراط إلى أن بعض المشكلات لا ترتبط بأشخاص الوزراء، لأن الهيئات الخدمية المهمة مثل التعليم والصحة بحاجة إلى إصلاح هيكلي، وهو أمر لا يحدث إلا مع توافر إرادة سياسية وموازنات مالية هائلة، ومن دون ذلك فأي وزير لن يستطيع إحداث التغيير المنشود، ملمحا إلى التناقض بين الأفكار الاشتراكية والرأسمالية التي تعمل بموجبها بعض المؤسسات الحكومية، ما يساهم في شيوع التخبط الذي تعاني منه وزارات وصعوبة تحديد البوصلة الاقتصادية.
ولدى البعض من السياسيين قناعة بأن تغيير الأسماء لن يكون فاعلاً في غياب تغيير المنهج الذي تعمل به الحكومة وعلى أساسه تضع خططها وتوجهاتها، وهو أمر يقنع خبراء يرون أن الحكومة يقتصر حضورها على الجوانب التنفيذية، ما يجعل مسألة الضغط باتجاه إقالتها فورا يتراجع تدريجيا، خاصة مع مساعيها نحو التأكيد على تحسن الأوضاع المعيشية في غضون فترة وجيزة.