تل الفخارين بآسفي.. قلعة الخزف في المغرب

آسفي (المغرب) – يسعى تل الفخارين بآسفي، الذي احتفى مؤخرا بالذكرى المئوية لتصنيفه “تراثا وطنيا”، إلى أن يكون فضاء ضاربا في التاريخ لما لعبه من أدوار لا يمكن تجاهلها في تعزيز واستدامة حرفة ذات حمولة معرفية وفنية، ويتعلق الأمر بصناعة الخزف.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، لعبت هذه القرية الحرفية الواقعة شمال آسفي، وتحديدا بالمدينة العتيقة بين سورين تاريخيين أحدهما شيّده الموحدون في القرن الـ13، والآخر بناه البرتغاليون في بداية القرن الـ16، دورا مهمّا في المحافظة على صناعة الخزف عبر تجميع في فضاء واحد، ورشات مخصصة فقط للخزف.
ويضم هذا الفضاء الحرفي، المنظم بدقة متناهية وكأنه “خلية نحل” أكثر من 500 صانع خزفي وحرفيين مساعدين، موزعين على نحو 42 ورشة مجهزة بـ50 فرنا تقليديا و28 فرنا غازيا.
وتمكن جولة استكشافية في هذا المكان الساحر ذي الأهمية التاريخية والتراثية لا يمكن تجاهلها، السياح والزوار من التوقف لحظة للتعرف على مختلف مراحل ما تصنعه أنامل الحرفيين من مواد ومنتجات فخارية.
وفي أسفل هذا المزار الجاذب بآسفي، تصطف محلات تعرض أشهر المنتجات الفخارية في المنطقة. وبمجرد ما يقصد الزائر هذا الفضاء قصد الاستمتاع والتأمل في قيمة عمل الصناع الحرفيين، يجد نفسه تائها في قلب سلسلة من المنتجات والمعدات الفخارية من أحواض طينية تنتشر هنا وهناك، وأدوات للتجفيف والتزيين ومنتجات للطهي وغيرها من المصنوعات.
ولعل هذه الرحلة إلى تل الفخارين بآسفي تشكل أيضا فرصة لاستكشاف أكشاك، يتنافس أصحابها في ما بينهم لجذب أكبر عدد من الزوار والسياح.
ولذلك، فإن هذا التل يشكل سوقا حقيقيا بمجموعة من المواد والمنتجات الفخارية من مختلف الأشكال والأحجام، ما يجعل الزائر حائرا في الاختيار بينها من حيث وفرة الألوان وجودة المنتجات.
ويجد عشاق روائع الأعمال الخزفية بتل الفخارين، هامشا من الاختيار وبأسعار مناسبة دون إغفال القيام بزيارة خاطفة إلى المدينة العتيقة القريبة من هذا التل.
ومن بين أكثر الورشات زيارة، تلك التي تعود إلى مولاي أحمد السرغيني أحد كبار معلمي الخزف، الذي ساهم في إبراز اسم منطقة آسفي وتل الفخارين الذي يحتضن أيضا، مطاعم تقدم أطباقا لذيذة منها “الطاجين” الشهير المعد بكريات السردين، وهو أحد أشهر المأكولات بآسفي.
وأكد محافظ المتحف الوطني للخزف هشام شمسي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن مجمع الفخارين بهذا الموقع المرتبط تاريخيا بفن الخزف، يتيح فضاء حقيقيا لتبادل الخبرات بين الحرفيين الذين ورثوا معرفة الأجداد من الأب حتى الابن.
وذكر في نفس السياق أنه تم تصنيف هذا الموقع “تراثا وطنيا”، موضحا أن تصنيف هذا الموقع كـ”معلم تاريخي وموقع ذي طبيعة فنية وجاذبة”، ساهم بشكل كبير في حماية تل الفخارين والأماكن المحيطة بهذا الموقع من أي تغيير في طابعها الأصيل.
وأبرز أن ورشات الخزف ما فتئت تتزايد بعد إحداث مدرسة للخزف عام 1920، مما مكن من ترسيخ هذه المهنة في الذاكرة الجماعية لسكان آسفي، وجعل مدينة المحيط “عاصمة جديدة للفخار في المغرب”.
ومكن هذا التصنيف أيضا من الحفاظ على الطابع الأصلي للورشات الحرفية البالغ عددها حاليا 43 ورشة للخزف والفخار، بالإضافة إلى أنه مهّد لإنشاء أول مدرسة للخزف في المغرب من طرف المعلم بوجمعة العملي.
ويبقى الهدف من إحداث هذه المدرسة هو تكوين نخبة من الأساتذة الحرفيين، حيث كانت مهمتهم تتمثل في نقل المعرفة عبر الأجيال وتجديد واستدامة هذا النشاط بتل الفخارين.
وأشار شمسي إلى أنه تم تنظيم حفل للاحتفاء بالذكرى المئوية لهذا التصنيف في المتحف الوطني للخزف، وذلك من خلال تنظيم معرض مؤقت، مبرزا أن هذا الحدث تميز بتخصيص جناح لمدرسة الخزف المحدثة عام 1920 تاريخ تصنيف تل الفخارين “تراثا وطنيا”.
ومن جهته، أكد المدير الإقليمي للصناعة التقليدية بآسفي، يوسف ناويس، أن تل الفخارين استفاد من عدد من المشاريع المتعلقة بتهيئة وإعادة تأهيل ورشات وأفران كانت مهدمة، وذلك من أجل الحفاظ على الطابع الأصيل لهذا الموقع، مشيدا بالجهود التي تبذلها السلطات الإقليمية وكافة المتدخلين بهدف تثمين هذا الموقع.
وأكد في هذا السياق أن الحرفيين استفادوا أيضا من دعم يروم تحويل أفرانهم التقليدية شديدة التلوث إلى أفران غازية، بالإضافة إلى دعم آخر على مستوى المواد الخام المستعملة في صناعة الفخار وأيضا على مستوى التسويق من خلال المشاركة في معارض الصناعة التقليدية المحلية والدولية.
وفي تصريح مماثل تطرق المعلم عبدالله إلى تداعيات الأزمة الصحية الناجمة عن وباء كورونا على القطاع، مشيرا إلى أن جميع الحرفيين بآسفي يحاولون بشكل يومي الابتكار، لأن “الخزف المسفيوي” يعد علامة يتعيّن الدفاع عنها.