تلويح قطر بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل وحماس احتجاج أكثر منه تهديدا فعليا

لم يأخذ محللون تلويح قطر بالانسحاب من الوساطة بين حماس وإسرائيل على محمل الجد وصنفوه ضمن خانة الضغوط على الإدارة الأميركية لتبني موقف رسمي بعد اكتفائها بالصمت تجاه الاتهامات بدعم الإرهاب التي تواجهها الدوحة.
الدوحة - يرى محللون أن تلويح قطر بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل وحماس على إثر الحملة التي تتعرض لها في إسرائيل وداخل الولايات المتحدة من قبل اللوبي اليهودي المؤثر في سياسات واشنطن لا يعدو أن يكون مجرد تسجيل موقف أكثر منه تهديدا فعليا.
ويشير المحللون إلى أن تواصل الدوحة مع قادة حماس من بين أدوات القوة الناعمة التي تسمح للإمارة الخليجية الصغيرة بالمحافظة على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة (من باب تقديم الخدمات) والبرهنة على أنها شريك إستراتيجي لا غنى عنه في المنطقة.
ويستبعد المحللون أن تتخلى الدوحة عن هذا الدور (رجل مطافئ) الذي جهدت سنوات لبنائه بمجرد تعرضها لانتقادات واتهامات إسرائيلية بدعم الإرهاب.
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر مع شن حماس هجوما غير مسبوق على إسرائيل التي ردت بحملة قصف مدمرة وعمليات برية واسعة النطاق، أدت قطر التي تستضيف رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، دورا محوريا في المفاوضات إلى جانب الولايات المتحدة ومصر.
ونجحت الإمارة الخليجية التي تؤوي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، في انتزاع هدنة لأسبوع في أواخر نوفمبر، أتاحت إطلاق سراح حوالي مئة رهينة من أصل 250 شخصا خطفوا من جنوب إسرائيل خلال هجوم حماس، مقابل إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. غير أن كل المساعي لإحلال هدنة ثانية فشلت منذ ذلك الحين.
وإزاء الانتقادات الصادرة بصورة خاصة عن إسرائيل، أعلن رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الأربعاء أن الدوحة “تقوم بعملية تقييم شامل لدور” الوساطة الذي تقوم به.
ورفضت قطر مرارا انتقادات إسرائيلية ولاسيما من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما حملت السفارة القطرية في واشنطن الثلاثاء على تصريحات للنائب الديمقراطي الأميركي ستيني هوير دعا فيها الولايات المتحدة إلى مراجعة علاقاتها مع قطر، متهما الإمارة بعدم ممارسة ضغوط كافية على حماس للتوصل إلى إطلاق سراح الرهائن.
وندد الشيخ محمد بـ”استغلال وإساءة مرفوضة” وبـ”مزايدات سياسية من بعض السياسيين من أجل حملاتهم الانتخابية من خلال الإساءة لدور قطر”، مؤكدا أن قطر “ستأخذ القرار المناسب في الوقت المناسب” بشأن مواصلة جهود الوساطة أو وقفها.
ويرى جيمس دورسي الباحث في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية أن قطر تسعى من موقفها “للردّ” على الانتقادات ولا “تنوي جديا التخلي عن دورها كوسيط”، وهو دور يعتبر “من الركائز الأساسية لسياسة القوة الناعمة التي يعتمدها البلد”.
ويقول دورسي إن قطر أرادت أن تستهدف بصورة رئيسية “إسرائيل وبنيامين نتنياهو وأنصاره في الكونغرس الأميركي”، لكنها أرادت أيضا “الضغط على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لحضها على الدفاع عن قطر”.
ولفت أندرياس كريغ، خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية كينغز كولدج في لندن، إلى أن الدوحة لعبت “دورا حاسما” لانتزاع الهدنة في نوفمبر، وهي “مستاءة لعدم اعتراف الجميع وخصوصا إسرائيل بذلك”، غير أنه من المستبعد برأيه أن “تنسحب من جهود الوساطة” بعدما “استأثرت بالعلاقة” مع حماس.
وقتل 1170 شخصا غالبيتهم مدنيون في هجوم حماس على إسرائيل وفق بيانات رسمية إسرائيلية.
ومن أصل المخطوفين الـ250، ما زال 129 رهينة محتجزين في غزة، قضى 34 منهم وفقا لمسؤولين إسرائيليين.
وفي المقابل، أدى القصف الإسرائيلي والهجمات البرية في قطاع غزة إلى سقوط 33970 قتيلا غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في حكومة حماس.
وباتت قطر قناة التواصل الرئيسية مع حماس التي تقيم مكتبها السياسي في الدوحة منذ 2012.
وقال أندرياس كريغ إن قطر “لا غنى عنها” في جهود الوساطة لأن المصريين لا يملكون “إمكان التواصل” ذاته مع حماس.
وأكد دورسي أن “قطر إن انسحبت من المحادثات، فستخضع للمزيد من الضغوط لطرد حماس من أراضيها”.
وفي حال خرجت حماس من قطر، تبدو الجزائر ولبنان وإيران مقرا محتملا لقيادتها السياسية. وتساءل الخبير في حال انتقال المكتب السياسي إلى إيران، “إلى من سيتوجه الأميركيون والإسرائيليون للوصول إلى حماس؟”. ورأى أن تركيا التي يزورها هنية في نهاية الأسبوع قد تؤدي أيضا دور وساطة.
وتتبادل إسرائيل وحماس الاتهامات بإحباط اقتراح طرحه الوسطاء ينص على هدنة من ستة أسابيع وعلى إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني في السجون الإسرائيلية.
وتطالب حماس بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة والسماح بعودة النازحين وزيادة تدفق المساعدات.
واتهم جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) حماس بأنها “لا تريد اتفاقا إنسانيا ولا عودة الرهائن”.
إقرأ أيضا
ويشعر القطريون بأنهم باتوا في وضع صعب في ظل اتهامهم برعاية حركة حماس ودعمها وعدم الضغط عليها، وهو ما يجعلهم في مرمى العقوبات الأميركية، وقد يدفع إلى إعادة فتح ملف علاقات الدوحة مع الحركات الإسلامية المصنفة أميركيا كجماعات إرهابية مثل حماس.
وطلب الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس الأميركي من إدارة بايدن الضغط على قطر، مرددين انتقادات نتنياهو وإحباط القادة اليهود في الولايات المتحدة. كما دعا المشرعون إلى طرد حماس من الإمارة.
واتفقت الولايات المتحدة مع قطر خلال شهر أكتوبر على إعادة النظر في علاقة الدولة الخليجية مع حماس بمجرد إطلاق سراح جميع الرهائن.
وترك المسؤولون من كلا البلدين الباب مفتوحا حول ما إذا كانت المراجعة ستؤدي إلى طرد ممثلي حماس أو إلى فرض قيود على قدرتهم على العمل من الإمارة الخليجية.
ومن المرجح أن تعتمد المراجعة على ما إذا كانت حماس ستنجو من حرب غزة. وقد يعني بقاء حماس أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستحتاجان إلى إبقاء قناة خلفية.
لكن الانتقادات تهدد بإحداث تأثير في العلاقات القطرية مع الجالية اليهودية الأميركية، وهي ركيزة لإستراتيجية ناجحة للقوة الناعمة في الولايات المتحدة.
لكن تحميل حماس مسؤولية التعطيل لن يحول دون التعامل مع قطر كداعم لها ومطالبتها بطرد قادة الحركة، وهو ما جاء على لسان رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب جيمس كومر، الذي قال إن الدوحة تدفع لحركة حماس 30 مليون دولار شهريا منذ عام 2018.