تكنولوجيا لا تنتظر من لا يواكب تقنياتها وخفاياها

تقنية البلوك شين الناشئة تبشر بمستقبل واعد في مجموعة واسعة في قطاع المال والأعمال، إذ سيتحرَّر الكثير من الأشخاص من وساطة البنوك وتكاليفها العالية، وفي المقابل ستستفيد بعض البنوك من ذلك الأثر في تحسين دقَّة أدائها وتقليل التكاليف، إضافةً إلى ذلك فإنَّ لهذه التقنية منافع جمَّة، أبرزها أنَّها ستضمن للأفراد تسجيل ملكيات الأراضي والعقارات، وعدم التحايل فيها حتى في حالات الحروب، كما ستُساهم بشكل كبير في العديد من القطاعات الخدميَّة الأخرى كالرعاية الصحيَّة والمؤسسات التعليميَّة والانتخابات البلديَّة، وستنعش التبادل التجاري عبر الشبكة الإلكترونيَّة لكافة الطبقات الاجتماعيَّة. لكن ما زلنا في المراحل المبكرة للغاية من محاولة معرفة كيفية أفضل تطبيق لهذه التقنية
كيبيك - نعيش الآن في عام 2018، حيث يقع الناس تحت تأثير التكنولوجيا وجديدها المتجدد كل يوم، منها تقنية البلوك شين، وهي المنصة التي تعمل على إنجاز المعاملات المالية المشفرة والتي بدأت الآن في التوسع إلى ما وراء ذلك لتشمل تطبيقات مفيدة وغريبة على حد السواء.
فكّر في البلوك شين على أنها قائمة موسعة من السجلات، يوثق كل سجل أي صفقة مالية تحدث بين طرفين. على سبيل المثال، تعطي ماري لبول ثلاثة دولارات مقابل خمس تفاحات. وتكون هذه المعاملات غالبا مرئية ومعروفة لكل المشتركين في البلوك شين.
يتم تخزين بيانات دفتر المعاملات هذه عبر أجهزة كمبيوتر جميع المستخدمين، دون وجود أي سلطة مركزية تتوسط أو تتحكم في هذه المعاملات. وهنا يأتي مصطلح “تعدين العملات المشفرة” الذي يعني القيام بعمليات حسابية معقدة للتحقق من كل معاملة مشفرة حدثت بين أي طرفين.
ويرى متخصصو البلوك شين أن هذه التقنية لديها بالفعل القدرة على تغيير العالم، لكن حتى الآن هناك الكثير من المهارات التي لا تتقنها حتى وقتنا الراهن.
ففي الواقع، قد تكون فكرة سيئة حقا أن يتجه المجتمع كله إلى استخدام البلوك شين، ولكن في نفس الوقت يجب علينا الاعتراف بأن تقنية البلوك شين تتمتع بالكثير من المزايا من خلال الطرق التقليدية التي نخزّن بها البيانات.
فالبلوك تشين تتسم بالشفافية، إذ أن جميع المعاملات تتم على مرأى من الجميع، ولا يوجد أي وسطاء ممن يستطيعون التحكم في مثل هذا النوع من المعاملات المالية، مثل المؤسسات المصرفية أو غيرها من السلطات المركزية، حيث يتم التواصل بين الموردين والزبائن بشكل مباشر. هذا لا يجعل استخدام البلوك شين أكثر وضوحا في الاستخدام فحسب، بل يجعل أيضا كل مستخدم لهذه التقنية مسؤولاً عن أفعاله، لا سيما أنه لا يستطيع القيام بمعاملات مالية في الظل أو خداع الجمهور.
ومن مميزات البلوك شين أيضا أن هذه المعاملات تتم دون الكشف عن الهوية، حيث يمكن لأي شخص إنشاء عنوانه الخاص على شبكة البلوك شين، التي على الرغم من أنها لا تكون مجهولة بالمعنى الحقيقي، إلا أن عنوان المستخدم يمكن أن يحمل اسما مستعارا لا علاقة له بالهوية الحقيقية.
وتتكون تقنية البلوك شين من مجموعة من العقد التي تعمل على توثيق كل معاملة جديدة، وهذا من شأنه أن يجعل المعاملات المصرفية أكثر أمانا، فمن مصلحة الجميع أن يروا كل المعاملات تحدث أمام أعينهم، حيث أن مجرد معاملة واحدة لا يتم التحقق منها من الممكن أن تقوض شرعية تقنية البلوك شين برمّتها.
لتقنية البلوك شين بعض الجوانب السيئة والمخاطر التي يمكن للمستخدم أن يتعرض لها؛ من ذلك قوانين الخصوصية
ولا تقتصر استخدامات البلوك شين على المعاملات المالية المشفرة فحسب، وإنما يمكن استخدامها في المجال العقاري أيضا (الحقيقي والافتراضي)، وفي عملية إيصال الطرود، وفي الهواتف الذكية، وفي الانتخابات، وفي الكثير من الأشياء التي نستطيع تخيلها أو حتى التي لا نستطيع تخيلها.
وعلى الرغم من نجاح تقنية البلوك شين إلا أن لها بعض الجوانب السيئة والمخاطر التي يمكن للمستخدم أن يتعرض لها؛ من ذلك قوانين الخصوصية، حيث يتم تغيير وتعديل قوانين خصوصية بيانات المستخدمين بحسب التكنولوجيا المتاحة في الأسواق.
وفي الآونة الأخيرة أصدر الاتحاد الأوروبي قائمة اللوائح العامة لحماية البيانات. وكما تشير صحيفة وول ستريت جورنال، فإن شبكات البلوك شين التي تتخطى الهيئات التشريعية المختلفة (مثل حكومات الدول المختلفة) قد تجعل هذه القوانين مستحيلة التنفيذ.وهذا يمكن أن يعرض بيانات المستخدم لخطر سوء الاستخدام إذا انتهى بها الأمر في دولة ما ذات قوانين خاصة تجعل هذه البيانات أكثر عرضة للخطر؛ فعلى سبيل المثال قد لا تتوافق شبكات البلوك شين في الولايات المتحدة والتي تحتفظ ببيانات مواطني الاتحاد الأوروبي مع قائمة اللوائح العامة لحماية البيانات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي.
ذلك أن الأساليب التقليدية لتخزين البيانات -مثل تخزين بيانات المستخدم المشفرة في الخوادم الخاصة- يمكن تحجيمها ونقلها وتعديلها لتتناسب مع مختلف التشريعات المتعلقة بالخصوصية في مختلف الدول. لذلك يمكن إجراء بعض التعديلات على سياسة حماية البلوك شين التي يستطيع من خلالها مثلا مواطنو الاتحاد الأوروبي أن يحصلوا على حماية عالية لبياناتهم، بغض النظر عن مكان وكيفية تخزين بياناتهم، ولكن هذا النوع من التكنولوجيا لا يزال في مراحله المبكرة.
ويمكن أن يكون من الصعب ربط العالم الحقيقي المادي برموز أو سجلات أو عناوين مجردة؛ ولربط التمثيل الرقمي المجرد إلى كائن أو شخص ما يجب عليك العثور على طريقة موثوق بها للقيام بذلك، مثل استخدام رموز “كيو آر. كودز” أو علامات “آر.أف.آي.دي”. ويجب أن تكون هناك أنظمة موثوق بها تعمل على إتمام هذه المعاملات، حيث أن الاعتماد الكلي على الأشخاص في تسجيل المعاملات من الممكن أن يعرض تقنية البلوك شين بالكامل إلى الخطر.
وكانت الحكومات في جميع أنحاء العالم تعاني من اختراق لبيانات مستخدميها بسبب ضعف سياسة التحقق من الهوية، كما أن تقنية البلوك شين لم تعالج المشكلة من جذورها، لكن لا يزال هناك بعض الأمل. فمن خلال تطور تقنية البلوك شين ستظهر أنواع جديدة من الوسطاء الذين من الممكن أن يستغلوا هذه الثغرات الصغيرة، كالاحتفاظ بالسجلات الرقمية متزامنة مع سجلات نظرائهم في وضع عدم الاتصال، ويحولوها إلى فرص عمل حقيقية، بحسب مقال نشر مؤخراً في “هارفارد بيونس ريفيو”.
ويستهلك تعدين العملات الرقمية المزيد من الطاقة التي من الممكن أن ترهق البيئة في جميع أنحاء العالم. إن امتلاك جيش من أجهزة الكمبيوتر لحل مشاكل بالغة التعقيد يزيد التحميل على الشبكة الكهربائية وهو ما ينتج عنه الكثير من الحرارة؛ ففي مناطق كثيرة من العالم لا يزال إنتاج الطاقة معتمدا على الكثير من الأساليب الضارة، مثل حرق الفحم أو الوقود الأحفوري. لذا فإن استخدام المزيد من الطاقة من أجل تعدين العملات الرقمية يعني إنتاج الكثير من المشتقات الثانوية الأكثر ضررا بالبيئة.
واكتشف القراصنة جميع أنواع الطرق للاستفادة من عملية تعدين العملات الرقمية، بما في ذلك الاستيلاء على قوة معالجة الهاتف الذكي الخاص بالمستخدم من خلال متصفح الويب الخاص به لتدمير العملات الرقمية. وحتى أجهزة إنترنت الأشياء العادية مثل أجهزة المطبخ الذكية معرضة لهذا النوع من الاختراق. وبمجرد تثبيت الفيروسات والبرامج الضارة على أجهزة الأشخاص الآخرين، يمكن للقراصنة التحكم بشكل غير مسبوق، مما قد يهدد الأمن السيبراني بشكل عام.
هذه ليست نهاية الطريق بالنسة إلى تقنية البلوك شين، فنحن ما زلنا في المراحل المبكرة للغاية من محاولة معرفة كيفية أفضل تطبيق لهذه التقنية. وبالفعل هناك العديد من الطرق الإبداعية التي شرعت الشركات في استخدامها مع البعض من هذه القضايا، بدءاً من ربط السجلات الطبية على البلوك شين إلى استخدام العلامات البيومترية إلى حل مشكلة التحقق من هوية المستخدم، أو إنشاء أنماط أكثر استدامة لتعدين العملات الرقمية.