تكتيكات روسيا في أفريقيا تزيد هشاشة الأنظمة التي تحميها

موسكو أثبتت أنها شريك أمني غير موثوق به، خاصة بسبب تكتيكاتها المتطرفة ولكن غير الفعالة في مكافحة الإرهاب.
الثلاثاء 2024/08/20
دعم الانقلابيين يحقق مكاسب لروسيا

باماكو - تستغل روسيا الانقلابات الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لترسيخ وجودها في منطقة الساحل. لكن تكتيكاتها العشوائية في مكافحة الإرهاب تعود بكلفة على قواتها والأنظمة التي تحميها.

وهيأت الحكومات الضعيفة والفاسدة، التي تمتلك موارد محدودة وتواجه تمردات نشطة، للمجلس العسكري ظروف الاستيلاء على السلطة في بوركينا فاسو ومالي، ومؤخرًا في النيجر.

وألقت جيوش المنطقة اللوم في أعمال العنف المستمرة على القادة المدنيين والقوات الأجنبية، وخاصة فرنسا، التي اعتبرتها غير كفؤة.

وبالإضافة إلى ذلك أدى التدخل المتصور للولايات المتحدة وفشل سياستها الخاصة بمكافحة الإرهاب في معالجة المظالم المحلية إلى تحفيز تجنيد الجماعات المتمردة مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية – ولاية الساحل.

وقد أدى التضليل الروسي -الذي يمثل، وفقًا لمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية، ما يقارب نصف حملات التضليل في غرب أفريقيا- إلى تزايد هذه الإخفاقات من خلال استهداف الولايات المتحدة واستخدام مواضيع معاداة الإمبريالية والاستعمار الجديد لتأجيج المشاعر المعادية للغرب.

الوضع المتدهور يلقي بظلال من الشك على قابلية استمرار الأنظمة التي بنت مصداقيتها على الحد من عنف الجهاديين

ويقول كايل روبرتسون، وهو مساعد باحث في برنامج “روبين فاميلي” حول السياسة العربية، في تقرير نشره معهد واشنطن إنه عند وقوع الانقلابات، طُلب من الولايات المتحدة بموجب القانون قطع المساعدات الأمنية، ما أنهى أكثر من عقد من الاستثمار في البنية التحتية الأمنية لمنطقة الساحل، ومنح روسيا فرصة في المنطقة.

وتوفر روسيا الحماية للأنظمة العسكرية في منطقة الساحل مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية ذات الأهمية الإستراتيجية مثل الذهب، ما يساعدها في التحايل على العقوبات الغربية وتمويل الحرب في أوكرانيا.

ولم يتكبد الكرملين كلفة باهظة بإرسال المتعاقدين العسكريين الخاصين إلى منطقة الساحل، ما سمح لروسيا بجني مكاسب كبيرة من استثمارات صغيرة.

وبينما نأت الولايات المتحدة ودول أخرى عن قادة المجالس العسكرية، قامت روسيا باحتضانهم. فقد أصبح السفير الروسي في مالي أول دبلوماسي أجنبي يلتقي بممثلي القادة العسكريين الذين استولوا على السلطة في أغسطس 2020. وطلبت مالي لاحقًا المساعدة من شركات عسكرية روسية خاصة لمحاربة المتمردين الإسلاميين لقاء حوالي 6 مليارات فرنك أفريقي (10.8 مليون دولار شهريًا) مقابل التدريب العسكري وتوفير الحماية لكبار المسؤولين.

وبحلول يناير 2022 أكدت السلطات المالية وجود حوالي 400 عسكري روسي، بمن في ذلك مجموعة فاغنر. وبلغ هذا الوجود ذروته إثر تخطي العدد 2000 عسكري في أوائل عام 2023، فيما تشير التقديرات الحالية إلى وجود حوالي 1000 جندي روسي.

جيوش المنطقة ألقت اللوم في أعمال العنف المستمرة على القادة المدنيين والقوات الأجنبية، وخاصة فرنسا، التي اعتبرتها غير كفؤة

وبعد أن تولى إبراهيم تراوري السلطة في بوركينا فاسو، هنأه يفغيني بريغوجين ووصفه بأنه “ابن شجاع ومخلص حقًا لوطنه الأم”. وأعلن مصدر مقرب من حكومة تراوري في عام 2023 أن بوركينا فاسو تتوقع وصول مدربين روس لتدريب الجنود على كيفية استخدام المعدات المشتراة من روسيا.

وعلى الرغم من أن تراوري نفى وجود قوات روسية أو مجموعة فاغنر، أشار إلى روسيا كحليف إستراتيجي ومورّد رئيسي للمعدات العسكرية.

وبحلول نوفمبر 2023 وصل حوالي 20 عسكريّا روسيّا إلى بوركينا فاسو، تلاهم ما يقارب 100 عسكري روسي في يناير 2024.

وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن العدد الإجمالي للأفراد العسكريين الروس يتراوح بين 200 و300، بمن في ذلك أعضاء مديرية المخابرات الرئيسية الروسية و”فيلق أفريقيا” وجنود فاغنر السابقين و”لواء الدببة”.

وكانت روسيا والنيجر تعملان على زيادة تعاونهما الأمني قبل وقت طويل من انقلاب 2023؛ فقد وقّعت روسيا في السابق مسودة اتفاقية تعاون عسكري مع النيجر ووافقت على تزويدها بـ12 مروحية هجومية من طراز “مي – 35″، لكن العلاقات الأمنية توسعت بعد أن ألغت النيجر اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في مارس الماضي عقب اجتماع اتهم فيه مسؤولون أميركيون النيجر بدراسة صفقة لبيع اليورانيوم لإيران.

وبعد مفاوضات مكثفة صدرت للجيش الأميركي أوامر تقضي بسحب أفراده من البلاد ووقف عملياته القائمة على الطائرات دون طيار في القاعدة الجوية 201 في أغاديس، والتي كلف بناؤها 110 ملايين دولار واستضافت في السابق أكثر من 1100 فرد عسكري أميركي. وفي الشهر التالي أعلنت النيجر عن وصول مدربين وأفراد عسكريين روس، عبر بعضهم ليبيا بحسب ما ورد.

روسيا توفر الحماية للأنظمة العسكرية في منطقة الساحل مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية ذات الأهمية الإستراتيجية مثل الذهب

وتمركزت القوات الروسية القادمة على مقربة من القوات الأميركية في قاعدة في نيامي، ما يشير إلى تغيير الحرس ضمن تنافس القوى العظمى الذي تشهده منطقة الساحل.

وعلى الرغم من تدفق المعدات العسكرية والأفراد أثبتت روسيا أنها شريك أمني غير موثوق به، خاصة بسبب تكتيكاتها المتطرفة ولكن غير الفعالة في مكافحة الإرهاب. فقد تورطت مجموعة فاغنر في مجزرة سقط ضحيتها مئات المدنيين في مالي خلال مارس 2022، واتهم تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش مجموعة فاغنر بتنفيذ ضربات عشوائية بطائرات دون طيار وعمليات قتل بإجراءات موجزة. لكن في عام 2023 سُجلت قرابة 11643 حالة وفاة مرتبطة بالعنف الإسلامي المتشدد في منطقة الساحل، في زيادة تقارب ثلاثة أضعاف عن عام 2020 عندما شهدت المنطقة أول انقلاب عسكري.

وبالإضافة إلى ذلك قُتل العشرات من مقاتلي فاغنر الشهر الماضي في كمين نصبه انفصاليون من “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” والطوارق بالقرب من تين زاوتين في شمال مالي، في أسوأ خسارة معروفة على الإطلاق للمرتزقة الروس في أفريقيا.

وقدّر تقرير صدر في مجلة “سي تي سي سينتينيل” عام 2022 أن فاغنر أشرفت على تدهور الوضع الأمني في مالي وكانت تفاقم التهديد الجهادي في منطقة الساحل.

ومن المفارقات أن عجز روسيا عن الحد من تهديد مكافحة الإرهاب لن يؤدي إلا إلى زيادة اعتماد جيوش الساحل على مساعدتها. فالوضع المتدهور يلقي بظلال من الشك على قابلية استمرار الأنظمة التي بنت مصداقيتها على الحد من العنف الإسلامي على المدى الطويل. وبالتالي أصبحت المجالس العسكرية أكثر اعتمادًا على روسيا لضمان استمرار نظامها.

وتبدو روسيا راضية عن الوضع الراهن طالما أنها تحافظ على نفوذها لدى المجالس العسكرية التي تمنحها القدرة على الوصول إلى الموارد المربحة في منطقة الساحل. لكن عدم الاستقرار في المنطقة، والذي تزايد بسبب الوجود الروسي، بدأ ينتشر، ما يجعل الوضع الراهن أقل قابلية للاستمرار بالنسبة إلى الدول المجاورة.

وعلاوة على ذلك يهدف التفكك المحتمل للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بعد القرار الذي اتخذته مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالانسحاب من المجموعة وتشكيل اتحاد كونفدرالي، إلى التنافس مع الكتلة، ولن يؤدي إلا إلى تعقيد الوضع أكثر.

وستكون قدرة ما يسمى بتحالف دول الساحل على كبح العنف الإسلامي في منطقة كيدال بمالي، حيث وقع الكمين المميت الذي استهدف مرتزقة روسا الشهر الماضي، بمثابة اختبار فعلي لمستقبل الاتحاد الكونفدرالي الجديد.

ويزيد وجود روسيا الفوضى التي تعاني منها المنطقة ويساهم في تدفق المهاجرين نحو أوروبا والضغوط التي تلقي بثقلها على الحكومات في المناطق الساحلية وشمال أفريقيا.

7