تكاثر الكلاب السائبة.. تهديد متنام للتونسيين

الوضعية البيئية الكارثية تعد من بين أهم الأسباب الكامنة وراء التزايد المطرد في عدد الكلاب السائبة والمشردة في تونس.
الخميس 2024/05/23
قتل الكلاب السائبة يقضي على بؤر داء الكلب

تونس - تجوب الشوارع بالآلاف وأحيانا تجتمع في شكل قطعان بحثا عن الطعام، وهي الناقل الأساسي لداء الكلب؛ إنها الكلاب السائبة التي أصبحت تشكل تهديدا متناميا للتونسيين. فمنذ بداية سنة 2024 سجلت تونس أربع وفيات بداء الكلب، حسب وزارة الصحة.

وتنقل الكلاب داء الكلب إلى الإنسان والحيوانات الأخرى عن طريق العض أو الخدش أو اللعق وتبقى السبب الرئيسي إلى جانب القطط في وفاة الأشخاص بداء الكلب، بنسبة 99 في المئة، وفق المنظمة العالمية للصحة.

وتعد الوضعية البيئية الكارثية من بين أهم الأسباب الكامنة وراء التزايد المطرد في عدد الكلاب السائبة في تونس. وتتغذى هذه الكلاب، أساسا، من الفضلات المنزلية ومن بقايا الطعام الملقاة في شوارع المدن.

وأبرز كاهية مدير مقاومة الأمراض الحيوانية للمصالح البيطرية هاني حاج عمار أن “الفضلات المنزلية هي أهم مصدر غذاء بالنسبة إلى الكلاب السائبة. وما دام هناك غذاء في متناولها فستواصل التكاثر”.

داء الكلب يقتل عشرات الآلاف من الأشخاص كل سنة، وأساسا في آسيا وأفريقيا، 40 في المئة من الضحايا هم من الأطفال الأقل من 15 سنة

ولكبح آفة داء الكلب وضعت وزارة الزراعة على ذمة المواطنين الذين يمتلكون كلابا 190 مركزا للتلقيح تنتشر في كامل تراب البلاد. وأفاد حاج عمار في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء بأن “هذه المراكز تعمل على مدار السنة وتوفر تلاقيح مجانا. ويكمن الهدف في التقليص من خطر الإصابة بداء الكلب وبالتالي حماية المواطنين” .

وبالإضافة إلى مراكز التلقيح تنظم مصالح الصحة البيطرية بالوزارة خلال شهري نوفمبر ويناير من كل سنة حملة وطنية لتلقيح الكلاب وكل أصناف الحيوانات المعرضة للإصابة بداء الكلب على غرار القطط والخيول والأبقار.

وتستهدف الحملات الكلاب المملوكة للأفراد لأن الكلاب السائبة لا يمكن القبض عليها وإجراء التلقيح لها. وقال المسؤول “نحن عاجزون عن القبض على الكلاب السائبة لأجل تلقيحها. ويعود التصرف في هذا الصنف إلى وزارة الداخلية، وخصوصا البلديات التي يتمثل دورها في تنظيم عمليات قتل هذه الحيوانات للحد من انتشار داء الكلب”.

ورغم تسجيل تراجع في عمليات قتل الكلاب السائبة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الضغوط التي مارسها المجتمع المدني والمدافعون عن الحيوانات، يبدو أن هذه الممارسات قد عادت مجددا. وأفاد المسؤول عن مكافحة الأمراض الحيوانية بأنه “يتوفر لتونس عدد محدود من مراكز إخصاء الكلاب السائبة ويتعلق الأمر بمركزي المرسى ونابل، لأن هذه المراكز تتطلب موارد مالية ولوجستية هامة. وتبعا لذلك تجد البلديات نفسها مضطرة إلى قنص وقتل الكلاب السائبة، ما يسهم أحيانا في التحكم في انتشار الفايروس”.

وأشارت سارة الزاوي الناشطة في جمعية حماية الحيوانات بتونس، والتي قامت بتنظيم احتجاج خلال فبراير 2024 تنديدا بهذه الممارسات اللاإنسانية، إلى وجود بديل عن قتل الكلاب السائبة.

ومن بين الحلول ذكرت برنامج “جمع – إخصاء – إطلاق”، الذي يتمثل في جمع الكلاب بهدف تعقيمها ثم إطلاقها مجددا، وهو ما يقوم به مركز تعقيم وتلقيح الكلاب السائبة بالمنزه الثامن التابع لبلدية أريانة.

Thumbnail

وأوضحت أن “هذه الممارسة موجودة منذ خمسين سنة. ويمكن أن أتفهم البلديات، التي تكون عرضة لضغوط المواطنين الذين ضاقوا ذرعا بالكلاب السائبة، لكن الإبادة ليست الحل”.

وقالت المسؤولة عن البرنامج الوطني لمقاومة داء الكلب بوزارة الصحة كوثر حرابش إنها تتفهم الدعوات المتواصلة للمجتمع المدني الرامية إلى القطع مع عمليات قتل الكلاب السائبة. وفي الآن ذاته تتفق حرابش مع المسؤول في وزارة الزراعة هاني حاج عمار في أن قتل الكلاب السائبة لا يمكن تفاديه خاصة وأن البلديات لا تتوفر دائما على الوسائل اللازمة لإخصاء الحيوانات.

وبينت أنه “في عدد من الحالات يكون قتل الكلاب السائبة حتميا من أجل السيطرة على بؤر داء الكلب الحيواني. عندما يعض كلب حامل للفايروس كلبا آخر فإنه يتسبب في ظهور بؤرة جديدة للفايروس ما يستوجب التخلص من الحيوانات المصابة”.

ولأجل الوقاية من الإصابة بالفايروس أوصت المسؤولة عن البرنامج الوطني لمقاومة داء الكلب المواطنين بتفادي الاختلاط بالكلاب والقطط غير المعروفة لديهم وعدم إيوائها بمنازلهم. وأوضحت أنه تم تسجيل حالات وفاة مرتبطة بداء الكلب كانت ناتجة عن مثل هذا السلوك المتهور.

وشددت الأخصائية على أنه في حالة التعرض للعض أو الخدش أو حتى اللعق من قبل كلب سائب من الضروري تنظيف الجرح أو الموضع بعناية بالماء والصابون لمدة 15 دقيقة ثم تعقيمهما.

وأشارت إلى ضرورة التوجه في الإبان إلى أقرب مركز لمعالجة داء الكلب. واعتبرت أن تلقيح القطط والكلاب المنزلية من الحلول التي تحد انتشار داء الكلب، مشددة على عدم ترك الحيوانات بالطريق العام لأن هذه الظاهرة هي من العوامل المتسببة في ارتفاع حالات الإصابة بهذا الداء في تونس.

Thumbnail

وتشير الأرقام إلى تجاوز عدد الأشخاص الذين تمت مهاجمتهم من قبل حيوانات مشبوهة بإصابتها بداء الكلب 30 ألف حالة في 2010 إلى 42 ألف حالة في 2022، وفق وزارة الصحة. وكانت الكلاب السائبة وراء 31 في المئة من هذه الحالات.

وسجلت تونس خلال سنة 2023 ست وفيات تبعا للإصابة بداء الكلب مقابل خمس وفيات في 2022، وأن أكثر من 43 ألف شخص تم  تلقيحهم ضد داء الكلب في 2023.

وخلال سنة 2023 تم إحصاء نحو 355 حالة كلب حيواني مقابل 250 حالة في 2022 أي بارتفاع بنسبة 42 في المئة، وفق مؤشرات تعود إلى معهد باستور (حكومي).

ويقدر العدد الجملي للكلاب، بما في ذلك الكلاب السائبة والتي تتم تربيتها، بـ520 ألف كلب، وفق تقديرات وزارة الزراعة. كما بلغ معدل تغطية التلاقيح التي تمثل عدد الكلاب والقطط التي تتم تربيتها 79.1 في المئة عام 2023، وفق المصدر ذاته.

وبحسب المنظمة العالمية للصحة يقتل داء الكلب عشرات الآلاف من الأشخاص كل سنة، وأساسا في آسيا وأفريقيا، 40 في المئة من الضحايا هم من الأطفال الأقل من 15 سنة.

وتقدر كلفة معالجة داء الكلب على المستوى العالمي بـ8.6 مليار دولار في السنة، بحسب منظمة الصحة العالمية.

16