تقنية لتشخيص سرطان الثدي تستعين بالذكاء الاصطناعي

بغداد - "بدأت تعلم الذكاء الاصطناعي وأنا في سن التاسعة، كان مجرد أوامر برمجية في الألعاب، لكنني كنت أبحث دائماً عن شيء مفيد"، بهذه الكلمات وصف الطالب والمخترع العراقي براء القزاز بداياته في عالم البرمجة والذكاء الاصطناعي.
وفي حوار خاص مع وكالة الأنباء العراقية، تحدث القزاز عن رحلته مع الابتكار حتى وصوله إلى اختراع جهاز يكشف عن سرطان الثدي في أقل من عشر ثوانٍ فقط ليكون اختراعه قفزة في عالم الطب.
الشاب الطموح، الذي بدأ رحلته نحو مجالات أكثر أهمية وحيوية، مثل الطب والزراعة والتعليم، يسعى من خلال اختراعاته إلى تقديم حلول تكنولوجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لخدمة المجتمع وبلاده.
عن مشروعه الذي يركز على تطوير حلول سريعة وموثوقة للكشف المبكر عن سرطان الثدي باستخدام الذكاء الاصطناعي، قال القزاز إنه مشروع تمكن من خلاله من سد فجوات كبيرة في البنية التحتية الصحية والتغلب على العقبات الجغرافية والثقافية، كما عمل على تسهيل وصول هذه التكنولوجيا إلى المستخدمين من خلال تطبيق بسيط وفعال.
المشروع مكن من سد فجوات كبيرة في البنية التحتية الصحية، كما عمل على تسهيل وصول هذه التكنولوجيا إلى المستخدمين
وذكر القزاز أن منظمة الصحة العالمية كانت قد صنفت سرطان الثدي كأخطر ثاني مرض في العالم، ولكنه اليوم يحتل المرتبة الخامسة في قائمة أكبر مسببات الوفيات عالمياً، وفقاً للإحصاءات.
وسرطان الثدي يعد الأكثر انتشاراً بين أنواع السرطانات، إلا أن هناك عادات وتقاليد تمنع الكثير من النساء العراقيات من الذهاب إلى المراكز الصحية لتلقي العلاج أو إجراء الفحوصات اللازمة، ناهيك عن غياب بنية تحتية قوية تدعم المشاريع البحثية المتكاملة.
هنا تأتي أهمية مشروع القزاز، الذي يهدف إلى تطوير أداة تشخيص سريعة وموثوقة، قادرة على تجاوز العقبات الجغرافية والبيئية والثقافية، وفق وكالة الأنباء العراقية.
وفي ما يتعلق بأجهزة الماموغرام التقليدية أشار القزاز إلى أنها تتطلب بنية تحتية معقدة، تشمل أخصائي أشعة متخصصا، كما أن هناك احتمالا للخطأ البشري في التشخيص.
وأضاف أن الميزة الكبيرة للذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على التعلم من الأخطاء وتجنب تكرارها، في حين أن البشر قد يكررون الأخطاء، خصوصا في مجالات دقيقة كالأشعة وتشخيص الأمراض السرطانية، ويمكن تدريب الذكاء الاصطناعي ليصبح أكثر كفاءة من أي أخصائي أشعة في المستقبل.
ما قام به براء القزاز في اختراعه هو سد الفجوات الموجودة في البحث العلمي، حيث طوّر نموذجا متقدما قائما على الذكاء الاصطناعي، وهذا النموذج يعتمد على مزيج من خوارزميات التعلم الآلي والتعلم العميق والتحليل البياني، ما يجعل مشروعه خطوة مهمة نحو تحسين تشخيص سرطان الثدي بشكل فعال وشامل.
القزاز تمكن من خلال مشروعه من سد فجوات كبيرة في البنية التحتية الصحية والتغلب على العقبات الجغرافية والثقافية
وقال القزاز “أضفت إلى مشروعي بُعدا جديدا من خلال تطوير نماذج ذكاء اصطناعي مدربة بدقة عالية، حيث تم تدريب هذه النماذج لتحقيق نسبة دقة بلغت 99 في المئة، وبوقت تصنيف لا يتجاوز خمس ثوانٍ، وهي سرعة ودقة لم تتحققا حتى الآن في أي مشروع عالمي لدى شركات رائدة مثل غوغل أو مايكروسوفت. هذا الإنجاز تم تحقيقه من خلال المنافسات الواقعية التي أقامتها الجامعة التقنية الشمالية وأولمبياد إزمير للروبوتات العالمية، حيث حصلت على الميدالية البرونزية، بالإضافة إلى المسابقة الوطنية للذكاء الاصطناعي والروبوت المقامة في بغداد بنسختها الأخيرة.”
بعد الانتهاء من تدريب النموذج وتحقيق هذه النتائج، قام القزاز بتحويل اختراعه إلى تطبيق سهل الاستخدام يتضمن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بأعراض سرطان الثدي، ويحتوي التطبيق على ميزة إلزامية لرفع ثلاث صور للماموغرام، وهو ما يسهم في تسهيل العملية.
وتعمل منظمة الصحة العالمية وبعض الشركات غير الربحية على استدامة المجتمع وتوفير أجهزة ماموغرام محمولة متاحة للجميع وبأسعار معقولة.
وأوضح القزاز لوكالة الأنباء العراقية أن “هذه الأجهزة صُممت لتتكامل مع التطبيق، بحيث يتم الاتصال بينهما بشكل مباشر، وتُلتقط الصور في الوقت الفعلي، ويتم تحليل البيانات وإخراج النتائج بتنسيق مفهوم للأداة لضمان أن النتيجة قريبة من الواقع، ما يساعد على حل مشكلة التشخيص الفعلي.”
وبراء القزاز هو أيضاً محكم دولي في سابع أفضل مجلة في العالم بمجال الذكاء الاصطناعي، وخاصة في استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي، وهي مجلة “كمبيوتر أن بيولوجي”.

وواحدة من المشاكل التي تمكّن براء من حلها في بحثه هي مشكلة “الصندوق الأسود” التي تواجه خوارزميات الذكاء الاصطناعي اليوم، إذ غالباً ما يُعاب على هذه الخوارزميات أنها تتخذ قرارات من دون وضوح السبب من ورائها، مثل: لماذا تم تشخيص هذا الشخص كمصاب ولم يتم تشخيص الآخر؟ وتجاوز براء هذه العقبة عبر خوارزمية تربط بين العقد والحواف وتستخرج العلاقات المعقدة بين البيانات.
هذا الحل لا يعالج فقط نقص البيانات في الدول مثل العراق، بل يعززها ويتغلب على الحواجز البيئية والثقافية والجغرافية، وهو ما يجعل مشروعه نموذجاً رائدا في مجال التشخيص الطبي بالذكاء الاصطناعي.
وأشار القزاز إلى أنه بدأ بتنفيذ أفكاره وتعلم مجال الذكاء الاصطناعي منذ أن كان في التاسعة من عمره، وكانت البداية مع الأوامر البرمجية التي وجدت داخل الألعاب، وكانت هذه الأوامر تتيح له الحصول على نتائج مفيدة، حينذاك بدأ يفكر في برمجة أشياء أخرى أكثر فائدة. و”هذا الشغف الذي نشأ معي أعطاني الدافع لتعلم الذكاء الاصطناعي.”
وأضاف أن إحدى أكبر العقبات التي واجهته هي عدم الحصول على قواعد بيانات، ولم يقرر أي مستشفى تبني النموذج الذي طوّره، رغم كل المناشدات التي وجهها، حتى على مستوى المسابقات، لم تكن هناك سوى مسابقة واحدة في العراق، وقد فاز بها، لكنها تُقام مرة واحدة في السنة، متمنياً الحصول على دعم حكومي يمكنه من الاستمرار، لأن هناك العديد من المخترعين الذين لا يستطيعون المشاركة بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف.
ما يطمح إليه براء ويتمناه هو أن تكون لدى العراق رؤية واضحة للذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي وضعتها الكثير من دول العالم، ويتمنى أن يكون في العراق مركز بحثي وطني مخصص للذكاء الاصطناعي، يُدار من قبل خبراء في هذا المجال.